الدِّيقَاجِيُّونَ و الدِّيمَاغُوجِيُّونَ
يُؤسفنا و يُؤذينا كثيرا ما آل إليه الحال في بلادنا ، مِنْ تنافر و تباعد بين المتحزّبين و كلّهم تونسيون و وطنيون كانوا بالأمس القريب صفّا واحدا في وجه الظلم و الطغيان ، و يحزننا كثيرا أن يخرج قطار الثورة عن سكّته و أن يسيطر عليه كواليسيون ، يعملون من وراء السّتائر ، و يحرّكون الأحداث على الميدان بالخطط التي يريدونها ، حتّى صرنا محكومين في الكثير من الميادين بقوّة الأمر الواقع ،و بالتأثير الخارجيّ ، و بتأثير الدولة العميقة ذلك انّ الوهج الثوريّ قد خبا ، و الثوريون بعضهم وضعوا أسلحتهم من قبل ان تضع الحرب أوزارها ،و بعضهم تفرّقوا ينصرون هذا الفريق حينا و ذاك الفريق حينا ، و يقفون حيارى بين الفرقاء أحيانا ، و ضعفت القوّة الثوريّة التي كانت في سواعد الناس ، و في حناجرهم ، تعبّر عن الرغبة في أن تجتث الأمس الظالم من عروقه و تمهّد للغد العادل الحرّ الكريم ، و تعيش اليوم الزّاحف الهادر ، بقوّة الشعب …
يُؤسفنا و يُؤذينا سيطرة الرديء السيئ ،و فرض نفسه على الساحة ، و على ساحة الاعلام بالتحديد ،، يُؤسفنا و يُؤذينا ،تواصل بعض الافاعي في نفث سمومها ،يُؤسفنا و يُؤذينا هذا الطابور الطويل من الديماغوجيين الذين يمارسون استعلاء حقيرا على شعبهم ،إنّهم في أبراج العاج ،،هذا يكلّم الشعب بلغة التملّق من لندن و يستغلّ ممارسات الحُقْرة، التي كانت في ازمنة الجَوْر و ستأخذ وقتا طويلا حتّى تُسْـتَـأصَلَ،يستغلّها للتأليب على الحكومة المنتخبة و التي تحاربها أشباح الماضي الساكنة في دواليب الادارة …و الآخر يتكلّم باسم الشعب المطحون من جهة و يرتمي في أحضان الطّحّان من جهة اخرى ،،،و الآخر يركب افخم السيارات و يلبس أفخر الملابس و يتعطّر و يتجمّل ، ثمّ يتكلّم باسم البؤساء في الجهات المحرومة و هم بَرَاء منه و هو ليس بريئا من المساهمة في مآسيهم …و آخرون يفخرون بانّهم ناصروا العمّال و الموظّفين ،و اعلوا من شأن الاتحاد ،و يغفلون انّهم ساهموا بذلك في إضعاف الوطن و إرهاقه ،فهل يكون المواطن عزيزا إذا كان وطنه ذليلا يستجدي الدّيون ،،و آخرون كثير لا همّ لهم سوى التشكيك في الانجازات و التبشير بالفوضى ، و العمل على التعطيل و على التأجيل و على الافساد و على التنغيص على العباد ،،و البعض يعمل جاهدا على أن يسوء الوضع اكثر حتّى يكره الناس الحكومة و حتّى يتحسّروا على اليوم الذي انتخبوا فيه النهضة ,,,و النهضة بالتحديد هي المقصودة بالكيد ، و الاسلام بالتدقيق هو المقصود بالاقصاء ،،،حتّى تصدق القولة الكاذبة انّ الاسلام حيثما حلّ ، حلّ معه الخراب …
نحن في زمن رديء، بسبب رداءة الفاعلين فيه ،،،و وَاهِمٌ منْ ظنّ أنّ الحاكمين اليوم هم الفاعلون المؤثرون ،،،بل هم متأثرون بالعميق المستبطن المستكين الكامن في أرجاء الادارات و في ما يعرف بالدولة العميقة ،،،فحكام اليوم لهم السطح ، و ما تحته بقليل ، أمّا الأعماق ، فللسابقين الذين زرعوا العقليات و بثّوا الرجال ، ليتواصل زمن احتقار الخوانجيّة و ازدراء المناضلين الذين كانوا يُسبّون و تُلَفَّق لهم التُّهم الباطلة و تنشر حولهم الاخبار و التحاليل الزّائفة
و الديقاجيّون و الديماغوجيّون،،لهم السيطرة اليوم ، لكن إلى حين ، و لن يطول بهم المقام ، فهم إلى زوال ، و سيعود الوعي الى الناس و يعود الينا الصادقون الذين يتمّ تشويههم اليوم …و سيُقبِل الشعبُ على القول الصادق و يعلم القول الزّائف ،و يقف على الأكاذيب التي روّجها أسياد الزّيف ،و أبواق الحيف لأن حبل الكذب قصير ،،
فيأ أيها الديقاجيّون و الديماغوجيّون، انتم تلعبون في الوقت الضائع ، و قريبا يُصَفّر الشعب و ينتهي اللعب ، و تطير الغربان و البوم بعيدا و يعود الينا صفاء السماء و صفاء القلوب و صفاء الرؤية ،،
يوسف السبوعي