الانتخابات التركية … صراع الإرادات والقيم

يكتبها بالنيابة : أحمدعبد النبي

أتابع بشكل عام الحملات الانتخابية التركية، وأرصد التقييمات والتحاليل والتوقعات وسبر الآراء … اجتهد في متابعة المقالات الجادة، ووجهات النظر المختلفة. وككل الوقائع يركز الناس على ما يعنبرونه أساسيا في التفاعل من زاويتهم، فتختلف وجهات النظر من خلال تلك المنطلقات، وقد تتحول إلى محددات.
فالمهمومون بمسألة الديمقراطية والتداول على السلطة، يصبح ذلك الهم منطلقا ومحددا في التحليل، ويتحول الى “حاجب” يحجب النظر الموضوعي للوقائع على الارض. والذين ينطلقون من اهمية العامل الاقتصادي والاجتماعي، يفعلون نفس الشي. وقل الأمر نفسه لمن يعتبر الحضور الاعلامي والتغطية الاعلامية وخاصة في الوسائط الغريية الاكثر تاثيرا والأكثر شعبية مؤشرا على ما يمكن ان تتجه إليه النتائج.
ولك أن تقول الشيى نفسه لمن يرى في الضفة المقابلة المسألة من زاوية الاستقلال الوطني وموازين القوى وصراع النفوذ والمعادلات الجيوستراتيحية.
لاحظت ان من الاسلاميين من يكاد يتمنى هزيمة أردوغان، وذلك لمجرد انه تمسك بالسلطة!
تابعت تحليلات كثيرة لمؤسسات سبر الآراء في تركيا، وقرأت تقريرا ضافيا يعرض نتائجها كلها، ومن حوالي 10 مؤسسات اثنتان فقط رجحت فوز مرشح المعارضة وحزبه، بينما البقية رجحت فوز اردوغان وتحالفه … ومع ذلك قرأت لمن يتحدث عن ان نتائج سبر الآراء ليست في صالح اردوغان.
هل ان وضع اردوغان وتحالفه مريح ؟ لا أبدأ … وتلك كانت كل الانتخابات التي خاضها … فوزه كان دائما طفيفا لم يتجاوز 53% في احسن النتائج وكذلك حزبه.
هناك انقسام في الشارع التركي، وهناك صراع مشاريع لا زال على اشده منذ ما يزيد عن الخمسين عاما … والتحولات بطيئة ولكنها منطقية لأن اسبابها الداخلية والخارجبة قوية وفاعلة وظاهرة للعيان.
لكنه صراع مبهر ويستحق الاشادة … حيث تمكن الفاعلون في هذا الصراع من جعل الشعب التركي حكما حقيقيا، من خلال مشاركة كبيرة تتجاوز نسبتها 80%، لم تحققها إلا الاحزاب والدول الشمولية التي كانت تقود الناس بالعصا لصناديق الاقتراع، وتزور النسب إن لم يأت العدد المطلوب. ثم تكون النتيجة للفائز بالنسبة المشهورة التي تقارب 100%.
الحقيقة الكبرى ان الدولة التركية والشعب التركي اعطوا لصندوق الانتخابات شفافيته وصدقيته، بشكل لا مثيل له حتى في الدول الغربية حيث نسب المشاركة متدنية.
التاريخ لا يسير وفق رغباتنا واحلامنا وامانينا، والوقائع على الأرض تحكمها معادلات موازين القوى ومنها نفسية الشعوب وإرثها وتاريخها …ولا شك ان التداول على السلطة من واقع خبرة الشعوب أفضل من حيث تجنب مساوئ الاستبداد …
لكن حذاري ان نتعامل مع مركب أسباب الحكم بسذاجة حتى نجعل من عامل واحد كأنه الخير كله وفقدانه هو الشر كله …. وحذاري ان نجعل للشكل قيمة اكبر من الموضوع …. لتجربة حزب العدالة والتنمية أخطاؤها ولأردوغان اخطاؤه، ولكن المعادلة اعمق بكثير من مجرد أخطاء ربما يكون بعضها عميقا، إذ المهم هو مركب المعادلة بتشابكاتها وتعقيداتها، بظاهرها وعمقها، بالثقافة الضاربة في الاعماق، وبالصراع الحضاري والجيوستراتيجي …
لن يقنعني أحد ان الحملة الاننخابية المضادة التي يقودها الغرب، من خلال كبريات وسائل إعلامه، وتنسيقه شبه المباشر مع المعارضة، وبكل “الانقلابات” الاقتصادية والعسكرية التي قادها أو شارك فيها بفعالية، إنما يفعل ذلك لأن اردوغان ديكتاتور، أو لأن الديمقراطية التركية مهددة، أو لأن اردوغان فاشل…. هذا وحده كاف كي يكون اصطفافي وراء اردوغان مبررا ومشروعا وواجبا ….
كل المتابعين للوضع الحيوستراتيجي متاكدون من ان خسارة اردوغان لا قدر الله، تعني منعطفا استراتيجيا سيلقي بظلاله ليس على تركيا وحدها بل على المنطقة برمتها وعلى العالم عامة بمزيد من التقهقر والاضطراب.
وأردوغان بكل اخطائه إنما يمثل مشروع تحرر من الهيمنة الغربية، ستعود فائدته على تركيا والعالم التركي أولا ولكن لن تحرم نجاحاته منطقتنا العربية والاسلامية … ذلك إن اردوغان وحزبه إنما يمثلون حلقة من حلقات دفاع الأمة عن ذاتها هوية وحضورا وتاثيرا ….

nexus slot

garansi kekalahan 100