مقارنة إسرائيلية للعلاقة مع مصر والإمارات.. دفئ مع ابوظبي و فتور مع القاهرة

انشغلت الأوساط الإسرائيلية خلال الربع الأول من العام 2021 بتطورات العلاقات مع مصر ، على مختلف الأصعدة، السياسية والاقتصادية والأمنية، لاسيما مقارنتها مع حالة التطبيع الجارية مع عدد من الدول العربية، وعلى رأسها الإمارات.

زيارة الملا إلى إسرائيل

فقد حملت زيارة وزير الطاقة المصري طارق الملا الأخيرة إلى إسرائيل العديد من الدلالات السياسية والاقتصادية، فقد أسفرت عن اتفاق إسرائيل ومصر على ربط حقل “ليفياتان” للغاز الطبيعي الإسرائيلي بمنشآت الغاز الطبيعي المسال المصرية عبر خط أنابيب تحت الماء، يمكن تصدير الغاز منه إلى الأسواق الأوروبية.

وأكدت المحافل الإسرائيلية المطلعة على زيارة الملا، أنه ليس لاعبا ثانويا في السياسة المصرية، بل مقرب جدا من رأس النظام عبد الفتاح السيسي، ويمكن القول إنه أحد أبرز الوزراء المصريين خارج الرئاسة، ولذلك حملت زيارته العديد من الدلالات السياسية، التي لا تقل أهمية عن بحثه لشئون الطاقة والغاز، التي كانت العنوان “العلني” للزيارة.

أول هذه الدلالات أن زيارته هي أول زيارة علنية ومفتوحة لوزير مصري لإسرائيل منذ أن زارها وزير الخارجية سامح شكري في يوليو 2016، وتوقفت الأوساط الإسرائيلية عند لافتة سياسية مهمة تتمثل بمكان لقاء نتنياهو مع الوزير المصري بالقدس المحتلة، وكأن ذلك يحمل إقرارا مصريا بأن المدينة عاصمة لدولة الاحتلال.

ثاني هذه الدلالات أن زيارة الملا جاءت حافلة، فقد وصل على رأس وفد من ثمانية مسؤولين مصريين في مجال الغاز والطاقة، فيما التقى برئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الطاقة يوفال شتاينتس ووزير الخارجية غابي أشكنازي والرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين ومستشار الأمن القومي مائير بن شبات والسفيرة الإسرائيلية في القاهرة أميرة أورن.

ثالث هذه الدلالات أنها اشتملت أجندة الزيارة القيام بجولة ميدانية إلى منصة الغاز، وناقش مع نظيره الإسرائيلي الترويج لمنتدى الغاز الإقليمي الذي تشارك فيه اليونان وقبرص أيضًا، مع العلم أن زيارة الملا جاءت بعد زيارتين مماثلتين لزعيمي اليونان وقبرص، وكأن الثلاثة مع إسرائيل أرادوا إظهار أن الحلفاء الإقليميين متحدون، ويعملون بالتنسيق معاً عند التعامل مع الأصدقاء والأعداء، وكأنها بعثت برسالة للولايات المتحدة.

دلالة سياسية رابعة أرسلها نتنياهو لدى ترحيبه بالوزير المصري، حين أرسل تحياته إلى “صديقي” السيسي، معتبرا أن “الزيارة حدث مهم يرمز للتعاون المستمر بين القاهرة وتل أبيب في مجال الطاقة والعديد من القضايا الأخرى، هذه حقبة جديدة من السلام والازدهار في المنطقة مع الاتفاقيات الإبراهيمية، من أجل أن يتحسن الوضع الاقتصادي لجميع شعوب المنطقة، ونعتقد أن هذه فرصة عظيمة للتعاون الإقليمي بين مصر وإسرائيل ودول أخرى”.

دلالة خامسة مرتبطة بالعلاقة الأمريكية المصرية، والدور الإسرائيلي فيها، حيث تعتقد الأوساط الإسرائيلية أن زيارة الملا مرتبطة بقلق النظام المصري للغاية من بدء علاقته بإدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بـ “القدم اليسرى”، وهو يريد إعادة انخراطه في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، لإرسال إشارة إيجابية للبيت الأبيض، مفادها أنه وإسرائيل شركاء.

