ضرب وسحل وعنصرية.. داخلية ماكرون تتستّر على “العنف البوليسي”

منذ مطلع السنة الجارية تنشر الصحافة الفرنسية تقارير عن تفشي ظاهرة العنف الذي تمارسه الشرطة. فيما تلجأ الداخليَّة الفرنسية إلى الصمت كحيلة للتستر على الواقع.

عرفت فرنسا نهاية السنة الماضية احتجاجات واسعة، اندلعت إثر اعتداء الشرطة الفرنسية بالضرب على مواطن داخلَ شقَّته، وهو ميشيل زيكلر، الموسيقي الفرنسي ذي البشرة السمراء. لا لشيء إلا لأن العناصر المرتكبة لذاك الفعل كانت، وقبل شروعها فيه بدقائق معدودة، رصدت المواطن وهو ينزل من سيارته نحو الشقَّة دون أن يرتدي كمامة. ما أفضى في الأخير إلى لكمه ورفسه، بل سحله إلى الشارع وتعييره بألفاظ عنصريَّة.

تزامن حدث الاعتداء ذاك والبلاد أساساً تعرف غلياناً عنوانه “قانون الأمن العام”، المنظِّم للممارسة الأمنية بالبلاد، والذي كانت قد أحالته وقتها الداخلية الفرنسية إلى التداول داخل البرلمان. فيما حوت بنوده ما اعتبره الفرنسيون خطراً حقوقياً محدقاً بهم، وتكميماً لحريَّة صحافتهم عندما سنَّ منعها من “تصوير عناصر الأمن وهي تمارس عملها”. خصوصاً وهم الذين عاشوا طوال فترة الحكم الماكروني على وقع تغوُّل العنف البوليسي، الذي رافق كل احتجاجاتهم بداية من “حركة السترات الصفراء”، مخلِّفاً عشرات الضحايا بين قتلى وأصحاب عاهات مستديمة.

استمرَّ الحال كما هو عليه، طوال هذه السنة كذلك، حيث نشرت منذ شهر يناير/كانون الثاني الصحافة الفرنسيَّة ما يزيد على 20 مادة حول حالات عنف بوليسي، استهدف مدنيين عزَلاً. فيما لم تتخد الداخلية الفرنسية إزاء هذه الظاهر غير الصمت، أو إنكار وجودها من الأساس، في تنصُّل صارخ من مسؤوليتها إزاء الشعب الفرنسي.

اعتداءات وشهادات صادمة

“حاولوا سحبي إلى الخارج، لكنني رفضت كوني لم أعرف وقتها أنهم شرطة لأنهم كانوا بلباس مدني، قبل أن ينهالوا عليّ بالضرب داخل الشقة وشتمي بألفاظ عنصرية: أيها الزنجي الوسخ!” يقول ميشيل زيكلر، ويضيف أنه حينما صرخ بأن “ما يفعلونه مصورٌ بكاميرا حراسة موجودة على الجدار المقابل ألقى عليّ أحدهم قنبلة مسيلة للدموع ما دفعني إلى الخروج أخيراً”.

لحسن حظّ زيكلر، أن ما تعرّضَ له كان موثّقاً شريطان مصوران، الأول بكاميرا الأمن خاصته والثاني صوره أحدُ الجيران لعملية اعتقال لم تخل هي الأخرى من الضرب والشتائم والعنصرية، جعلا نقل تلك الصور كفيلًا ليخلِّف حالة صدمة لدى الفرنسيين وغضباً، تزامنَ وسخطهم وقتها على “قانون الأمن العام” الذي دفعت به وزارة الداخلية، فكان لسان حالهم: “لولا وجود الكاميرا لضاع حقّ الضحية، وإن هذا ما يود دارمنان إخفاءه بقانونه”.

ولم يكن زيكلر الوحيد الذي عانى ذلك المصير، ولا آخرهم، هذا ما يخبرنا به تحقيق لموقع ” Arrêt sur images” الفرنسي، والذي يعدد أزيد من 20 مادة صحفية نشرتها مختلف وسائل الإعلام الفرنسيَّة منذ بداية السنة الجارية، ترصد العنف الذي تمارسه الشرطة الفرنسية.

أغلبها من تغطيات للمظاهرات، وكذلك تحقيقات تشمل مختلف حالات استعمال العنف خلال تدخلات عناصر الشرطة. حيث تكشف العنف المفرط المستعمل لقمع المحتجين، الذي يبلغ حدَّ العبثية، كأن ينهال عناصر شرطة بالضرب على متظاهرين وهم جالسون أرضاً، منهم صحفيون كمراسل “فرانس برس” أمير الحلبي، أو تفريق حفلة شباب باستعمال قنابل الصوت والقنابل المسيلة للدموع. أو إحداث عاهات مستديمة، كحالة الشاب محمد الذي جرح في عينه إثر تلقيه شظيّة قنبلة خلال تفريق الحفلة.

وهناك حوادث لافته أخرى، كأن يسرق عنصر شرطة سمَّاعة هاتف أحد المتظاهرين وهو يوهمه بإجراء تفتيش عن ممنوعات مفترضة بحوزته. دون الحديث عن الاعتقالات على طريقة “جورج فلويد”، التي رصدتها الصحافة في أكثر من مادة، وأثبت استعمالها الممنهج والعنصري، إذ تقتصر على الأشخاص ذوي البشرة السمراء أو الأصول المغاربيَّة.

الصمت، وسيلة تملُّص الداخليَّة الفرنسيَّة

تُجمع هذه المواد الصحفية التي جمَّعها تحقيق موقع ” Arrêt sur image” على أنه، سواء من ناحية الكم أو الكيفية، العنف البوليسي في فرنسا ممارسة ممنهجة. يزيدها استفحالًا تواطؤ الداخليَّة الفرنسيَّة، حيث “الصمت تكتيك للهروب من المسؤولية” إزاء الفظاعات التي يرتكبها أصحاب البزَّة الزرقاء.

وحتى إذا ما أحرج ساكن “دو بوفو” جيرالد دارمانان، كما حدث مثلًا في حالة ميشيل زيكلر، “يعلق بكلمات مقتضبة خلال جلسة برلمانيَّة، مع تكريس ثلثيها لتحيَّة العمل البطولي، على حد اعتباره، لرجال الشرطة والسعي جاهداً لإثبات أن الأمر يتعلَّق بحالة فرديَّة”.

صمتٌ جاهد دارمانان بأن يعممه، هكذا سعى عبر قانون “الأمن العام” المذكور إلى تكميم أفواه هؤلاء الصحفيين إزاء ذلك العنف، ببند منه ينص على أنه “يعاقبُ بسنة سجناً وغرامة 45 ألف يورو مقابل نشر صورة وجه عناصر الشرطة أو الدرك في أثناء قيامهم بعمليات ميدانية عبرَ أي وسيلة كانت بما يكتنف ذلك من المسّ بسلامتهم الجسدية والنفسية”. قبل أن يثور عليه الشعب الفرنسي في احتجاجات واسعة عرفتها البلاد أواخر السنة الماضية، وأن تحكم المحكمة الدستورية الفرنسيَّة أخيراً بعدم شرعيَّته.

TRT عربي

nexus slot

garansi kekalahan 100