دبلوماسي ايطالي ينتقد صمت الغرب على تجاوزات سعيّد

انتقد دبلوماسي إيطالي سابق صمت الغرب المطبق إزاء الأحداث الجارية في تونس، إثر انفراد الرئيس قيس سعيّد بالسلطة في البلاد.

وكتب السفير الإيطالي السابق لدى العراق ماركو كارنيلوس، مقالا في موقع ميدل إيست آي (Middle East Eye) الإخباري البريطاني، استهله بالقول إن تونس قد تبدو دولة ليست ذات أهمية كبيرة على الصعيد الدولي، إلا أنها هي التي انطلقت منها شرارة ثورات الربيع العربي، وفيها تلفظ الآن أنفاسها الأخيرة في أغلب الظن.

ويقول الكاتب إن من سوء الطالع أن “الانتقال السلمي نسبيا” للسلطة في تونس تبعته انتقالات “أشد دموية” في مصر واليمن وليبيا وسوريا، ففي الدول الثلاث الأخيرة دارت حروب أهلية أسفرت عن خسائر بشرية فادحة.

ومع ذلك، فإن كارنيلوس الذي عمل في السابق مبعوثا للحكومة الإيطالية لتنسيق عملية السلام في سوريا والشرق الأوسط، يعتبر أن تونس إلى جانب لبنان “كانتا، وربما لا تزالان، أكثر المجتمعات العربية تقدما”.

ولعل هذا -برأيه- قد يفسر انتقالها السلمي النسبي من نظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي “الاستبدادي” إلى حكومات تولت مقاليد السلطة بعد انتخابات حرة، اضطلعت فيها حزب حركة النهضة -“المعبر عن جماعة الإخوان المسلمين”- بدور مهم.

وتقف تونس على مفترق طرق بين أوروبا وشمال أفريقيا، وبين غرب البحر الأبيض المتوسط وشرقه من جهة أخرى، وتحتل موقعا يسمح لها بمراقبة ما يجري من أحداث في جارتها ليبيا التي تمور بالاضطرابات، كما أنها في وضع جيد يمكَّنها من تقييم الديناميكية “الشائكة” بين الإسلام السياسي والديمقراطية، بحسب الدبلوماسي الإيطالي السابق.

وإذا كان قد بدا أن تونس تمثل قصة النجاح الوحيدة في الربيع العربي، إلا أن ذلك كله قد تغير في يوليو/تموز الماضي عندما نفذ الرئيس قيس سعيّد “انقلابا” حلّ بموجبه البرلمان وتولى صلاحيات استثنائية، بعد أشهر من قلاقل تفاقمت بسبب تردي الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية واستياء من حكومة رئيس الوزراء حينها هشام المشيشي، وأداء البرلمان الذي كان يرأسه زعيم حركة النهضة راشد الغنوشي.

وأشار كارنيلوس إلى أن الرئيس سعيِّد -وهو أستاذ جامعي لمادة القانون الدستوري- برر قراره ذاك بأنه استند إلى المادة (80) من الدستور التونسي، الذي أُجيز في عام 2014.

وبحسب السفير الإيطالي السابق في مقاله، فإن تفسير سعيِّد لتلك المادة وتطبيقها يبدو أنه تجاوز كثيرا -برأي العديد من خبراء القانون التونسيين- مغزاها الأصلي.

وليس هناك من مؤشرات تدل على أن التوتر الداخلي الناجم عن “الانقلاب” -كما يصفه كارنيلوس- في تراجع، بل إن سعيّد اقترح حلولا تنطوي على طابع استقطابي، مثل تعليق العمل بالدستور والدعوة لإجراء استفتاء شعبي لإصلاح النظام السياسي.

ويؤكد الكاتب أنه على الرغم من ذلك كله، جاءت ردود المجتمع الدولي”فاترة إلى حد كبير بل التزم الصمت المطبق”، وخاصة الغرب “الذي يجب أن يكون صوته عاليا في مثل هذه المواقف، استنادا إلى القيم التي يتشدق بها”.

على أن تطورات الأحداث في تونس يمكن وضعها في سياق تدهور سياسي يُعزى إلى الانقسام الطويل الأمد الذي يرزح تحته العالم العربي والإسلامي حول ظاهرة الإسلام السياسي، طبقا لمقال ميدل إيست آي.

وبعبارة أخرى، فقد تكون تونس هي القطعة الأخيرة في تصفية حسابات تجلت بالفعل في القبول الدولي العريض للانقلاب “الوحشي” الذي أطاح -في 2013- بحكومة الرئيس محمد مرسي المنتخبة ديمقراطيا في مصر، على حد تعبير المقال.

“ولربما نحن على وشك أن نرى انعطافات كبيرة في السياسة بالشرق الأوسط وشمال أفريقيا، في ظل انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان وسقوط الدولة بأيدي حركة طالبان، مما تسبب في زلزال هزت توابعه في المنطقة”.

ويعتقد كاتب المقال أن تونس تستحق -رغم كل الجدل الدستوري الدائر هناك- اهتمام المجتمع الدولي، ذلك “لأننا نشهد فصلا استبداديا آخر في المنطقة” ينذر بأزمات هائلة تصعب إدارتها.

ويلفت إلى أن إدارة الأزمة في ليبيا مع تجاهل ما يحدث في جارتها الغربية (تونس)، من شأنه أن يؤدي إلى نتائج عكسية. مضيفا أن أي حل يجب أن يكون شاملا -وفوق ذلك- مستندا إلى التزام من جانب الاتحاد الأوروبي بإعمال قوته الناعمة “التي استُخدمت بشكل سيئ”.

ويخلص الدبلوماسي السابق إلى أن التوصل إلى حل للأزمة التونسية شرط أساسي للتعامل بشكل أفضل مع الوضع “الصعب” في ليبيا، والأوضاع الأمنية الخطيرة في منطقة الساحل بأسرها.

وأخيرا، فإن لدى الاتحاد الأوروبي -بما تضمه دوله من أعداد كبيرة من المسلمين- مصلحة راسخة في التأكد من أن ديناميكية الثنائية الحساسة بين الإسلام السياسي والديمقراطية على النمط الغربي، تعمل على تعزيز نفسها عبر صناديق الاقتراع، لا الانقلابات العسكرية.

وفي نهاية الأمر، فإن تونس توفر -في نظر ماركو كارنيلوس- هذه الفرصة المزدوجة. وبالنسبة للاتحاد الأوروبي، فإن ما يحدث في تلك الدولة يكتسب أهمية أكثر بكثير من أي إستراتيجية تتعلق بمنطقة المحيطين الهندي والهادي.

المصدر : ميدل إيست آي

nexus slot

garansi kekalahan 100