واشنطن تدخل على خط تل أبيب-القاهرة

يتحدث الإسرائيليون أن علاقة السيسي مع بايدن لم تبتعد كثيرا عن أجندة زيارة الملا لإسرائيل، ولقاءاته بالقادة الإسرائيليين، لأن انتقادات الرئيس الأمريكي لمصر بشدة خلال حملته الانتخابية، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، دفعت المصريين للاعتقاد بأن علاقتهم الوثيقة مع الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، لن تستمر كما هي في عهد بايدن، لكن إعادة تأكيد دورهم بالتوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، ربما يضعهم على أجندة إيجابية مع الإدارة الجديدة في واشنطن، وقد بدأ السيسي بالفعل في الدفع بهذا الاتجاه.

دلالة سادسة متعلقة بتوقيت الزيارة، فقد وصل الملا إلى إسرائيل وسط انفتاح جديد في العلاقات المصرية الإسرائيلية، عقب زيارة رئيس المخابرات المصرية عباس كامل لإسرائيل، وهو الأكثر قربا من السيسي، والتقى بمسؤولين كبار في ديوان رئيس الوزراء، وتطرقا لزيارة نتنياهو إلى مصر مرة أخرى، حيث كرر طلب السيسي، لكن نتنياهو ما زال يأمل بإجراء الزيارة، وإن الجهود تبذل لإيجاد صيغة حل وسط تسمح بذلك.

دلالة زمنية سابعة متعلقة بالتوقيت، فقد تزامنت زيارة الملا مع بدء العد التنازلي للانتخابات الإسرائيلية، مما سيجعل نتنياهو معنياً بأن يبحث عن صورة فوتوغرافية مع السيسي تنفعه لحملته الانتخابية، مع أن آخر مرة زار فيها نتنياهو مصر رسميًا وعلنيًا كانت قبل عقد من الزمن، عندما كان مبارك لا يزال في السلطة، قبل الإطاحة به، وكانت الزيارات تتم لمنتجع شرم الشيخ، وليس العاصمة القاهرة، ومنذ ذلك الحين، زار نتنياهو مصر عدة مرات، ولكن في السر.

ذات المصادر الإسرائيلية ذكرت أن زيارة نتنياهو لمصر كادت أن تتم قبل شهر، لكن السيسي له رأي آخر في الزيارة بأن تتم في أعقاب الانتخابات المبكرة في إسرائيل المقررة في مارس، ولذلك تم تأجيلها، وعندما استؤنفت المحادثات حولها طلب المصريون من نتنياهو تقديم تعهد جديد في القضية الفلسطينية خلال الزيارة.

دلالة ثامنة تمثلت بالبعد الإقليمي الذي كان حاضرا في مباحثات الملا مع الوزراء الإسرائيليين، فالخطة الإماراتية-الإسرائيلية لضخ النفط من إيلات على ساحل البحر الأحمر إلى ميناء عسقلان على ساحل البحر المتوسط تثير قلق مصر، لكنها امتنعت عن انتقاد المشروع علناً، بسبب علاقاتها الجيدة مع أبو ظبي وتل أبيب، رغم أن أي تطور على الساحل الفلسطيني المحتل سيترك تأثيره المباشر على الأمن المصري.

الملف الفلسطيني

مع العلم أن أحد الأغراض الرئيسية لاجتماعات الملا، بجانب مناقشات مسائل الطاقة، كان توجيه رسالة لتركيا، ورئيسها رجب طيب أردوغان، التي تعيش علاقاتها مع مصر أوضاعا متوترة، قبيل التحسن الحاصل مؤخرا؛ وبعد انضمام مصر إلى اليونان وقبرص في مشاريعهما النفطية والعسكرية، زاد التوتر بين أنقرة والقاهرة، وبالتعاون مع إسرائيل، أسست هذه الدول منتدى غاز “إيست ميد”، ومقره القاهرة، وأجرت تدريبات عسكرية مشتركة، وبالتأكيد فإن لقاء الملا مع نتنياهو وباقي وزرائه يبعث برسالة إلى تركيا.

