الجزائر… مرور على القاهرة

بقلم عثمان لحياني

 

في توقيت عربي خالص، ذهب الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون إلى القاهرة لملاقاة الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي.

المنطق السياسي يقول إن تبون فعل حسناً، حين قام بالخطوة الأولى لترميم ثقة غائبة “تاريخياً” بين القاهرة والجزائر، وبناء محور عربي جديد، يقوم على “عيش وملح” حل الأزمات.

لكن معطيات الراهن تؤكد أن هذا الطموح الجزائري “متأخر وبريء”، وما زال بحاجة إلى وقت أكبر، لتتوفر له عوامل النضج والكينونة السياسية.

“بريء” لأنه يأخذ المشهد العربي بنفس حالة العقود الثورية السابقة، التي كان يطغى عليها حد أدنى من “الأنفة” العربية والمواقف المناضلة، ولأنه يخاطب العقل العربي السليم، الذي لم يكن قد تشوه بعد “بقيم التطبيع”، ولم يلتبس عليه العدو من الشقيق.

و”متأخر” لأن القاهرة لم تعد هي القاهرة، والعرب غير العرب، بحيث لم تعد إسرائيل عدواً في نظر عرب في المشرق والمغرب، بينما بقيت الجزائر هي الجزائر بعيدة كل البعد عن التطبيع.

غير ذلك، فإن الفاحص لتاريخ العلاقات السياسية بين الجزائر ومصر، يجد أنها لم تصل، في أي مرحلة من المراحل، إلى مستوى عالٍ من الثقة السياسية لأسباب عدة.

بعض هذه الأسباب له صلة بخلفيات تاريخية، بدأت منذ ما بعد انقلاب الرئيس الراحل هواري بومدين، على الرئيس الراحل أحمد بن بلة، حليف الرئيس المصري الراحل جمال عبد الناصر، في يونيو/حزيران 1965، إلى قيادة الجزائر لجبهة الصمود والتصدي ضد اتفاقية كامب ديفيد، وطرد مصر من الجامعة العربية.

ووصل الأمر إلى خلافات حادة خلال الحرب على العراق في تسعينيات القرن الماضي، والصدام داخل الجامعة العربية بشأن طرد سورية منها، والتدخل الأجنبي في ليبيا في 2012. وجاءت قبل هذا الأزمة العاصفة بينهما بسبب كرة القدم في 2009.

وظلت البرودة هي الغالبة على هذه العلاقات. وهذا ما يفسر ندرة الزيارات المتبادلة على مستوى الرؤساء، (آخر زيارة لرئيس جزائري إلى القاهرة كانت عام 2000). ويعكس ذلك ريبة مستمرة، وأزمة ثقة مزمنة، بين النظامين الجزائري والمصري، وتصادم مشاريعهما السياسية وتصوراتهما الإقليمية.

المسافة السياسية بين الجزائر ومصر متسعة أيضاً في الراهن، على أكثر من صعيد، وفي أكثر من ملف. الجزائر ما زالت تحافظ على رصيدها الثوري ضد التطبيع، بينما تقف مصر دافعة له. وفي الملف الليبي، حيث تدفع مصر كتلة من القوى الليبية خارج الحل، تصر الجزائر على مشاركة الجميع.

ومن تعتبرهم القاهرة جماعة إرهابية (الإخوان)، يشاركون في الجزائر في الحكومة والرئاسة والبرلمان بكثافة. وفي تونس تلعب مصر مع محور يريد كسر ظهر الثورة، وإقصاء طيف سياسي من المشهد، بينما لا توافق الجزائر على مقاربات الاستئصال السياسي. لذلك قد لا تكفي زيارة واحدة لإذابة الجليد.

يحتاج الأمر إلى بعض الوقت لمعرفة مخرجات الزيارة، وما إذا كان من الضروري على الجزائر المرور عبر القاهرة، للبحث عن إسناد مصري لترتيب القمة العربية المقبلة.

بالنسبة للجزائر، إذا كان ذلك صحيحاً، فإن هناك فاتورة متأخرة يتوجب على الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي دفعها لها، عندما تصدت الجزائر لمحاولات تعليق عضوية مصر في الاتحاد الأفريقي، ومكنت السيسي من المشاركة في القمة الأفريقية في غينيا في يونيو 2014.

المصدر: الرئيسية

nexus slot

garansi kekalahan 100