السودان.. بدء الإفراج عن معتقلين سياسيين وحمدوك يتعهد بتشكيل حكومة كفاءات “بكامل الاستقلالية”

بدأت السلطات السودانية الإفراج عن عدد من المعتقلين السياسيين، في حين أكد رئيس الوزراء عبد الله حمدوك أنه سيكون له “كامل الاستقلالية” في تشكيل حكومة كفاءات وطنية.

وفي وقت تباينت فيه ردود الفعل المحلية إزاء الاتفاق، رحّبت جهات دولية بالخطوة التي جمعت المكونين العسكري والمدني.

وقال الناطق باسم حزب البعث العربي الاشتراكي بالسودان للجزيرة إنه تم الإفراج عن رئيس الحزب علي الريح السنهوري. كما قال مراسل الجزيرة إنه تم إطلاق سراح القيادي بتحالف قوى الحرية والتغيير ورئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير.

وفي وقت سبق عملية الإفراج هذه، قال مصدر سيادي مطلع لمراسل الجزيرة في السودان إنه تم التوجيه بإطلاق سراح 4 من المعتقلين السياسيين.

وأوضح المصدر أن المعتقلين هم رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، والصديق الصادق المهدي مساعد رئيس حزب الأمة، وياسر عرمان مستشار رئيس الوزراء، وأمين سر حزب البعث الاشتراكي علي السنهوري، مؤكدا أن السلطات شرعت في إجراءات إخلاء سبيلهم.

بكامل الحرية

وفي وقت سابق، قال حمدوك إن من أهم بنود الاتفاق السياسي الجديد -الذي وُقع مع رئيس مجلس السيادة الفريق عبد الفتاح البرهان- أن تكون لرئيس الوزراء القدرة على تشكيل حكومة مستقلة بكامل الحرية والاستقلالية، مؤكدا أن جميع المعتقلين السياسيين سيطلق سراحهم قريبا.

وفي حوار مع الجزيرة، أكد أن الفكرة الأساسية في الحكومة المقبلة أن تكون حكومة تكنوقراط من كفاءات سودانية مستقلة، وأن ما تبقى من عمر المرحلة الانتقالية يدفع الحكومة المقبلة إلى التركيز على قضايا محدودة جدا، على رأسها تنفيذ التحول الديمقراطي واستحقاقاته.

وقال حمدوك إنه يأمل في أن يصل السودانيون إلى توافق لحقن الدماء وفتح الطريق أمام التحول الديمقراطي، معتبرا أن السودان كان على شفا هاوية، وأن المبادرات الفردية والجماعية المختلفة حركها الحرص على تفادي التشظي والانزلاق نحو مصير مجهول، على حد تعبيره.

اتفاق سياسي

وكان حمدوك وقّع مع البرهان -بالقصر الجمهوري بالخرطوم- على اتفاق سياسي لتجاوز الأزمة في البلاد، عاد بموجبه حمدوك إلى منصبه رئيسا للوزراء. ونص الاتفاق على أن الشراكة بين المدنيين والعسكريين هي الضامن لأمن السودان.

وبعد توقيع الاتفاق السياسي، أعلن مجلس الوزراء السوداني أن حمدوك باشر مهامه برئاسة مجلس الوزراء.

وتضمن الاتفاق -الذي حضر مراسم توقيعه عدد من القيادات السياسية والعسكرية- 14 بندا، أبرزها إلغاء قرار إعفاء حمدوك من رئاسة الحكومة وإطلاق سراح جميع المعتقلين السياسيين، وإشراف مجلس السيادة على الفترة الانتقالية.

وينص الاتفاق الجديد على عودة حمدوك رئيسا لحكومة كفاءات خلال الفترة الانتقالية، وإطلاق سراح القياديين المدنيين المعتقلين منذ سيطرة الجيش على السلطة نهاية الشهر الماضي.