دلالة تاسعة مرتبطة بالتطبيع الجاري في المنطقة، فقد ذكرت المحافل الدبلوماسية الإسرائيلية أن الملا بزيارته هذه أكد على مشاريع التطبيع، وكأن مصر بعثت برسالة خفية وهي أنها تعمل مع إسرائيل لمد المزيد من جسور التطبيع مع باقي الدول العربية، شرط أن تساعدها إسرائيل أمام الولايات المتحدة.

إن تبقى من دلالة عاشرة لزيارة الملا، فقد تطرقت إسرائيل لوصول الملا إلى رام الله، للقاء المسئولين الفلسطينيين، بحيث يسوق السيسي نظامه وسيطا بين إسرائيل والفلسطينيين، والدفع بحل الدولتين قدما إلى الأمام، ولعل زيارة الملا تأتي استكمالا لاستضافة مصر لوزراء خارجية الأردن وفرنسا وألمانيا لمناقشة إحياء محادثات السلام الإسرائيلية-الفلسطينية قبل أسبوع واحد فقط من تنصيب بايدن.

لقد تزامنت زيارة الوزير المصري مع نوايا لنتنياهو بزيارة مصر قبل الانتخابات الإسرائيلية، لكن السيسي وضع أمامه عدة شروط إرضاء للفلسطينيين، وقد أُعلن أن نتنياهو يريد زيارة مصر قبل الانتخابات، لكن السيسي وضع له شرطًا بأن ينجز تقدماً على القضية الفلسطينية، خاصة إعلان الالتزام بحل الدولتين، لكن مصادر مقربة من نتنياهو رفضت الادعاء بأن السيسي اشترط الاجتماع.

مع العلم أن الحكومة المصرية قلقة للغاية من أن تبدأ علاقتها مع إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن بالقدم اليسرى، وهي تريد إعادة انخراطها في الصراع الإسرائيلي الفلسطيني، وبالتالي إرسال إشارة إيجابية إلى البيت الأبيض، مفادها أنها وإسرائيل شركاء في عيون الرئيس الجديد، صحيح أن السيسي لا يهتم كثيرًا بالقضية الفلسطينية، لكنه يعلم أن نتنياهو يبحث عن صورة فوتوغرافية لحملته الانتخابية.

إن آخر مرة زار فيها نتنياهو مصر رسميًا وعلنيًا كانت قبل عقد من الزمن، عندما كان الرئيس حسني مبارك لا يزال في السلطة، قبل الإطاحة به، وكانت الزيارات تتم إلى منتجع شرم الشيخ، وليس العاصمة القاهرة، ومنذ ذلك الحين، زار نتنياهو مصر عدة مرات، ولكن في السر.

وقد أكدت أوساط إسرائيلية مطلعة على الموضوع أن زيارة نتنياهو لمصر كادت أن تتم قبل شهر، لكن مصر لديها رأي آخر في الزيارة بأن تتم في أعقاب الانتخابات المبكرة في إسرائيل، ولذلك تم تأجيل الزيارة، وعندما استؤنفت المحادثات حول الموضوع طلب المصريون من نتنياهو تقديم تعهد جديد في القضية الفلسطينية خلال الزيارة.

من بين الأفكار التي توصل إليها المصريون أن يدلي نتنياهو ببيان قبل أو أثناء زيارته لمصر، يلتزم بموجبه بحل الدولتين، أو بالقيام ببعض الخطوات على الأرض، لكنه اعترض على الإدلاء بمثل هذا التصريح، أو اتخاذ أي خطوة بشأن القضية الفلسطينية عشية الانتخابات، على خلفية محاولته حشد أكبر قدر ممكن من الدعم بين ناخبي اليمين.

لقد شهدت العلاقات المصرية الإسرائيلية انفتاحا جديدا في الأشهر الماضية، حين زار رئيس المخابرات المصرية عباس كامل، إسرائيل، وهو الأكثر قربا من السيسي، والتقى بمسؤولين كبار في ديوان رئيس الوزراء، وعندما تطرقا لزيارة نتنياهو إلى مصر مرة أخرى، كرر طلب السيسي، لكن نتنياهو ما زال يأمل في إجراء الزيارة، وإن الجهود تبذل لإيجاد صيغة حل وسط تسمح بذلك.

