حرب الناقلات العراقية الإيرانية في ذكراها الـ37.. من أشرس المعارك الحديثة وهذه خفاياها

.عشرات السفن والباخرات الغارقة ما زالت تعيق حركة الملاحة في المياه الإقليمية العراقية فضلا عن شط العرب

رغم أن مصطلح حرب الناقلات بات شائعا خلال الأشهر الماضية بسبب الاستهدافات البحرية المتبادلة بين إيران وإسرائيل، فإن حرب الناقلات الحقيقية كانت قد جرت فعليا بين العراق وإيران خلال حرب السنوات الثماني، والتي امتدت بين عامي 1980-1988.

تعرف الحرب العراقية الإيرانية بأنها أطول حرب نظامية في العصر الحديث، حيث استخدمت فيها مختلف أنواع الأسلحة وأدت لمقتل مئات آلاف الجنود والعسكريين من الطرفين، فضلا عن تكلفتها الاقتصادية الباهظة التي قاربت التريليون دولار في حينها.

“لم تكن حرب العراق مع إيران عادية، فقد شهدت ويلات كثيرة وامتدت من البر والجو والبحر” بهذه الكلمات يصف الضابط في الجيش العراقي السابق حسن العبيدي الحرب بين البلدين.

العلاف: حرب الناقلات ارتبطت بقرار إيران إغلاق الخليج أمام السفن المحملة بالنفط العراقي (الجزيرة)

تغيير الإستراتيجية

ويعلق العبيدي أنه وبغض النظر عن أسباب الحرب والدولة التي بدأتها، فإنه وبعد عامين على الحرب، بدأ العراق بتغيير إستراتيجيته التي كانت تركز على الجو والبر كميدان معركة، ليبدأ الحرب في البحر بالخليج العربي.

ويتابع العبيدي أنه واعتبارا من 21 نوفمبر/تشرين الثاني 1982، بدأت القوارب الصاروخية العراقية بتوجيه راداري من شبه جزيرة الفاو تصطدم بقوافل السفن المبحرة إلى ميناء بندر خميني الإيراني ومحطات النفط في جزيرة هارك (الأكبر في إيران) .

ويرى العبيدي في حديثه للجزيرة نت أن حرب الناقلات الحقيقية بين البلدين انطلقت في 26 أبريل/نيسان 1984، حيث بدأت في منطقة محطات خاركا الإيرانية، وخلال الأشهر اللاحقة لعام 1984 اصطدم العراقيون بـ58 ناقلة لتبدأ إيران بالرد بالمثل.

من جهته، يقول المؤرخ العراقي وأستاذ التاريخ الحديث في جامعة الموصل إبراهيم العلاف إن حرب الناقلات ارتبطت بقرار إيران إغلاق الخليج العربي أمام السفن المحملة بالنفط العراقي أيا كانت جنسيتها، بما يعني استهداف الناقلات السعودية والكويتية التي كانت طهران تتهمهما بمساعدة العراق اقتصاديا في حربه ضدها.

ويشير العلاف في حديثه للجزيرة نت إلى أن المرشد الأعلى في إيران آنذاك الخميني أكد أن إيران لن تدع طرق الملاحة البحرية في الخليج آمنة إذا ما بقي الطريق إلى مينائها النفطي في جزيرة “خرج” مهددا بالقصف ومنع تصدير النفط الإيراني.

القيسي يرى أن العراق استهدف ناقلات وموانئ إيران كمحاولة لخنق اقتصادها (الجزيرة)

الأسلحة المستخدمة

يشير الضابط في الجيش العراقي السابق اللواء الركن علاء الدين مكي خمّاس في كتابه (حرب الناقلات في الخليج العربي 1980-1988) إلى أن العراق في حربه البحرية استخدم طائرات الميراج التي زودته بها فرنسا، وبذلك استطاعت القوات الجوية العراقية الوصول إلى أبعد نقطة في الخليج وقصف الميناء العائم في جزيرة لاراك الإيرانية.