ويشمل الاتفاق كذلك استكمال المشاورات مع القوى السياسية باستثناء حزب المؤتمر الوطني، والاستمرار في إجراءات التوافق الدستوري والقانوني والسياسي الذي يحكم الفترة الانتقالية.

وينص الاتفاق على الالتزام الكامل بالوثيقة الدستورية إلى حين تعديلها بموافقة الجميع، ومحاسبة المتورطين في قتل المتظاهرين.

حقن الدماء

وخلال مراسم التوقيع على الاتفاق، دعا حمدوك إلى التوافق على كيفية حكم السودان، وقال إن توقيعه على الاتفاق يهدف إلى حقن دماء السودانيين، والحفاظ على مكتسبات العامين الماضيين.

من جهته، قال البرهان إن الاتفاق الجديد أسس لمرحلة انتقالية حقيقية وإن ما تم تحقيقه جرى العمل عليه منذ ما قبل 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي.

بدوره، قال نائب رئيس مجلس السيادة الانتقالي محمد حمدان دقلو “حميدتي” إن الاتفاق جاء مجسدا لمبادئ وأهداف ثورة ديسمبر/كانون الأول 2018، على حد تعبيره، معبرا -في منشور على صفحته في فيسبوك- عن استعداده للعمل مع حكومة حمدوك لتحقيق تطلعات الشعب السوداني.

وطالب حميدتي الشركاء الإقليميين والدوليين بدعم السودان لتحقيق التحول الديمقراطي وإقامة الانتخابات في نهاية الفترة الانتقالية.

كما قال الأمين العام المكلف لحزب المؤتمر الشعبي محمد بدر الدين -للجزيرة- إن الاتفاق السياسي مقبول، لأنه تحدث عن توسيع قاعدة المشاركة ونبذ الإقصاء السياسي.

أما القيادي بحركة العدل والمساواة السودانية وجبهة الميثاق الوطني محمد زكريا، فقال -للجزيرة- إن الاتفاق خطوة تاريخية ستسهم في وقف الاحتقان السياسي.

رافضو الاتفاق

في المقابل، أعلنت حركة تحرير السودان بقيادة عبد الواحد نور رفضها الاتفاق السياسي، واعتبرته في بيان -تلقت الجزيرة نسخة منه- شرعنة لما وصفته بالانقلاب العسكري وردة عن أهداف وشعارات ثورة ديسمبر/كانون الأول، في إشارة إلى المظاهرات التي اندلعت في ديسمبر/كانون الأول 2018 وانتهت بالإطاحة بنظام عمر البشير.

من جهتها، أعلنت قوى الحرية والتغيير-مجموعة المجلس المركزي- رفضها للاتفاق، مؤكدة أنه لم يتطرق إلى جذور الأزمة التي أنتجها ما وصفه التحالف بانقلاب 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي. وأكد أن موقفه هو أنه لا تفاوض ولا شراكة ولا شرعية للانقلابيين، على حد وصفه.

وكان عضو المجلس المركزي جمال إدريس قال -للجزيرة- إن الاتفاق الجديد يمثّل حمدوك وحده ولا يمثل قوى الحرية والتغيير، معلنا العزم على مواصلة التصعيد من خلال المظاهرات لإسقاطه، معتبرا أن حمدوك رضخ لمطالب من وصفهم بالانقلابيين.

بدوره، وصف تجمع المهنيين السودانيين الاتفاق بالخيانة، وأعلن رفضه إياه جملة وتفصيلا. وقال -في بيان- إن الاتفاق جاء تلبية لرغبات من وصفهم بالانقلابيين ومحاولة لشرعنة الانقلاب وبمثابة الانتحار السياسي لحمدوك، وفق تعبيره.

وأكدت المتحدثة السابقة باسم الحزب الشيوعي السوداني آمال الزين -للجزيرة- رفض حزبها الاتفاق الجديد، داعية القوى السياسية للتوحد من أجل إسقاطه.

