“وول ستريت جورنال”: ارتفاع أسعار الغذاء العالمي.. ربما تكون له عوامل أخرى
نيويورك في 10 أفريل /قنا/ في الوقت الذي يؤكد فيه الخبراء الاقتصاديون في منظمة الأغذية والزراعة التابعة للأمم المتحدة “فاو” أن أسعار المواد الغذائية على المستوى العالمي لا تزال مرتفعة للغاية وتستمر في الارتفاع في الأسواق المحلية، بالرغم من إعلان المنظمة الدولية انخفاض مؤشر الأسعار العالمية للغذاء للشهر الثاني عشر على التوالي بنسبة 20.5 بالمئة في مارس 2023 بالمقارنة مع الشهر ذاته من 2022 حين كانت الأسواق تشهد أولى تبعات الحرب في أوكرانيا.
وذهبت صحيفة “وول ستريت جورنال” الأمريكية، إلى أن هنالك ربما عوامل أخرى، أدت إلى ارتفاع أسعار الغذاء العالمية، لافتة إلى أن معظم الخبراء الاقتصاديين يتوقعون أن يشهدوا هدوءا في أسعار المواد الغذائية خلال الأشهر المقبلة، لكنه من غير الواضح لماذا ارتفعت الأسعار كثيرًا بادئ ذي بدء.
وأضافت أنه في الاثني عشر شهرًا الماضية حتى مارس، ارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 15.4 بالمئة في منطقة اليورو، بينما انخفضت أسعار الطاقة بنسبة 0.9 بالمئة، وارتفعت أسعار المواد الغذائية بنسبة 10.2 بالمئة في الولايات المتحدة في الاثني عشر شهرًا الماضية حتى فبراير، متقدمة على أسعار الطاقة بنسبة 5.2 بالمئة.
وذكرت الصحيفة أنه في أسواق السلع الأساسية العالمية، يتم تحديد الأسعار التي يتلقاها المزارعون وأنه في معظم البلدان، يشكل الغذاء الحصة الأكبر من ميزانيات الأسر.
وأوضحت “وول ستريت جورنال” أنه عادة ما يكون هناك عدم مجاراة في حركة الأسعار التي يتلقاها المزارعون من أسواق السلع الأساسية العالمية والأسعار التي تدفعها الأسر، وأن تكاليف السلع الخام ليست سوى جزء واحد من السعر النهائي، حيث يدفع المستهلكون أيضًا تكاليف المعالجة والتعبئة والنقل والتوزيع.
وأضافت الصحيفة أن حجم الفجوة بين المزرعة وطاولة الطعام، دفع بعض الاقتصاديين إلى رؤية قوى أخرى تلعب دورها: ربما تكون الشركات في سلسلة الإمداد الغذائي قد رفعت أسعارها أكثر من اللازم لتغطية التكاليف المرتفعة.
ونقلت الصحيفة عن كلاوس فيستيسن، الخبير الاقتصادي لدى “بانثيون ماكروايكونوميكس” أن “الطريقة الوحيدة لشرح ما يتعلق بما رأيناه في بعض مؤشرات أسعار السلع الغذائية هو توسيع الهوامش (الربحية)”. وينظر بعض المختصين في البنك المركزي الأوروبي الآن أيضًا إلى الإمكانية التضخمية لتوسيع هوامش الربح، حيث حذر فابيو بانيتا، عضو المجلس التنفيذي للبنك المركزي الأوروبي، من “دوامة الربح والسعر”، مضيفا في خطاب ألقاه في مارس الماضي أن: “السلوك الانتهازي للشركات يمكن أن يؤخر أيضًا انخفاض التضخم الأساسي”.
وأدت الحرب الروسية في أوكرانيا إلى قفزة في أسعار السلع الغذائية المتداولة عالمياً، حيث إن كلا البلدين يعتبر مصدرا رئيسيا للحبوب والمواد الخام اللازمة لصنع الأسمدة.
وفي مارس 2022، سجل مؤشر أسعار المواد الغذائية الذي أعدته الأمم المتحدة والذي يشمل الحبوب والزيوت النباتية والسكر واللحوم ومنتجات الألبان أعلى مستوياته في أكثر من نصف قرن من السجلات وأشارت الصحيفة أن المؤشر بقي بالقرب من هذا المستوى حتى يونيو، ثم انخفض بشكل حاد في يوليو وتراجع منذ ذلك الحين، بنسبة 18.7 بالمئة في فبراير من ذروته، وعلى النقيض من ذلك، استمرت الأسعار المدفوعة مقابل الغذاء في كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي في الارتفاع.
