يلاحق باريس ويلزمها بتعويضات منذ عام 1830 حتى جلاء آخر جندي.. قانون جزائري يجرم الاستعمار الفرنسي

الجزائر- “على مدار قرن وأكثر، عاشت البشرية إحدى أفظع حقبها الزمنية من خلال تدوينها أكثر الصفحات ظلمة في سجل التاريخ؛ باليد الدموية للمستعمر الفرنسي الذي عاث في الجزائر فسادا وسفكا للدماء، إذ ارتكب فيها ما لم تسبقه إليه أمة من الأمم الاستعمارية من جرائم وإبادات جماعية راح يوثقها بيده الإجرامية، بل يفاخر بها حتى يومنا هذا؛ من خلال تشييد متحف الإنسان الذي ما زال يحتفظ في داخله بجماجم المقاومين لآلته الاستعمارية الهمجية”.

بهذا التقديم، برّر 100 عضو في البرلمان الجزائري مبادرتهم باقتراح “قانون يتعلق بتجريم الاستعمار الفرنسي في الجزائر، والآثار القانونية المترتبة عليه”، في خطوة جديدة تحاول الاستثمار في السياق السياسي المتوتر مع باريس، والاستفادة من نقائص مبادرات برلمانية مثيلة لم تر النور من قبل.

الطلاق البائن

وفي عرض الأسباب، أكد مشروع القانون أنّ فرنسا لم تكتف بقتل الماضي وتسويده وتشويهه، بل امتدت يدها إلى المستقبل لتسمّمه أيضا، بتكريس عقلية الاستكبار والاستعمار، عبر ترسيم البرلمان الفرنسي قانون تمجيد الاستعمار في 23 فبراير/شباط 2005، وتدريسه للأطفال في المدارس الفرنسية.

وقال مندوب أصحاب المبادرة، النائب زكرياء بلخير، إنّ ملف تجريم الاستعمار يعني قبل كل شيء تلبية المطلب الشعبي للسيادة والدبلوماسية والحياة السياسية الجزائرية وللشعب برمّته، يوم خرج في حراك 22 فبراير/شباط الأصيل، وتلخص في إنهاء الوصاية الفرنسية.

ورأى في تصريح للجزيرة نت أنّ هذا الملف “هو عقد الطلاق البائن بين جزائر ما بعد الحراك وفرنسا الاستعمارية”، لأنها ما زالت لم تستوعب دروس التاريخ و”عاجزة عن التخلص من الذهنية الكولونياليّة ومن الاقتصاد اللّصوصي مع مستعمراتها القديمة”.

وفي رأي النائب بلخير فإنه “لا توجد فرصة أفضل من الظرف الحالي الذي تعيش فيه فرنسا عهد غروبها عن الساحة الدولية وعن القارة الأفريقية على وجه الخصوص”.

الاعتراف غير قابل للتنازل

وحسب نص مقترح القانون -اطّلعت عليه الجزيرة نت- فإنّ القانون يرمي إلى إدانة الاستعمار الفرنسي بكل الأعمال الإجرامية التي ارتكبها في الجزائر، وإلى إعادة الحقوق المسلوبة المعنوية والمادية على حد سواء، جراء العدوان المسلح على الشعب الجزائري منذ 14 جوان 1830 حتى استرجاع السيادة الوطنية على كل التراب الوطني.

ويُحمّل مشروع القانون الدولة الفرنسية المسؤولية عن “كل الجرائم التي ارتكبتها جيوشها وعملاؤها ومرتزقتها بحق الشعب الجزائري إبان احتلالها الجزائر”.

وحدد مشروع القانون جرائم الاستعمار الفرنسي بالجزائر في 5 أصناف هي: جريمة العدوان، جرائم الحرب، جرائم ضد الإنسانية، جريمة الإبادة الجماعية، جرائم ضد الهوية الوطنية، وكيّفها على أنها جرائم دولية غير قابلة للتقادم.

وتتولى الدولة الجزائرية، بموجب الاقتراح، المتابعة القضائية لكل الأشخاص الذين مارسوا الجرائم ضد الإنسانية، من المعمرين السابقين والأقدام السوداء و”الحركيين” (الخونة)، وهي الجرائم التي لا يشملها التقادم ولا المعاهدات المختلفة.

وتعمل الدولة الجزائرية، وفق المادّة 21، على إلزام السلطات الفرنسية بالاعتراف بماضيها الاستعماري في الجزائر، وبكل الحقائق التاريخية السلبية المدوّنة في الذاكرة الجماعية، والاعترافات التي أدلت بها الشخصيات المدنية والعسكرية الفرنسية، وشهود العيان، وضحايا المجازر الفرنسية في الجزائر.

وشدّد المشروع على أنّ الاعتراف بكل الحقائق التاريخية أمام المجتمع الدولي حق من حقوق الشعب الجزائري غير قابل للتنازل.

كما تعمل الدولة الجزائرية على إلزام السلطات الفرنسية بتقديم الاعتذار إلى الشعب الجزائري عمّا لحقه من أذى في الحقبة الاستعمارية.

ويشترط لتوقيع أي معاهدة للصداقة بين الجزائر وفرنسا، زيادة على الشروط المذكورة سابقا، إلغاء كل النصوص الرسمية التي تمجّد وتؤيد سلوك الهمجية الاستعمارية الفرنسية في الجزائر.