كما أن انتقادات الرئيس الأمريكي جو بايدن إلى مصر بشدة خلال حملته الانتخابية، خاصة فيما يتعلق بانتهاكات حقوق الإنسان، دفعت المصريين للاعتقاد بأن علاقتهم الوثيقة مع الإدارة الأمريكية في عهد ترامب، لن تستمر كما هي في عهد بايدن، لكن إعادة تأكيد دورهم بالتوسط بين إسرائيل والفلسطينيين، ربما يضعهم على أجندة إيجابية مع الإدارة الجديدة في واشنطن، وقد بدأ السيسي بالفعل في الدفع بهذا الاتجاه.

“البرود” المصري و”الدفء” الإماراتي

تستمر الفضيحة التي تسببت بها صورة الفنان المصري محمد رمضان مع فنانين إسرائيليين، في الإشارة إلى تراجع التطبيع بين المصريين رغم مرور 40 عاما على توقيع اتفاق كامب ديفيد، بسبب العقوبات التي تعرض لها الفنان المصري من النقابات المهنية، فيما انتشر هذا التطبيع بسرعة مع دول الخليج، رغم مرور أسابيع قليلة على توقيع الاتفاقات بينهما، مما يعني أن إسرائيل حققت مع دول الخليج خلال أشهر قليلة ما لم تحققه مع مصر طوال 40 عاما.

هذا الحدث جعل الإسرائيليين يشعرون بالبرد، ليس بسبب أحوال الطقس، ولكن بسبب السلام مع مصر، فقد تلقوا في الأيام الأخيرة تذكيرا بهذا السلام البارد، عندما تجرأ النجم المصري محمد رمضان على التقاط صور له مع المطرب الإسرائيلي عومير آدم وفنانين إسرائيليين آخرين، واتضح لهم أنه في 2020، فإن صورة أحد المشاهير المصريين مع أحد المشاهير الإسرائيليين وصفة جدية لإحداث كل هذه الفوضى في مصر.

وصلت إسرائيل إلى نقطة يتم فيها استقبال مواطنيها في الإمارات العربية المتحدة باحتضان دافئ بعد ثلاثة أشهر فقط من السلام الناري، بينما في مصر، وبعد أربعة عقود، لا يزال ممنوعا التقاط الصور أو لقاء الصهاينة علانية.

اليوم، يمكن للإسرائيليين الاعتراف بأنهم يعيشون حالة من السخرية، المتمثلة بأن حادثة رمضان الملقب بـ “نمبر ون” تعني أنهم تلقوا الصفعة في وجه العلاقات الإسرائيلية المصرية، في الوقت الذي يعيشون فيه أدفأ العلاقات مع الإمارات، مما يطرح السؤال: لماذا ما يصلح في دبي لا يعمل في القاهرة؟

حصل نظام السيسي على ميراث سيئ من عهد مبارك، وحين يتعلق الأمر بإسرائيل، فقد فعل الكثير لاستقبال كبار المسؤولين الإسرائيليين في القاهرة، لكنه لم يفعل شيئا لإحلال السلام على مستوى القاعدة الشعبية، فربما كانت صدمة اغتيال أنور السادات بالنسبة لمبارك شديدة للغاية، رغم أن السادات أول زعيم عربي يصنع السلام مع إسرائيل.

وأعلن المصريون أن ما يقف بينهم وبين العناق الحار مع إسرائيل هو القضية الفلسطينية، التي وعدت إسرائيل بحلها في إطار اتفاق السلام، لكن نظرة فاحصة تكشف أن أسباب برودة الكتف المصرية مرتبطة بتهم أعمق، تجعل هناك الكثير من الفروقات بين السلام الإسرائيلي مع مصر والإمارات، مع أن إسرائيل لم تشهد حروبا مع دول الخليج، وليس لديهما نزاعات إقليمية.

