أبرزهم السعودية والهند.. كيف غيرت حرب أوكرانيا علاقة واشنطن بحلفائها؟

غيَّرت الحرب الأوكرانية بشكل كبير العلاقات التي كانت تبنيها واشنطن مع حلفائها، سواء في الهند أو الخليج العربي، هؤلاء الذين أبانوا عن رفضٍ للانصياع لضغوطات الغرب بالمشاركة في العقوبات التي تستهدف روسيا.

مع اندلاع الحرب الأوكرانية، أظهرت بعض الدول، التي كانت حتى وقت قريب تسبح في فلك الولايات المتحدة الأمريكية، أنها أبعد ما تكون عن ذلك. لما أظهرته من مواقف محايدة إزاء الحرب، بل ورفضها الانصياع للتوصيات الأمريكية لمعاقبة روسيا اقتصادياً كي تنسحب من أوكرانيا.

على رأس هذه الدول تقبع الهند، التي رفضت فك ارتباطاتها العسكرية بموسكو، بل زادت تقاربها معها باتفاق تجاري وواردات نفطية تدفع قيمتها بالروبل. السعودية هي الأخرى لم ترضخ للضغوط الأمريكية برفع إنتاجها من البترول لتخفيض أسعاره في السوق العالمية، وفضلت عوض ذلك التقارب مع الصين وتسعير جزء من صادراتها البترولية إلى هناك باليوان. أما الإمارات فأصبحت ملجأ الأوليغارشية الروسية، التي تفر إليها من العقوبات الاقتصادية الغربية.

فيما تبرز هذه المواقف، المختلفة عما كان متوقعاً، حجم التقارب الروسي والصيني مع تلك الدول، كفشل السياسة الأمريكية في إدارة علاقاتها معها في عدد من الملفات الخلافية واكتفائها في ذلك بسياسة جزرة المصالح الاقتصادية وعصا العقوبات.

الهند وروسيا.. تقارب بطعم السلاح والنفط!

منذ انطلاق الهجوم الروسي على أوكرانيا، سعت الولايات المتحدة إلى دفع مجلس الأمن الدولي التصويت ليدين الهجوم. فشلت مرتين في ذلك بالفيتو الروسي، وبعدها انتقل التصويت إلى الجمعية العامة. خلال ذلك أبرزت الهند أنها بعيدة عن أن تحلق في سرب واشنطن وحلفاءها، وفضَّلت الامتناع عن التصويت.

قرار الهند لاقى استحساناً في موسكو، ما عبرت عنه سفارتها في نيو دلهي، قائلة في تغريدة: “روسيا تعرب عن تقديرها البالغ للموقف المحايد والمتوازن الذي اتخذته الهند أثناء التصويت الذي أجري في مجلس الأمن الدولي يوم 25 فبراير/شباط، و أن روسيا ملتزمة الحفاظ على الحوار الوثيق مع الهند بشأن الوضع المتعلق بأوكرانيا، وذلك انطلاقاً من روح الشراكة الاستراتيجية الخاصة والمميزة بين الهند وروسيا”.

اقتصادياً، أبانت الدولتان عن إمكانية توطيد العلاقات الاقتصادية بينهما، فأجرى نائب رئيس الوزراء الروسي، ألكسندر نوفاك، اتصالاً هاتفياً مع وزير البترول والغاز الهندي هارديب سينغ بوري، ركّز فيه الجانبان على مجالات التعاون بين البلدين في قطاع الوقود والطاقة، فضلاً عن التعليم. وقال نوفاك في بيان: “روسيا مهتمةٌ بجذب استثمارات من شركاء من الهند في قطاع النفط والغاز في روسيا، وكذلك في تطوير شبكةِ مبيعاتٍ بمشاركة الشركات الروسية في الهند”.

وأوردت صحيفة “فايننشال تايمز” أن البنك المركزي الهندي يجري مشاورات لإيجاد آلية صرف بين الروبل والروبية، من شأنها أن تمكّن من استمرار العلاقات التجارية بين البلدين، بعد أن فرضت العقوبات الغربية قيودًا على آليات الدفع الدولية.

يضاف توطيد هذه العلاقات إلى الشراكة الاستراتيجية والدفاعية التي تربط الهند بروسيا، والتي أُعلنت إثر زيارة بوتين نيو دلهي في ديسمبر/كانون الأول الماضي. وقتها تسلَّمت الهند أول شحناتها من أنظمة الدفاع الجوي الروسية S-400، تنفيذاً لصفقة خطّطَ لها منذ أكتوبر/تشرين الأول 2018 ووُصفت بأنها الأكبر في تاريخ مصنّع السلاح الروسي “روس أوبورون إكسبورت”، إذ فاقت قيمتها 5 مليارات دولار.

