روض قرافي : لو كان التدخل في المنح سينعش المالية العمومية، فمن المفروض أن يشمل كل السلط، بدءاً بمنح الوزراء والسلطة التنفيذية، وكل الهيئات الشبيهة

اعتبرت الرئيسة الشرفية لجمعية القضاة التونسيين، روضة قرافي، في تصريح لـ”العربي الجديد”، أن قرار الرئيس سيد بحجب المنح و الامتيازات عن المجلس اعلى للقضاء  كان متوقعا جدا بعد الحملة التي شنها الرئيس قيس سعيد من خلال تدخلاته المتلفزة في الشأن القضائي وتوجيهه الانتقاد اللاذع والمحقّر للمجلس الأعلى للقضاء وللقضاة، وخاصة تعرضه للمسألة الترتيبية للمجلس الأعلى ولصلاحيته في أن يتخذ القرارات في ما يتعلق بمنح الأعضاء حسب القانون”.

وبينت قرافي أن “الرئيس عندما يتكلم عن المجلس الأعلى للقضاء وكأنه افتك منه السلطة الترتيبية، والحال أن قانون المجلس يمنحه السلطة الترتيبية في مجال اختصاصه، ومنها ما يتضح في الفصل 4 و42 الذي يمنحه اتخاذ القرارات المتعلقة بمنح أعضائه، لأنه هيكل دستوري، والقيمة الدستورية تمنحه الاستقلال المالي والإداري والتسيير الذاتي”.

وأضافت أن “من مقتضيات التسيير الذاتي أن يكون هذا المجلس مستقلا، وعندما تمارس السلطة التنفيذية السلطة الترتيبية فهو وجه من أوجه التبعية لها، ويمس استقلالية المجلس”.

وشددت على أن “هذه الخطوة تُقرأ في سياقها، خاصة بسبب الموقف الواضح منذ الوهلة الأولى للمجلس الأعلى الرافض لتدخل السيد رئيس الجمهورية بصفته رئيس السلطة التنفيذية في التشريع للقضاء، وفي سن قانون للمجلس الأعلى للقضاء بواسطة مراسيم، واعتبر ذلك متنافياً مع الوضع الدستوري للقضاء وللمجلس الأعلى القضاء، لأنه لا يمكن المساس بالوضع القضائي دون المساس بالدستور”.

وتابعت المتحدثة ذاتها: “المجلس اعتبر أيضاً أن المساس بالوضع القضائي والدستوري لا يتم في وضع استثنائي، لأن مقتضيات الظرف الاستثنائي هي الخطر الداهم، ولأنه بتعليلاته القانونية لا يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء، فمفهوم الخطر الداهم لا يرتبط لا من قريب ولا من بعيد بالمجالس العليا للقضاء”.

وأشارت إلى أن “المجلس كان منطقه واضحا وجليا في عدم القبول بالمساس بوضع القضاء، ولسنا نحن من ابتدعنا ذلك، فهي مفاهيم مدروسة منذ القدم، لأن القضاء هو القائم على حماية الحقوق والحريات، وأي مساس به لإضعافه من السلطة التنفيذية هو تهديد للحقوق والحريات في مرحلة اختلال التوازن، وما يسمى بالديكتاتوريات المؤقتة”.

وأكدت بالقول: “من هنا يتضح جلياً أن الإجراء المتخذ هو إجراء عقابي وضاغط على المجلس الأعلى للقضاء في محاولة على حمله للقبول بالمساس بوضع القضاء في هذه المرحلة من السلطة التنفيذية، لأنه من شبه الأكيد أن المجلس لو أرضى رئيس الجمهورية ووافق لما كان الرئيس التفت إلى موضوع المنح”.

وقالت: “لا يمكن أن ينطلي على أي متابع نزيه للشأن العام أن إلغاء هذه المنح يدخل في باب الحوكمة الرشيدة للمال العام أو إنعاش الميزانية، أو في باب إصلاح القضاء”. وأضافت: “لو كان التدخل في المنح سينعش المالية العمومية، فمن المفروض أن يشمل كل السلط، بدءاً بمنح الوزراء والسلطة التنفيذية، وكل الهيئات الشبيهة، وهذه ليست دعوة إلى المساس بالهيئات، ولكن في إطار تحليل ما يقوم به الرئيس على أساس ترشيد للمال العام للتسويق السياسي، فإن ذلك يقتضي تعميمه، ونبدأ أساساً بالوزراء، وطبعاً هذا غير متوقع حدوثه”.

وشددت: “من الواضح أن الأمر يتعلق برأي المجلس في رفض توجهات رئيس الجمهورية وفي المحافظة على استقلاليته”.

