إن التنوع في السياسة الخارجية التركية سيكون مدعوماً باستمرار الاستثمار في الصناعات الدفاعية التي تصب في صالح تقوية العقيدة الأمنية التركية المستمرة في التشكل منذ عام 2016 والتي تستند على انخراط تركي أكبر في الميدان.

لكن الانتخابات قد تحمل أيضاً فرصة لطي صفحة الخلافات، والبدء بصفحة جديدة مع الدول الغربية وتحديداً الولايات المتحدة الأمريكية والدول الأوروبية.

إذ لا يخفى على كثير من المتابعين أن هذه الدول وقياداتها كانت تراهن على احتمالية خسارة الرئيس أردوغان للانتخابات، وهو ما دفعهم للتردد في الانخراط بشكل بناء مع الحكومة التركية في عدة ملفات، ما جعل العلاقات بين الطرفين “باردة”.

لكن نتائج الانتخابات التي أكدت بقاء الرئيس أردوغان في الحكم للسنوات الخمس المقبلة ستدفع مختلف الأطراف إلى إعادة ضبط علاقاتها مع تركيا على هذا الأساس، ما بدت إشارته واضحة بالترحيب بنتائج الانتخابات وإرسال عبارات التهنئة من مختلف الزعماء الغربيين وعلى رأسهم الرئيس الأمريكي، جو بايدن والرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون الذي غرد باللغة التركية، وإن كان بلغة ركيكة، لتهنئة الرئيس التركي.

الدول الغربية معنية بإعادة ضبط علاقاتها مع الرئيس أردوغان والحكومة التركية الجديدة خصوصاً في ظل استمرار الحرب في أوكرانيا والتي قد تتحول إلى حرب استنزاف طويلة الأمد.

وليست عضوية السويد بحلف الناتو هي ما يحتاج إليه المعسكر الغربي من أردوغان فقط، بل هو أيضاً معني ببقاء الحياد الإيجابي التي تتبعه تركيا قناةً خلفيةً لأي تفاهمات محتملة، ولو على الصعيد المرحلي كما في اتفاقية الحبوب التي لعبت تركيا فيها دور الوسيط ودعمتها الأمم المتحدة.

وفي مقابل المعسكر الغربي، فإن فوز أردوغان يمثل خبراً مريحاً للرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، والذي طور علاقات شخصية مميزة مع الرئيس التركي في السنوات الماضية. كما أن وجود حكومة تركيّة متسقة مع المعسكر الغربي والسياسات الأمريكية تجاه روسيا بشكل كامل، في حال فازت المعارضة، كان سيمثل حلقة أخرى من حلقات الطوق التي تسعى الدول الغربية لإحكامه حول روسيا دبلوماسياً واقتصادياً.

وبالنظر إلى المحيط الإقليمي، فإن استمرار أردوغان في قيادة المشهد السياسي في تركيا للسنوات الخمس القادمة سيعني ترسيخ الدور التركي في الساحات المحيطة بتركيا.

ففي منطقة القوقاز ستعزز تركيا تحالفها مع أذربيجان، الذي قد يُبقي حالة التنافس متقدة مع إيران التي تدعم أرمينيا مع بقاء الباب موارباً لتحسن العلاقات التركية-الأرمنية.

كما سيبقى ملف محاربة الإرهاب أحد محددات السياسة الخارجية التركية، خصوصاً في المناطق التي ينشط فيها تنظيم PKK-PYD الإرهابي. كما أن تداعيات هذا الملف ستبقى عامل توتر محتمل في علاقات تركيا مع الولايات المتحدة وبعض الدول الغربية، وهو ما يبدو جلياً في الجدل الدائر حول قبول السويد في الناتو.

وفي ذات السياق فإن ترسيخ الدور التركي الميداني سيكون واضحاً في كل من سوريا وليبيا وشمال العراق. فعلى الرغم من احتماليات التقدم في مسار عودة العلاقة مع النظام السوري، وبوساطة ورعاية روسية، فإن ذلك يستبعد أن يتطور إلى انسحاب تركي كامل من الشمال السوري في المدى المنظور، خصوصاً في ظل بقاء التهديدات التي تواجه تركيا المتمثلة في PYD-PKK واحتمالية تدفق أمواج من اللاجئين في حال شن النظام السوري عملية عسكرية لاستعادة السيطرة على مناطق سيطرة المعارضة في إدلب وشمالي حلب.

أما في ليبيا، فإن الدور التركي سوف يترسخ وتتوسع العلاقات التركية-الليبية على المستويات الاقتصادية والسياسية والتجارية، لا سيّما في ظل استبعاد التوصل إلى حل سياسي وانتخابات شاملة في ليبيا في المدى المنظور، ما يعني أن الدور التركي سيكون مطلوباً للحفاظ على التوازن الميداني الهش.

أما بقية دول المنطقة، والتي عملت تركيا على تبريد مشكلاتها معها في الأشهر الماضية، فإن العلاقات سوف تستمر في ذات النطاق، مع تحسن تدريجي في العلاقات التركية-المصرية خصوصاً في ظل الحديث عن عودة السفراء بين البلدين، وجمود العلاقات مع إسرائيل في ظل أي تصعيد إسرائيلي محتمل ضد الفلسطينيين. وعلى جبهة الخليج فإن العلاقات التركية-القطرية سوف تتعمق في مقابل استمرار حذر في تحسين العلاقات التركية-السعودية والتركية-الإماراتية على حد سواء.

جميع المقالات المنشورة تعبر عن رأي كتّابها ولا تعبر بالضرورة عن TRT عربي.

TRT عربي