لقد بدا ارتباط حكام دول الخليج بالقضية الفلسطينية أكثر مرونة، في حين أن إسرائيل خاضت مع مصر حربا واحدة في كل عقد على الأقل، بين عام 1948 وتوقيع اتفاق السلام 1979، لذلك يجد المصريون صعوبة في إجراء التغيير تجاه إسرائيل، ورؤيتها كدولة صديقة، باعتبارها دولة معادية سابقة، ورغم كل ذلك، فإن تعميم هذا الرأي على مئة مليون مصري يمثل مشكلة حقيقية لدى إسرائيل.

التطبيع التدريجي

تعيش مصر وضعا اقتصاديا صعبا بائسا، لكن المشكلة أن وضعها السياسي أكثر تعقيدا، ولم تصل شعبية نظام السيسي إلى ذروتها، لأنه عندما ظهرت صورة محمد رمضان مع الإسرائيليين، استغلها أنصار الإخوان المسلمين لضرب صورة السيسي.

لكن ما يزعج الأذن الإسرائيلية حقا هو سماع المذيعين المرتبطين بنظام السيسي، وهم يوضحون للإسرائيليين حدود العلاقة الحالية في مصر، ومفادها أنه يوجد سلام بين الجانبين، وهو أمر مهم واستراتيجي، لكننا لن نكون معانقين لكم، وعلى المستوى الحكومي، يعمل السلام بين إسرائيل ومصر بشكل رئيسي فيما يتعلق بالتعاون الأمني فقط.

مقابل الفتور في السلام المصري الإسرائيلي، فإن تطبيع العلاقات مع الإمارات والبحرين والسودان والمغرب بدا مستحيلا حتى قبل بضع سنوات، تماما كما ظهر اتفاق السلام مع مصر خيالا غير واقعي لجيل السبعينيات.

في المقابل، فإن زيارة ذات المغني الإسرائيلي عومير آدم إلى دبي حملت “بشريات” بمزيد من العلاقات مع الإمارات العربية المتحدة، وإمكانية أن يتبعه المزيد من المغنين الإسرائيليين، ممن يتحدثون عن الأعمال الفنية المشتركة، وإنتاج أعمال “الديو” التي يتم تصويرها في إسرائيل والإمارات، مع أن صورة ذات الفنان الإسرائيلي مع شخصيات إماراتية لم تحدث ذات الضجيج الذي شهدته مصر.

وصل آدم إلى دبي مطلع نوفمبر، وفي الصورة التي نشرها على إنستغرام، يمكن رؤيته جالسًا على أريكة برداء شيخ عربي، وبمجرد الإعلان عن إقامة علاقات بين الإمارات وإسرائيل في أغسطس، فتحت دبي أبوابها أمام آدم كمغني.

ولئن كان آدم ليس الإسرائيلي الأول الذي يزور الإمارات، لكنه كمغني يعتبر رائدًا في المجال الذي يعمل فيه، فقد يبشر بعالم جديد يتبعه المطربون الإسرائيليون، ومن المتوقع أن يتبع آدم مطربون إسرائيليون آخرون مثل إيتاي ليفي وموشيه بيرتس وساريت حداد، باتجاه الخليج العربي، وقد حدث بالفعل تعاون موسيقي بين إسرائيل والإمارات، حيث قام إلكانا مارسيانو ووليد الجاسم بتسجيل ديو ثنائي تم تصويره في إسرائيل ودبي، وأحد مؤلفي الأغنية هو دورون ميدلي.

يوجد في إسرائيل آلاف المطربين، وفي دبي ليس لديها هذا العدد من المطربين المحليين، وهذا يعني أن فنانين من جميع أنحاء العالم العربي سيأتون للإمارات لتقديم عروضهم، بفعل قناة روتانا السعودية المهيمنة في العالم العربي.

كما أن Live Nation أكبر شركة حفلات موسيقية في العالم، لديها مكتب تمثيلي في الإمارات وممثل إسرائيلي، وهناك تقدير بأن الاتفاق الإسرائيلي الإماراتي سيضفي شرعية على المطربين الإسرائيليين للغناء أكثر بالعربية، هناك مطربون إسرائيليون بارعون في الغناء بالعربية، مثل ساريت حداد، إيال غولان، زهافا بن، يشاي ليفي، حاييم موشيه.