السعودية والصين.. من أجل تحرير النفط من الدولار

تقارب آخر أفرزته المرحلة بين حليف تقليدي للولايات المتحدة ونقيض تقليدي لها، هو ذاك الذي أخذ في النشوء لأشهر بين السعودية والصين. وعبر عنه مؤخراً في دعوة الرياض الرئيس الصيني، سي جين بينغ، إلى زيارتها رسمياً. وإعدادها استقبالاً حافلاً له يشبه ذاك الذي استقبلت به ترامب عام 2016، حسبما أوردت تقارير إعلامية.

في خطوة أخرى تشير إلى ذلك التقارب، كشفت صحيفة “وول ستريت جورنال” في تقرير لها، أن الرياض تجري مشاورات مع الصين لتسعير بعض من صادراتها النفطية باليوان، في خطوة يتوقع أن تؤثر على سيادة الدولار في أسواق النفط العالمية، وتعد مؤشراً على توجه أكبر مصدّر للخام في العالم نحو آسيا.

وتأتي هذه المشاورات مواكبة لمساعي بكين التاريخية للدفع بعملتها لتحلّ محلّ الدولار في السوق العالمية لتجارة الذهب الأسود. وفي سنة 2018 أبرزت الصين عملتها، اليوان، في العقود النفطية، لكن مساعيها لم تنجح في كبح سيادة الدولار بالأسواق العالمية. فيما اعتبر مسؤول أمريكي رفيع، في تصريحه لـ”وول ستريت جورنال”، أنها فكرة “شديدة التقلب وعدائية”.

وقبل ذلك رفضت الرياض الطلب الأمريكي برفع إنتاجها النفطي لتخفيض أسعاره في السوق العالمية، وبالتالي تكبيد الصادرات الروسية خسائر كبيرة في ظل الحصار الاقتصادي عليها. وفشلت زيارة رئيس الوزراء البريطاني بوريس جونسون، في زيارته يوم الأربعاء الرياض وأبو ظبي، في ثنيهما عن قرار التشبث بالإنتاج الحالي لمواردهما الطاقية.

بالمقابل، وخارج ملف البترول، تعوّل الرياض على خبرات بكين في تطوير برنامجها الباليستي الخاص، وتقليل اعتمادها على السلاح الأمريكي، في ظل العراقيل التي تعرفها تلك الواردات الدفاعية. كما مشاركة الصين في إنشاء أول مفاعل نووي سعودي لأغراض مدنية.

الإمارات.. جنة الأوليغارشية الروسية

وإضافة إلى رفض أبو ظبي رفع إنتاجها النفطي، ودعمها موسكو داخل مجلس الأمن الدولي، الذي ترْأسه طوال هذا الشهر، إذ امتنعت عن التصويت في مناسبتين لصالح قرار يهدف إلى إدانة الهجوم الروسي على أوكرانيا. ترفض الإمارات كذلك تطبيق العقوبات الاقتصادية على المؤسسات والأفراد الروس.

وبالتالي، أصبحت الدولة العربية ملاذ الأوليغارشية الروسية الفارّة برؤوس أموالها من الحصار الاقتصادي. ذلك ما أفاد به مقال لصحيفة نيويورك تايمز الأمريكية، بأن نحو 38 رجل أعمال روسياً يملكون أصولاً عقارية واستثمارية في دبي، بما يبلغ قدره 314 مليون دولار. ونقل ذات المصدر عن رجل أعمال عربي متخصص في تأجير العقارات بدبي قوله: “الإقبال على العقارات في دبي أصبح خيالياً”، مع العقوبات التي فُرضت على روسيا.

وحسب بحث لمركز “الدراسات الدفاعية المعمقة” في واشنطن، يملك الأوليغارشيون المقربون من بوتين ما لا يقل عن 76 من الأملاك في دولة الإمارات، يديرونها سواء بشكل مباشر أو غير مباشر. أبرز هذه الشخصيات ألكسندر بوروداي عضو مجلس الدوما الذي عمل رئيس وزراء للأقاليم الانفصالية في شرق أوكرانيا، وباكخان غاييف عضو مجلس الدوما المالك لشركة بترولية روسية، وألكسي أليكسين أحد كبار موردي التبغ في بيلاروسيا. هؤلاء الثلاثة فقط مجتمعين يملكون عقارات في الإمارات بقيمة 75 مليون دولار.

TRT عربي

nexus slot

garansi kekalahan 100