وعد بالحريات و اعتقل منتقديه .. هل يهدد سعيّد حرية التعبير في تونس

بعد أن كانوا من أبرز الفاعلين في الثورة التونسية وتمكنوا من نقل وقائعها إلى العالم، وأثاروا بعد ذلك النقاش في القضايا الجدلية على صفحات وسائل التواصل الاجتماعي، أصبح اليوم المدونون والناشطون في تونس مهددين بتقويض حريتهم وبالملاحقة القضائية.

تعتبر حرية التعبير والرأي من أبرز مكتسبات الثورة التونسية التي قامت سنة 2011، وتمكن الدستور التونسي من أن يكفل هذا الحق عبر سن مجموعة قوانين تعزز هذه المكتسبات ولا تسمح بتهديدها أو تقويضها.

وبدورها شددت منظمات حقوقية ومدنية ونقابات صحافية وإعلامية على ضرورة القطع مع أساليب النظام الدكتاتوري السابق، الذي كان يستهدف كل أشكال التعبير عن الرأي ومثّل تهديداً للإعلاميين والمدونين.

واليوم مع تحرير الرقابة على الإنترنت الفضاء الرقمي الجديد والمساحة الحديثة لتبادل الأفكار، أصبح المجال مفتوحاً أكثر للمدونين والناشطين التونسيين داخل البلاد وخارجها لإثارة القضايا الإشكالية المتعلقة بجميع المسارات والمنعطفات التي مرت بها البلاد، وتنظيم تظاهرات وفعاليات، والتنسيق لحملات وتحركات احتجاجية.

ولم يستثن النقد منذ عام 2011 طرفاً أو حزباً أو مؤسسة أو هيئة، وصولاً إلى أعلى رأس في السلطة. إلا أنه تم تسجيل اعتقالات ومحاكمات في الفترة الأخيرة لبعض الناشطين والمدونين، ما أثار المخاوف من تهديد حرية التعبير والرجوع إلى الممارسات القمعية القديمة.

قيس سعيّد ينقض عهده

مثل وصول الرئيس التونسي قيس سعيّد إلى السلطة سنة 2019، أملاً للشباب التونسي الذي فقد ثقته في الطبقة السياسية، واعتبر خيار سعيّد الأكاديمي من خارج المنظومة الحزبية والسياسية، من بين الخيارات التي عوّل عليها الشباب حينها للعودة إلى تحقيق مطالب ثورة 2011 التي تعثرت لفترة طويلة، انهار على إثرها سقف توقعات الشباب التونسي في ميادين الاحتجاج والثورة.

ففي وقت سابق، وفي مشهد ختامي مؤثر للمناظرة التلفزيونية الرئاسية التي جمعت بين قيس سعيّد ومنافسه حينها نبيل القروي، قبل الانتخابات، قال سعيّد: “العصفور الذي انطلق نحو الحرية لن يعود أبداً إلى القفص من أجل الفتات”. وأكد ذلك قيس سعيّد خلال خطاب تنصيبه يوم 23 أكتوبر/تشرين الأول سنة 2019 بحرصه على مبدأ الحرية كأحد مكتسبات الثورة.

بدا كلام الرئيس التونسي حينها كعهد وميثاق يعد به ناخبيه ومرشحيه بدعم وحماية حرية الرأي والتعبير التي كانت من أبرز القضايا التي انتفض من أجلها الشعب التونسي.

وفي إطار الاحتفال باليوم العالمي لحرية الصحافة، عبر قيس سعيّد إثر لقائه بمجموعة من النقابيين والمسؤولين الإعلاميين يوم 3 مايو/أيار الماضي، عن دعمه المطلق لحرية التفكير ومساندته الكاملة لحرية الصحافة والإعلام.

إلا أن تصريحات قيس سعيّد الإعلامية ارتطمت بعد ذلك بصخرة الواقع، حين مثل المدون التونسي سليم الجبالي صاحب صفحة “وزير ضغط الدم والسكر”، أمام التحقيق من قبل النيابة العامة العسكرية، يوم 31 مايو/أيار الماضي بتهمة “الإساءة إلى الرئيس التونسي”. وكان ذلك على خلفية دعوة صريحة وجهها الرئيس التونسي للنيابة العمومية لمحاسبة كل مدون يسيء إلى شخص الرئيس.

كما تقدمت الرئاسة التونسية بشكوى ضد بعض المدونين وجهت إليهم تهم الإساءة والسخرية من الرئيس التونسي قيس سعيّد، كان آخرها الحكم عسكرياً على شاب تونسي بـ3 أشهر سجن نافذة من أجل تدوينة على صفحته على فيسبوك.

وفي سياق متصل، وبتهمة سب وشتم الرئيس التونسي، تم القبض على مواطن تونسي دخل من ليبيا وتم تعنيفه. والقائمة في ذلك تطول حول جملة المضايقات والملاحقات والمحاكمات التي يتعرض لها المدونون والناشطون التونسيون إلى اليوم.

جعل ذلك من المخاوف بتهديد قيس سعيّد لحرية التعبير تتزايد، خاصة بعد استعماله للقضاء العسكري لمحاكمة المدنيين، في سابقة تُعتبر الأولى من نوعها.

إقحام القضاء العسكري.. “بادرة خطيرة”

أدان ناشطون ومنظمات حقوقية وأحزاب سياسية الملاحقة القضائية والتضييق على المدونين، واستخدام رئاسة الجمهورية القضاء العسكري في ذلك.

وفي بيان رسمي، عبرت حركة النهضة التونسية عن “تمسكها ودفاعها المطلق عن حرية التعبير المكفولة بالدستور التونسي، ورفضها لكلّ أشكال التتبّعات والتضييقات على المدونين والإعلاميين وأصحاب الفكر والرأي، ورفضها لمحاكمة المدنيين أمام المحاكم العسكرية، ودعوتها كل الفاعلين والمؤثرين في الفضاء الافتراضي بجميع محامله إلى التعبير عن أفكارهم وآرائهم، في إطار الاحترام والموضوعية بما لا يمسّ من المؤسسات والأشخاص”.

وشاركتها في ذلك عدة أحزاب سياسية أدانت الملاحقة القضائية العسكرية للمدنيين بسبب تدوينات على مواقع التواصل الاجتماعي.

من جانبه قال الإعلامي والناشط السياسي برهان بسيس في لقاء إعلامي، بأنها تعتبر بادرة أولى من نوعها بأن يلجأ رئيس البلاد إلى القضاء العسكري لتصفية حسابات سياسية. وإن من حقه أن يقاضي لكن في القضاء المدني. واعتبر بسيس أن إقحام القضاء العسكري يعتبر غير مقبول بتاتاً.

صاحب ذلك احتجاجات واسعة واحتقان شديد، خاصة في ظل الظروف الحالية التي يعيش فيها الشعب التونسي، على خلفية أزمة سياسية واقتصادية واجتماعية خانقة، زاد من تأزمها الاعتداءات الأخيرة لقوات الأمن على المحتجين، تجعل مكتسبات الثورة بعد 10 سنوات من اندلاعها في مرمى التساؤل والمخاوف من تهديدها.

TRT عربي

nexus slot

garansi kekalahan 100