حاغاي أوزين، مدير قسم البحر المتوسط ​​في شركة NMC للأعمال الفنية، يزعم أن هناك فرصة لتحقيق قفزة إلى الأمام للموسيقيين من إسرائيل في الإمارات، وهذا الشعور الإسرائيلي بعكس العلاقات مع مصر والأردن، حيث السلام أمني وبارد وجاف، لكن النظام الإماراتي يستعد لدخول الإسرائيليين إليها، وهم متفائلون بذلك، وهناك فرصة لمغني البوب ​​الشرقيين لإحياء حفلاتهم في الإمارات.

يزعم الإسرائيليون والإماراتيون معاً أن السلام في السنوات والعقود السابقة حصل بين القادة والزعماء فقط، دون تغيير في واقع شعوب المنطقة، أما تطبيع الإمارات وإسرائيل فهو مختلف، بادعائهم أنه حان الوقت للاهتمام بإقامة السلام الشعبي المزعوم، لأن الوقائع الميدانية على الأرض تقند وترفض كل هذه الادعاءات غير المستندة لوقائع التاريخ الطويل لهذا الصراع الذي يعود لعقود طويلة، ولن يحله تطبيع هنا وهناك.

التقارب الإماراتي

في المقابل، وبينما ترقب المحافل الإسرائيلية تطور العلاقة مع مصر، فإن العلاقة الإسرائيلية مع دولة الإمارات العربية المتحدة تشهد تنامياً تدريجياً تصاعديا، وبسرعة قياسية، ربما تحرق مسافة أربعين عاما من العلاقة مع مصر.

مع العلم أنه عندما يُسمع نشيد الإمارات في القصر الرئاسي لإسرائيل في القدس المحتلة، فيمكن القول إن الشيء الحقيقي قد حدث بينهما، بعد تبادل الزيارات الرسمية بينهما، وتقديم الوعود، وعقد محادثات عملية لا حصر لها، حتى جاء محمد آل حاجة، أول سفير إماراتي في إسرائيل، لتقديم أوراق اعتماده للرئيس الإسرائيلي رؤوفين ريفلين.

لقد حمل أول سفير إماراتي في تل أبيب رسالة من أبو ظبي إليها، مفادها أن الصداقة معها تثير حكام الإمارات، وبموجب ذلك فقد التقى هذا السفير بالرئيس الإسرائيلي ووزير الخارجية غابي أشكنازي، واستضافه رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، ثم التقى بوزيرة السياحة أوريت هكوهين فركش، ووزير التعاون الإقليمي أوفير أكونيس، وكان مقررا لقاؤه بوزير الاقتصاد عمير بيرتس، كل هذا في ثلاثة أيام فقط، وهذا الماراثون من الاجتماعات يدل على التشوق الذي يشعر به السفير ودولته لترسيخ العلاقات مع إسرائيل.

اللافت أنه بين سطور السفير الإماراتي برز الدفء أيضًا من فمه، وهي “لدغة” موجهة نحو مصر، التي أفرغت السلام من محتواه، وأضاعت ثماره، مع أنه خلال نصف عام من الاتصال المفتوح معها، ويريد الإماراتيون، الأصدقاء الجدد للإسرائيليين، أن يبتعدوا عن كونهم بمثابة جهاز صراف آلي إقليمي.

يقدم الإماراتيون، وعلى خلاف المصريين، اقتراحات لمشاريع مشتركة في الدوائر السياسية والتجارية والأمنية والثقافية الإماراتية والإسرائيلية، ولم تتلق إسرائيل مثل هذا العرض الواعد والكامل من أي دولة عربية، ومن يتابع باهتمام، سيلاحظ في تصريحات المسؤولين الإماراتيين الكثير من أوجه الشبه بين دولتهم وإسرائيل، وهذا تشابه واضح منذ بداية العلاقة، فهم يرون أن بلدهم مشروع ناجح في المرتبة الثانية بعد النموذج الإسرائيلي.