أما اللواء المتقاعد في الجيش العراقي السابق ماجد القيسي فيشير من جانبه إلى أن العراق ومنذ بداية حربه مع إيران كان محاصرا من الناحية البحرية بسبب ضيق حدوده المائية من جهة البصرة وكون المنفذ البحري العراقي ساحة عمليات في الحرب لقربه الشديد من إيران، مستدلا بأن العراق اتجه عقب بداية الحرب لتصدير نفطه عبر خطوط الأنابيب إلى البحر المتوسط والبحر الأحمر، فضلا عن نقل النفط عن طريق الكويت لتحميله في ناقلات عربية خليجية.

أما إيران، فتمتلك حدودا بحرية طويلة كانت تمكنها من تصدير نفطها للخارج، ما جعل من الاقتصاد الإيراني يعيش أريحية اقتصادية مقارنة بالجانب العراقي، وبالتالي جاء استهداف العراق ناقلات وموانئ إيران كمحاولة لخنق اقتصادها، بحسب القيسي.

ويتابع القيسي الذي يشغل حاليا مدير برنامج الأمن والدفاع في مركز صنع السياسات للدراسات الدولية، أنه وبعد سيطرة إيران على ميناء الفاو العراقي عام 1986، زادت حدة الحرب البحرية العراقية تجاه إيران في محاولة منه لثنيها عن الحرب ومحاولة إنهائها، وبالتالي ازدادت حاجة العراق لطائرات طويلة المدى لاستهداف الموانئ الإيرانية والبواخر، خاصة أنه لا يمتلك طائرات الإرضاع الجوي (التزود بالوقود).

ويكشف القيسي في حديثه للجزيرة نت أن العراق ومنذ عام 1986 استخدم طائرات “جت فالكون” المدنية (Jet Falcon) الفرنسية التي كان يمتلك 6 منها والمخصصة لكبار الشخصيات، حيث استطاع تحويرها بإضافة منصات صواريخ الإيكسوزيت الفرنسية، واستطاع من خلال هذه الطائرات (بعيدة المدى) استهداف جزيرة سيري التي تجتمع فيها الناقلات العملاقة المحملة بالنفط الإيراني.

وبعد ذلك بأشهر تسلم العراق طائرات روسية من طراز (سو-24) التي استخدمت بشكل يومي في استهداف العمق البحري لإيران، كاشفا عن أن الهجمات العراقية غالبا ما كانت تتم ليلا بسبب مهارة الطيارين العراقيين، وفق القيسي.

أما عن الأسباب التي أدت بالعراق إلى بدء حرب الناقلات بعد 4 سنوات على بداية الحرب مع إيران، فيرى الباحث السياسي غانم العابد أن إيران استهدفت المدن العراقية بقسوة، ما أوقع خسائر كبيرة بالمدنيين في السنوات الأولى للحرب، الأمر الذي اضطر العراق للرد بالقوة ذاتها لكن في ميدان آخر.

ويضيف العابد في حديثه للجزيرة نت أن العراق وبدل أن يستهدف المدن الإيرانية شرع باستهداف عصب الاقتصاد الإيراني لإيقاع أكبر أثر نفسي وسياسي في إيران، معقبا أن الحرب العراقية على البنى التحتية الإيرانية أدت بالأخيرة إلى أن تعاني قرابة عقدين من الزمان لإعادة إعمارها.

فرقاطة أميركية بعد تعرضها عن طريق الخطأ لضربة جوية عراقية عام 1987 ايام الحرب مع إيران (مواقع التواصل)

الدور الأميركي

وعن دور واشنطن في الحرب، يعلق المؤرخ العلاف في حديثه للجزيرة نت أنه في ربيع عام 1984 شهدت الحرب البحرية مهاجمة إيران للسفن والناقلات الكويتية والسعودية، ففي 13 مايو/أيار 1984 قُصفت الناقلتان الكويتيتان (أم القصبة) و(بحرة)، وفي 16 من الشهر ذاته قُصفت الناقلة السعودية (مفخرة ينبع) في ميناء راس تنورة السعودي.

وبتلك الهجمات التي طالت ناقلات النفط العراقية والسعودية والكويتية، طلبت الكويت المساعدة من الولايات المتحدة التي سارعت بدورها لإرسال عدد من السفن، حيث طلبت واشنطن من الكويت رفع العلم الأميركي على الناقلات التجارية الكويتية لضمان عدم الاعتداء عليها من قبل إيران، بحسب العلاف.