وعما إذا كانت هذه القرارات تمثل خطوة في اتجاه حل المجلس الأعلى للقضاء، قالت إن “رئيس الجمهورية لم يحسم بعد مسألة حل المجلس الأعلى للقضاء، لأنها مسألة صعبة ومكلفة جداً، خصوصاً على المستوى الدولي، لأنه يدرك جيداً الوضعية المالية لتونس وهي تتوجه للصناديق المانحة، والتي لا يمكن لملف تونس أن يلقى القبول المنشود بحل المجلس الأعلى للقضاء والمساس الفادح باستقلالية القضاء”.

وبينت: “نحن لا نحتاج دروساً، من أبجديات الاعتداء الفادح على القضاء التدخل في المجلس الأعلى للقضاء، وبحله سيكون استقلال القضاء قد سقط تماماً، وسيكون ذلك أبشع تسويق بأننا مازلنا بصدد احترام دولة القانون، لأنه لا يمكن الحديث على أن تونس دولة قانون والفصل بين السلط إذا تم اتخاذ قرار التدخل في القضاء بهذا الشكل”.

وأضافت أنه “بحل المجلس سيقوم الرئيس بتعيين مجالس وهيئات تابعة له، يعني أن السلطة القضائية ستكون بين يديه، وسيجمع كل السلطات، وهذا لن يكون مقبولاً على المستوى الدولي”.

وشددت على أن “مسألة عدم حل المجلس الأعلى للقضاء إلى حد الآن مرتبطة بالمخاطر التي يدركها في هذا الباب، ونحن لا نتمنى لتونس ذلك”.

من جهته، ذكر رئيس المرصد التونسي لاستقلال القضاء، أحمد الرحموني، أن صفحة رئاسة الجمهورية في “فيسبوك”، التي نشرت بتاريخ نص البلاغ المتعلق بصدور المرسوم المتضمن وضع حد للمنح والامتيازات المخولة لأعضاء المجلس الأعلى للقضاء، سرعان ما عدلت نص ذلك البلاغ بعد نشره، وذلك بإضافة مبلغ المنحة بالدينار، ومقدار الوقود باللتر لكل عضو من أعضاء المجلس.

وقال في تدوينة على صفحته في “فيسبوك”: “يبدو ذلك هامشياً أمام دلالة الشروع خارج أي إطار قانوني في اختراق مباشر لحرمة المجلس واستقلاله والتعدي على سلطاته واختصاصاته، إلا أن المقصد من نشر تلك التفاصيل هو تحويل الأنظار من المعركة الحقيقية التي تهم مصير الناس وحماية حقوقهم وحرياتهم إلى حرب مفتعلة ضد الامتيازات وتكديس “الثروات” الموهومة”.

وأصاف: “لا يمكن أن يغيب عن كل متابع أسلوب المغالطة الذي يستهدف في النهاية إلحاق القضاء ببيت الطاعة من خلال تعبئة الرأي العام ضد المجلس كقلعة يسكنها الفساد وتستولي عليها الأحزاب، واستعداء عموم الناس ضد قضاة- على شاكلة النواب المجمدين- يأكلون قوت الشعب، ويمتصون دماءه، فهل يمكن أن نجد في أرجاء الدنيا وآفاقها سلوكاً أكثر تجسيداً للشعبوية والديماغوجية والاستهانة بعقول البشر؟”.

 وأوضح القاضي حمادي الرحماني أن “جُملة المنح التي يتقاضاها أعضاء المجلس الأعلى للقضاء الخمسة والأربعون (45) لا تتجاوز 1.6 مليون دينار سنوياً (حوالي 590 ألف دولار)، وهو بعيون الدولة مبلغ تافه جداً، وهو أتفه بعيون مالك كل السلطات التنفيذية والتشريعية ومُصدر قانون المالية الذي يجدر به الحديث عن مئات المرات قيمة تلك المِنح وتوفيرها لخزينة الدولة بكفاءة عالية وعقل راجح”.

سياسياً، اعتبر المتحدث باسم حركة النهضة، عماد الخميري، هذا القرار “تدخلاً في الشأن القضائي”.

وأضاف الخميري، في ندوة صحافية لحزبه اليوم الخميس، أنها “خطوة جديدة لضرب استقلالية القضاء والهيمنة عليه، وسعي لتجميع كل السلطات بين يدي سلطة الانقلاب وتركيز حكم فردي، وهناك مسعى واضح لحل المجلس الأعلى للقضاء وتركيعه”.

وقال الأمين العام للحزب الجمهوري، عصام الشابي، في تدوينة على صفحته في “فسيبوك”، إنه “في الوقت الذي تواجه فيه تونس حسب المنتدى الاقتصادي العالمي خطر انهيار الدولة، وفي الوقت الذي يعيش فيه المواطن التونسي على وقع ارتفاع جنوني للأسعار، يتجه اهتمام رئيس الجمهورية قيس سعيد إلى خوض غمار معاركه الخاصة بمحاولة وضع يده على القضاء، وإصدار مرسوم لسحب منح وامتيازات أعضاء المجلس الأعلى للقضاء”.

nexus slot

garansi kekalahan 100