لقد دأب الإماراتيون على الكشف عن مزيد من الدلائل على هذا التطابق مع النموذج الإسرائيلي، فالبلدان من أهم وأكبر الاقتصادات في المنطقة، اقتصادان يشجعان النمو ويخلقان الفرص، وفي أول ليلة له في إسرائيل، تجول السفير في حسابه الخاص على “تويتر”، وكتب عن تحركاته، وتأكد من إرسال التغريدات بالعربية إلى جمهوره، وباللغة العبرية للجمهور الإسرائيلي، وهذا أيضًا شيء جديد.

اللافت أنه بينما أخفى الوزير المصري حقيقة رحلته إلى إسرائيل عن وسائل الإعلام المصرية، وتم حظر أي تقرير منها عن تحركاته، لكن يا له من فرق، فقد كتب السفير الإماراتي بنفسه عن جدول أعماله في إسرائيل، كلاهما جاء لمدة ثلاثة أيام، لكن أحدهما جاء ليهرب، أما الآخر فجاء ليبقى.

سفيرة إسرائيلية في القاهرة

وفي ضوء ما تشهده إسرائيل من علاقات مفتوحة مع الإمارات العربية المتحدة، فإن هناك صمتا في العلاقات الإسرائيلية المصرية، ولمدة عام تقريبا، بقي مكتب السفير الإسرائيلي في القاهرة شاغرا، إلى أن تسلمت أميرة أورين، السفيرة الإسرائيلية الجديدة في مصر، التي قدمت أوراق اعتمادها مؤخرا إلى عبد الفتاح السيسي.

كما أن تعيين أورين سفيرة لإسرائيل في مصر في هذه الآونة، يشكل فرصة لتذكير المصريين أنه في غضون أيام قليلة سيتم الاحتفال بالحدث الدراماتيكي، المتمثل بهبوط الرئيس أنور السادات بمطار بن غوريون يوم 19 نوفمبر 1977، ورغم مرور كل هذه السنوات الطويلة، فإن علاقاتهما لا تكشف عن أي بوادر دفء قد تحيط بهما في النهاية.

إن تعيين أورين بهذا المنصب الحساس في السلك الدبلوماسي الإسرائيلي، يتزامن مع وجود مؤشرات مصرية على الاهتمام بالعلاقات مع إسرائيل، وهي تؤكد أن مصر لم تتخل عن القضية الفلسطينية، فهي ليس لديها خيار، لأنها لا تزال مصر زعيمة العالم العربي.

وفي مجال العلاقات مع الإمارات، تؤدي واشنطن دورا مهما على الجبهة السياسية، فبعد كل شيء، لا تزال الولايات المتحدة هي القمة الأكثر حدة في المثلث المصري الإسرائيلي الأمريكي، وتسمح لمصر بتعزيز قوتها العسكرية المتنامية من خلال شراء دبابات أبراهامز، وفي ظل اتفاقها للسلام مع إسرائيل، يتم السماح لمصر باستمرار تكثيفها العسكري بشكل منفصل.

إن عودة السفيرة أورون إلى القاهرة سوف يسمح بتجديد معارفها من الشخصيات المصرية، ومعارفها القدامى، من سنوات خدمتها الدبلوماسية السابقة هناك، ومن المحتمل أن تصطحب السفيرة بعد وصولها إلى مصر لأول مرة فريقا لكرة القدم الإسرائيلي، وحتى لو كانت الخسارة حليفة الفريق الإسرائيلي أمام المنتخب المصري، فسوف تكون علامة على الدفء بينهما الذي سيحدث في المستقبل.

إن السلام المصري الإسرائيلي لا يزال باردا، والسيسي الذي يحكم بلاده، لم يأمر بعد بتغيير المناخ السياسي تجاه إسرائيل، لكن الشعب المصري لا زال يراقب بريبة وشك، إن لم يكن بكراهية، الوجود الإسرائيلي في بلاده، وهذا ليس مفاجئا، لأن عقودا من الجهود المصرية لغسيل دماغ المصريين لتحسين العلاقات مع إسرائيل لم تؤت ثمارها بعد، وفي النهاية فإن ما سيصل من القاهرة باتجاه تل أبيب ليس سوى إشارات خافتة، وليس كأصداء من الهتافات القادمة من الإمارات.

المصدر: المعهد المصري للدراسات

nexus slot

garansi kekalahan 100