وذكرت أن الحكومات الأوروبية تشعر بالقلق، فقد كان همها الأساسي بعد الحرب في أوكرانيا هو حماية الأسر من تكاليف الطاقة، وسن العديد منهم أسقفا للأسعار للحد من المصاعب خلال فصل الشتاء والحفاظ على دعم الناخبين للعقوبات ضد روسيا والمساعدات العسكرية والمالية لأوكرانيا.
وجذب الغذاء في البداية اهتمامًا أقل من قبل الحكومات الأوروبية، ويرجع ذلك جزئيًا إلى أن ارتفاع سعره كان أقل من سعر الطاقة، إلا أن ذلك قد تغير في الأشهر الماضية، فقد أبرمت حكومة الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون الشهر الماضي اتفاقية مع كبار تجار التجزئة للإبقاء على أسعار المواد الغذائية منخفضة، في وقت تواجه حكومته احتجاجات على إصلاحات المعاشات التقاعدية.
وقال برونو لو مير وزير المالية الفرنسي: “نحن ندرك تمامًا أن ما يقلق الرجال والنساء الفرنسيين اليوم، وما يقلق الأسر، وما يجعل حياتهم اليومية صعبة، هو الزيادة في الأسعار اليومية، وارتفاع أسعار المواد الغذائية”.
وأضاف لو مير أن هذه الاتفاقية، التي ستستمر لمدة ثلاثة أشهر حتى يونيو، ستشمل تخفيضا في هوامش ربح موردي المواد الغذائية عدة مئات من الملايين .
وقالت الصحيفة إن هناك بعض الأدلة على أن هوامش الربح لدى موردي المواد الغذائية قد ارتفعت منذ بداية جائحة “كوفيد-19”. ووفقًا لخبراء اقتصاديين في بنك أي ان جي، ارتفعت الهوامش في القطاع الزراعي الألماني (الذي يستثني مصنعي المواد الغذائية المعبأة وتجار التجزئة) بنسبة 63 بالمئة، بين نهاية عام 2019 ونهاية عام 2022، ويعود ذلك تقريبا إلى ارتفاع الأرباح وليس ارتفاع الأجور.
وقال الخبراء إنه “يمكن تفسير الارتفاع في هوامش الأسعار في القطاع الزراعي وقطاع البناء والتجارة وقطاع النقل والضيافة بشكل رئيسي، بسبب زيادة الأرباح، وبالتالي لا يرجع إلى ارتفاع أسعار الطاقة والسلع الأساسية”.
وذكرت الصحيفة أن هوامش الربح في جميع مناحي الاقتصاد في أوروبا آخذة في الارتفاع، وذهبت وكالة الإحصاء الأوروبية (يورستات) إلى ما يؤيد ذلك. وعلى النقيض من ذلك، انخفضت حصة العمال بشكل طفيف. وفي الولايات المتحدة، ظلت هوامش الربح قريبة من مستويات قياسية في الربع الرابع من العام الماضي، على الرغم من انخفاضها من الربع الثالث.
وذكرت الصحيفة أن ارتفاع أسعار المواد الغذائية يشكل أيضا مشكلة للبنوك المركزية، فإن معظمها ينظر إلى التضخم الأساسي، الذي يستثني الغذاء والطاقة، لمعرفة اتجاهات التضخم الأساسية، لكنها تدرك أن التضخم الرئيسي، الذي يشمل الغذاء والطاقة، يمكن أن يؤثر على توقعات الجمهور، وأن الغذاء هو الشيء الجيد الذي تشتريه معظم الأسر كل يوم، وأنه يمكن أن يقود ذلك العمال إلى التفاوض على أجور أعلى، وهو ما يكون له أثر على الأسعار.
واختتمت الصحيفة بتصريح لهوو بيل كبير الاقتصاديين في بنك إنجلترا، قال فيه إنه سواء ارتفعت أسعار المواد الغذائية بسبب الطقس أو الحرب أو هوامش الربح، فقد تضطر البنوك المركزية إلى الاستجابة لذلك برفع معدلات (سعر الفائدة)، مضيفا أن “الانحرافات المستمرة للتضخم عن الهدف، حتى لو كانت ناتجة عن سلسلة من صدمات التضخم العابرة، قد تؤدي إلى تغييرات في السلوك تولد ديناميكيات تضخمية طويلة الأمد”.