أما القيسي فيعتبر أن دخول الولايات المتحدة عسكريا للخليج بعد طلب الكويت، أدى لتغيير مسار الحرب، حيث سرّع الدور الأميركي في إنهاء الحرب، مستدلا بحادثة استهداف العراق للفرقاطة الأميركية (ستارك) التي كانت تبحر في مياه الخليج بصاروخ إيكسوزيت في 17 مايو/أيار1987، حيث استشعرت واشنطن أن الحرب بين العراق وإيران ستؤثر على سوق النفط العالمي.

ورغم أن واشنطن فقدت 37 بحارا في هذه الحادثة التي أكد العراق أنها كانت عن طريق الخطأ ودفع 28 مليون دولار تعويضا للضحايا، فإن القيسي يرى أن هذه الحادثة متعمدة من العراق لأجل إجبار الولايات المتحدة على التدخل لوقف الحرب، مشيرا إلى أن الطيارين العراقيين حينها كانوا محترفين ولم يكن من المنطقي استهداف الفرقاطة (ستارك)، حيث إن الدقائق السابقة لاستهدافها شهدت اتصالا بين المقاتلات العراقية والأميركيين وتم التأكيد على أن الفرقاطة أميركية.

من جهته، يقول الكاتب الأميركي لي ألن زاتاريان في كتابه (حرب الناقلات: أول حرب لأميركا ضد إيران 1987-1988)، إن التدخل الأميركي في حرب الناقلات بين العراق وإيران أدى لساحة صراع مفتوحة، حيث زرع الإيرانيون الألغام في مضيق هرمز وأطلقوا قوارب هجومية ضد كل الناقلات والسفن الحربية الأميركية.

ويتابع الكاتب أنه وفي 24 يوليو/تموز 1987 اصطدمت سادس أكبر سفينة في العالم الناقلة الأميركية (يو إس إس بريدجستون) بلغم إيراني وغرقت، بعدها خاضت القوات البحرية الأميركية أكبر معركة منذ الحرب العالمية الثانية ضد السفن والزوارق الحربية الإيرانية، بحسب الكاتب.

ويضيف أنه في يوليو/تموز 1988، أطلق البحارة الأميركيون على متن السفينة الحربية (يو إس إس فينسنس) النار على طائرة إيرانية مدنية، ما أسفر عن مقتل 300 مدني، مشيرا إلى أن هذا الحادث الذي وقع قبل شهر من نهاية حرب السنوات الثماني أجبر إيران على القبول بوقف إطلاق النار.

القيسي أشار إلى أن قرابة 223 ناقلة نفطية من مختلف الجنسيات أغرقت خلال الحرب العراقية الإيرانية (الفرنسية)

الخسائر الكلية

لا توجد إحصائية توثق عدد الناقلات البحرية والمدنية التي تعرضت للاستهداف والإغراق، غير أن قائد الأسطول العراقي في الجيش السابق عبد محمد الكعبي أكد في حديثه لإحدى وكالات الأنباء الدولية أن الفترة بين نوفمبر/تشرين الثاني 1982 إلى فبراير/شباط 1986، أغرق العراقيون 102 ناقلة و145 سفينة تجارية إيرانية.

من جهته، يؤكد القيسي أن حرب الناقلات التي وصفها بـ(الطويلة) شهدت إغراق قرابة 223 ناقلة نفطية من مختلف الجنسيات، إضافة إلى تضرر وغرق نحو 540 ناقلة تجارية ومقتل نحو 430 بحارا، بخسائر تقدر بمليارات الدولارات حينها.

لم تقتصر الخسائر على الجانب المادي، حيث ألحقت حرب الناقلات أضرارا بيئية كبيرة بالعراق وإيران، إذ ما تزال عشرات السفن والباخرات تعيق حركة الملاحة في المياه الإقليمية العراقية فضلا عن شط العرب.

المصدر : الجزيرة

nexus slot

garansi kekalahan 100