محكمة جنائية

وعن آليات المتابعة الجزائية والمدنية، تُستحدث بموجب هذا القانون محكمة جنائية خاصة داخل التراب الجزائري، لمحاكمة كل شخص ارتكب أو شارك في ارتكاب أي جريمة من الجرائم المنصوص عليها في هذا القانون، تدعى في صلب النص “محكمة العدالة الجنائية”، ينظمها قانون خاص.

ويحق لكل ضحايا الجرائم أو لذوي الحقوق، وكذا كل المنظمات والجمعيات الجزائرية، والمؤسسات المذكورة في المادة 43 رفع دعوى قضائية لدى محكمة العدالة الجنائية، ويمكن رفع دعاوى التعويض أمام جهات القضاء العادي.

وتتقيّد محكمة العدالة الجنائية عند النطق بأحكامها بنظام العقوبات الوطني الساري العمل به، ومبادئ وأحكام القانون الدولي الجنائي، غير أنها لا تخضع لقوانين العفو، ولا للتقادم.

وفي حالة مماطلة السلطات الفرنسية في تسليم المتهمين أو أدلة الإدانة و/أو الوثائق بما يعرقل عمل محكمة العدالة الجنائية، يمكن لكل ذي صفة ومصلحة رفع دعوى قضائية أمام المحاكم الدولية المختصة.

تعويضات عينية ومادية

وفي جانب التعويض عن الأضرار، أكد الاقتراح أنه يترتب على الاعتذار تقديم السلطات الفرنسية -الوريثة الشرعية لفرنسا الاستعمارية- تعويضات عينية ومادية عن الجرائم والمآسي المرتكبة بحق الشعب الجزائري.

وبمقتضى المادّة 33، تعمل الدولة الجزائرية على إلزام السلطات الفرنسية بإعادة الممتلكات المنهوبة غداة احتلال الجزائر وطوال حقبة الاستعمار وكذا المهربة قبيل الاستقلال.

كما تعمل على إلزام السلطات الفرنسية بتسديد ديونها للجزائر التي تعود إلى مرحلة ما قبل الاحتلال، وتتحمل الدولة الفرنسية التعويض عن الضرر المعنوي والمادي الذي ألحقته بالشعب الجزائري في فترات العدوان المختلفة.

وتنص المادّة 36 على عمل الدولة الجزائرية، وعبر قنواتها الدبلوماسية و/أو الهيئات القضائية الدولية على إلزام السلطات الفرنسية تقديم تعويضات عادلة ومنصفة لجميع ضحايا التجارب النووية الفرنسية في الصحراء الجزائرية.
كما تُلزم السلطات الفرنسية بتسليم كل الأرشيف المتعلق بالجرائم النووية، والكشف عن أماكن النفايات النووية، فضلا عن إلزامها بإصلاح الأضرار البيئية والصحية التي خلّفتها، وكذا التعويض وجبر أضرار الإشعاعات النووية، وإرجاع الحال إلى ما كان عليه.

ويحق للدولة الجزائرية والجمعيات ومنظمات المجتمع المدني المعنية بحقوق الإنسان، وضحايا التجارب والتفجيرات النووية الفرنسية و/أو ضحايا الإشعاعات النووية في الصحراء الجزائرية رفع دعاوى التعويض أمام الجهات القضائية الوطنية.

كما يحق لضحايا الألغام الموروثة من الاستعمار الفرنسي رفع دعاوى تعويض أمام الجهات القضائية الوطنية.

وتُلزم السلطات الفرنسية بتقديم خرائط الألغام المزروعة عبر خطي شال وموريس، تحت طائلة المساءلة والمتابعة الجنائية الدولية.

من جهة أخرى، يحق لأبناء وأحفاد جميع الجزائريين المبعدين والمهجرين إبان الاستعمار الفرنسي رفع دعاوى تعويض عن جرائم التهجير والترحيل القسري، حسب القانون المقترح.

ويحق لأي شخص ولكل ذي مصلحة تعرض لقبه العائلي للتشويه و/أو التحريف من قبل الإدارة الاستعمارية الفرنسية رفع دعوى تعويض عن الأضرار أمام الجهات القضائية المختصة، وفق المادّة 41.

تجاوب كبير

وعن صدى مقترح القانون داخل أروقة البرلمان، أوضح النائب زكرياء بلخير أنّ التفاعل كان إيجابيّا جدا، مؤكدا تشوّق النواب إلى تمرير المشروع، باعتباره أكبر من كل طائفة فكرية أو لون سياسي أو كتلة حزبية.

وكشف أنّ طريقة جمع التوقيعات تمّت مباشرة مع النواب، من دون مراعاة للانتماءات ولا للرسميّات، باستشارة الكتل البرلمانيّة.

وصرّح مندوب المبادرة أن رفقاءه متفائلون هذه المرة بإمكانية النجاح في تمرير التشريع، مع يقينهم بحدوث بعض العراقيل، قد يكون السبب الأكبر فيها هو التردد والخوف من رد فعل الدولة الفرنسية.

وقال إن “ما يجعلنا نأمل أكثر هو وضوح الإرادة الحقيقية من السلطة الجزائرية الرسمية في المضي قدما نحو استرجاع كامل السيادة الوطنية”، لذلك سنبقى متشبثين بمطلب الشعب الجزائري إلى أن يتم التوافق الوطني على تمريره في القريب العاجل.

المصدر : الجزيرة

nexus slot

garansi kekalahan 100