أدب ما بعد الثورة بين الإعلام والتنشيط الثقافي

أحيانا أجد ما أبحث عنه فأثني في سرّي على أسرة الجريدة لأنها تتوجه إلى قرّائها بما ينفذ إلى عقولهم . وأحيانا أخرى أطوي الصحيفة أو أوجه البحث إلى موقع أخر بالنت يبعدني عمّا لا أرغب في التواصل معه مرارا وتكرارا .

فالابداع الكتابي بعد الثورة لم يتحوّل إلى " خليّة نائمة "ليشح على الصحف بما هو منتظر منه لأنّ عطاءات مبدعينا متعددة وما يُفترض أنه قد كتب منذ بداية العشرية الجديدة من هذا القرن لا بدّ من أن يكون قد حمل بذور أدب جديد لا يقطع مع سابقه بل يضيف إليه من وحْي ما حدث أو يحدث في مجتمعنا التونسي الذي استفاق منذ ثلاث سنوات على واقع جديد ، استلهم شعاره من مطالب التشغيل والحرية والكرامة الوطنية ، ليكتشف أنّ ما نادت به حناجر الثائرين في مدن وقرى البلاد قد غرقت عجلاته في طمْي التسلط على الحكم والتجاذبات السياسية ودخول أطراف ،لا علاقة لها بما يحلم به شبابنا ،على الخط بشعارات غريبة لا ينضج الخبز في أفرانها ولا تتحقق تنمية وإقلاع وحداثة في بسلوكياتها المتجمدة .. فهناك روايات وقصائد شعرية قد بشّرت بنصوص ملامسة لما حدث ولم تستكمل مشاريعها للكتابة من وحيه بعمق نتيجة التحوّلات المتسارعة التي لا تسمح في الوقت الحاضر بأن يهتدي المؤلف إلى استنتاج يحدد مسار عمله ، وهذا ما لا يؤيّد بعض الإدعاءات القائلة أن كتابنا وشعراءها عاجزين عن إنجاز كتابات صارخة من وحي الثورة فليكن لنا الصبر لانتظار ما سيكتب للحكم له أو عليه أما ما يعاب عن الإعلام اليوم فهو صمته عن رصد ما كتب في هذا المجال بالعرض والتحليل والنقد الذي يسهم في التحوّل من مرحلة الوصف والتعبير عن المشاعر إلى إعادة كتابة الأحداث بما يليق بها من نسج سردي واستلهام شعري صادمين . فنحن اليوم نسمع ونرى في تونس ما لم نكن نسمعه ونراه سابقا ،غير أننا كنا نتمنى أن يكون جديد السمع والمشاهدة أفضل من قديمهما ، وفي انتظار أن يتحقق ما نصبو إليه في مجالات الحياة العامة علينا أن ننتظر ميلاد الإبداع الكتابي الذي يستطيع أن يقنعنا في تونس ويقنع غيرنا بأننا أسهمنا بالأدب في تحقيق أهداف الثورة وأن الإعلام والصحافة قد حرّضا هذا الأدب على عطاء جديد ولو بعد حين .

وأنا في هذا المقال لا أتوجه بالكلام إلى الإعلام فحسب بل أنتقد أساليب البعض من مسؤولي دور الثقافة والملتقيات الأدبية والمندوبيات الجهوية المشرفة عليها في التعاطي مع السرد والشعر منذ سنة 2011 ، فإذا كان هناك من يطرح مواضيع تظاهراته مرتبطة بعبارة الثورة كـ " الثورة والأدب و " أدب الثورة والثورة الأدب " فإن المداخلات التي تم تقديمها في الجلسات العلمية لهذه التظاهرات ـ وأنا أتحدث عن التي واكبتها ـ لم تقدم الإجابات المقنعة والمقترحات المنشودة بل ظلت باحثة برؤى تقليدية عن أواصر القرابة والتو اشج بين الثورة التي هي حراك اجتماعي سياسي في سباق تاريخي معيّن وبين الأدب الذي هو نتاج فكري مبشر بالثورة أو مواكب لها أو مستلهم من تداعياتها ، هذا في أيسر الأحوال ، أما ما هو محزن فإن البعض المؤسسات المذكورة قد أغلقت الأبواب أمام أي طرح أدبي يتطرق إلى الراهن لأسباب مختلفة منها : ـ التخوّف من إمكانية حدوث صدامات فكرية بين ذوي الانتماءات والآراء المختلفة قد يؤدي بعضها إلى تبادل العنف بين الأطراف المتناقضة ، وهذا تصوّر بل توَهم سخيف يجول في عقول بعض المنشطين الثقافيين الذين لا يعرفون أن أهل الأدب لا تزلّ أفكارهم إلى التهوّر مهما اختلفت مواقفهم . ـ لاحظت ـ وأنا ابن المهنة المتقاعد مند 2010 ـ أن عددا من الزملاء قد ارتموا في أحضان حزبية هي خطر على الممارسة الثقافية التي كلّفوا بالقيام بها لأنهم غير قادرين على أعداد منابر حواراتهم لغير المتعاطفين مع انتماءاتهم السياسية التي تتسبب في التضييق على حرية التعبير وكبت أصوات الابتكار والتنوع الثقافي . ـ الإفتقار إلى الجرأة لطرح المواضيع الأدبية الساخنة تحت شعار الجلوس على الربوة أسلم ، ـ تجنب الحوار مع هذا الأديب أو ذاك الشاعر لأنه لا ينتمي عقائديا إلى الحزب الذي يتمسح بتلابيبه المنشط الثقافي ، حتى عندما يكون معجبا بكتاباته ـ وذلك بإيعاز ممن يضعونه في صفهم ويطمع في أن يساعدوا بالتعجيل في ترقيته المهنية ، وهذا واقع مفضوح يشهد ببعض ملامحه ما يكتبه ممن ذكرتُ على صفحاتهم الفايسبوكية ، وأحمد الله على أنهم أقلية حبذا لو تهتدي إلى خزعبلاتهم الأقلام الصحفية فتفضح نواياهم . وأضع نقطة توقف من كتابة هذا الموضوع بالقوْل أنه من واجب الإعلام الانتصار للأدب لأن أصحابه أقرب إلى الإعلاميين من كل الناس .

محمد عمار شعابنية / المتلوي

اترك تعليقاً

لن يتم نشر عنوان بريدك الإلكتروني. الحقول الإلزامية مشار إليها بـ *

nexus slot

garansi kekalahan 100