ترحيب دولي

دوليا، أشاد رئيس مفوضية الاتحاد الأفريقي موسى فكي بالاتفاق السياسي، باعتباره خطوة مهمة في العودة إلى الوضع الدستوري.

وشجع -في بيان له- كل الفاعلين السياسيين والعسكريين والمدنيين على تعميق هذا التوجه.

ودعا فكي المجتمع الدولي إلى تجديد التزامه وتضامنه مع السودان، كي يستعيد الأمن ويستعد في جو من الوفاق الديمقراطي لانتخابات حرة.

من جانبها، رحبت بعثة الأمم المتحدة المتكاملة لدعم الحكم الانتقالي بما وصفته التوافق بشأن حل الأزمة الدستورية والسياسية التي كانت تهدّد استقرار البلاد.

وشددت البعثة الأممية على ضرورة حماية النظام الدستوري والحريات الأساسية للعمل السياسي وحرية التعبير والتجمع السلمي، وتوقعت البعثة أن يطلق سراح جميع الذين اعتقلوا منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، في بادرة أولى لتنفيذ هذا الاتفاق، وفق تعبيرها.

وقالت وزيرة الشؤون الأفريقية في الخارجية البريطانية فيكي فورد إنها سعيدة بإطلاق سراح حمدوك ومواصلة عمله رئيسا لوزراء السودان.

وطالبت فورد -في تغريدة على تويتر- الجيش السوداني بالالتزام بوعده بشراكة حقيقية مع المدنيين، وإطلاق سراح المعتقلين السياسيين كافة، وإجراء تحقيق شفاف في عمليات القتل والانتهاكات الحقوقية.

 

موقف الترويكا

كما عبرت دول الترويكا -التي تضم الولايات المتحدة والمملكة المتحدة والنرويج- عن رفضها أي محاولات لعرقلة أو تعطيل جهود الشعب السوداني لإنشاء مستقبل ديمقراطي وسلمي ومزدهر.

وأكدت الترويكا -في بيان- ضرورة أن يعمل المكونان المدني والعسكري في حكومة الفترة الانتقالية، وجميع الفاعلين السياسيين، معا لمنع التهديدات التي تواجه الانتقال الديمقراطي، وإنشاء مؤسسات انتقالية، ومعالجة التوترات في الشرق والمناطق الأخرى، حسب البيان.

وأضافت أن على أولئك الذين يسعون إلى تقويض عملية الانتقال التي يقودها المدنيون أن يفهموا أن شركاء السودان الدوليين يقفون بحزم خلف شعب السودان وحكومته الانتقالية، وفقا للبيان.

بدوره، حثّ وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن جميع الأطراف السودانية على إجراء مزيد من المحادثات ومضاعفة الجهود لإكمال المهام الانتقالية الرئيسية بقيادة مدنية نحو الديمقراطية في السودان.

وقال بلينكن -في تغريدة- إنه يكرر دعوة قوات الأمن السودانية إلى الامتناع عن استخدام القوة المفرطة ضد المتظاهرين السلميين.

يذكر أن مظاهرات خرجت أمس الأحد في مدن العاصمة السودانية الثلاث (الخرطوم والخرطوم بحري وأم درمان)، رفضا للاتفاق السياسي، وللمطالبة بعودة السلطة المدنية والقصاص للقتلى.

وأظهرت مقاطع فيديو محتجين يرددون هتافات مناوئة لرئيس الحكومة عبد الله حمدوك عقب توقيع الاتفاق السياسي مع البرهان.

وقالت لجنة أطباء السودان إن متظاهرا قتل برصاص الجيش خلال احتجاجات في مدينة أم درمان. وأضافت في بيان “بهذا يرتفع عدد القتلى منذ 25 أكتوبر/تشرين الأول الماضي إلى 41”.

المصدر : الجزيرة

nexus slot

garansi kekalahan 100