عَـلَا صَـوْتُ الزَّيْــفِ
هذا في الواجهة ، أمّا في الخلفيّة فقد امتدّت أياد الحرق إلى مقرّات المحاكم ، و القباضات المالية ،و إلى مراكز الأمن ،،و في الخلفيّة تَنَادَى البضعْض بنُصرة الشريعة ، و سعى البعض إلى تطبيقها على الناس في أماكن تراجعت فيها قبضة الأمن ،و في الخلفيّة مضى البعض في خطّة الاستعداد و الإعداد بالعدّة و العتاد ، فأدخل السلاح خلسة و خدعة ، و جُنّد شباب ، و رفعت رايات و اندس في التيار من اندسّ و اشتغلت المخابرات تجنّد و توجّه و تستعمل ،و في الخلفية تواصل مجرمو الأمس مع بقايا نظام المخلوع ، ثمّ
بدا التنسيق بين المجرمين و المفسدين و المرتشين و السفهاء و قليلي الحياء ،و عديمي الضمير و معدومي الوطنية ،و الأوفياء لمن يدفع أكثر ، و اختلط الحابل بالنابل و الكرويّة بالتّابل ، و وصلْنا إلى الاغتيال و تصفية الرجال ، بل وصلنا إلى حدّ التمثيل بالجثث ،و إلى حدّ الاعداد للسيّارات المفخّخة و الأحزمة الناسفة و هي الوسيلة الأخبث و الانذل و الارذل بين وسائل المخابرات حيْث يتمّ استعمال الشباب كوسائل لتحقيق أهداف قذرة ، من بعد ما يتمّ تعريضهم لغسيل مخّ و تهيئتهم لتقمّصات وجدانية،،توصلهم إلى الرغبة في الشهادة و تمنّيها و السعي إليها ،
و في تلك الكواليس و الخلفيات التي كانت بعد الثورة ،و في أحضان الدولة العميقة ،و في غفلة الثوّار عن تحقيق أولوية المحاسبة ،و ضرورة المتابعة ،و في حالات التردّد و الارتباك و الاضطراب و الارتعاش التي مرّ بها الحاكمون الجدد ،بضعف قوّتهم و قلّة حيلتهم ، ،، اختمرت أفكار السفهاء من الناس ، و نبت زرعهم ،و أينع حتّى صارت الأمور إلى ما نحن فيه الآن ، ،و آل الحال إلى ما نرى ، و طفح ما كان مغمورا بمياه الثورة و بان على صفحة الوطن ، و أسفرت الرّعونة،و المكر و الكيد و الدّهاء على وجوهها القبيحة ، و سقطت الأقنعة و رّفعت السّتائر ، و صار اللعب على المكشوف ،بلا خجل و لا وجل و لا قفافيز ،،
و … علا صوت الزّيف و الحيْف على صوت الشرعيّة و الحقّ ،و أصبحنا نُمْسِي على هَبَلٍ و نُصْبِحُ على خَبَلٍ ،و الرجال تتضاءل رقابهم و هاماتهم و قاماتهم ، حتّى صار الشعب يشفق على البعض منهم ، و قد حطّ من شأنه و قلّل من قيمته و رضي لنفسه الهوان ، و قبل بمنزلة دون منزلته،و تواجد في مكان دون مكانته ، و لعب دوْرا لا يشرّفه ،،و صارت الأمور إلى الانقلابيين ، وإنْ ادّعوا انهم ليسوا كذلك ، بعضهم يمشي في أجندة الانقلاب ، عن وعي و بعضهم عن غباء و بعضهم عن دهاء و خبْث …بعضهم مدفوعا و بعضهم مجرورا و بعضهم مدفوع الأجر،،،و إذا كان الحراك بوجوه تونسية إلا أنّ الصّوت اجنبيّ، و الأفكار غربية غريبة و التمويل مخابراتيّ برائحة البترول العفنة ،
الغالبية الناطقة في هذه المرحلة هي أقليّة خسرت معاركها بالوسائل الديمقراطيّة ، و أيقنت ان لا مكان لها تملِه، و لا دور لها تلعبه ،هم افراد خرجوا من باب التاريخ الضيّق،و سقطوا في الغربلة الاولى ، و قال فيهم الشعب كلمته ، لكنّهم لم يقبلوا بذلك ، فسعى كلّ واحد يلعب دوره ، و فتحت لهم الأبواق ليقولوا ما يريدون كما يشاؤون و صار منهم خبراء و منهم مختصين و منهم محللين و تعاون الجميع على الالتفاف على الحقائق ، فشككوا في النتائج و قدّموا قراءات غريبة لها ، ليظهروا ان النهضة مثلا لم تنتصر ،و انّ الثلاثي الحاكم ليس إلا حزب النهضة و عميلين له ، و أنّ الحكومة فاشلة من بدايتها و انّ النّواب عديمو النفع و أنّ التعيينات مسيّسة تخدم طرفا دون الاطراف الأخرى ،،حتّى صار الاستخلاص من طرحهم هو أنّ المنتصر بالصندوق ، عليه التنحّي لاولئك الذين انهزموا …و جاء احدهم بمجلس مواز ، لا ندري أين ذهب الآن ؟و جاء غيره بجمعيات تشرف و أخرى تراقب و أخرى تراجع ، حتّى صار العمل مفضوحا بلا أسرار حتى تلك العسكرية ،،،و تخصص آخرون في البلبلة بداية من الاعتصامات التي هي في حقيقة غالبها قطع طرق ، و منع عمال بالقوة من أداء عملهم …و تنادى آخرون بالصّدام ، حتّى يسقط النظام ،و آخرون بالمقامة فلا صلح و لا مساومة و دعوا الشعب إلى اجتياح مقرّات السيادة لكنس المسؤوليين المعينين و تنصيب آخرين من طرف الشعب …و لا شيء من ذلك تمّ و لا كان ، و تواصلت المهازل في الخلفيات و في القاع …حتّى و صلْنا إلى القمّة فرأينا مطالبة بالتخلّي عن منظومة 23أكتوبر و ما جاءت به ، و لم يطالبوا بمحاسبة منظومة 23سنة حكم غاشم ظالم ،،،و صرنا نسمع كلاما مضحكا عن التوافق ثمّ التحاور فتعليق التحاور فدعوة إلى التشاور ، كلّ ذلك بعيدا عن المجلس التاسيسي الذي أرادوا له الزوال ، لكنهم تراجعوا و في النفس حسرة .و هكذا اوقفنا هؤلاء الرجال على غريبة يريدون تثبيتها و هي انّ شرعية الصندوق لا شيء امام شرعيّة التوافق …و هكذا لن نحتاج بعدها الى انتخابات و لا الى ديمقراطية ورقية ، هولاء منظرون جدد ،لشيء جديد،و لا ندري بأيّ حقّ يفعلون ذلك ، و نحن لا ندري من أين جاءوا و قد قال فيهم الشعب كلمته ، إنّهم يغسلّون الثورة و يكفّنونها بل هم يدقّون المسامير الاخيرة في نعش الديمقراطيّة . و لعلّنا الآن بفضل هؤلاء الرجال ، نستيقظ من حلْم الثورة إلى واقع الحال و نعبر من سوق العزّة و الكرامة الى سوق النخاسة و الاستعباد
لعلّنا الآن نشهد نهاية فجر الثورة و ضحاها ، و بداية غروبها و أفول شمسها ، لعلّنا الآن نودّع كالنساء ثورة، لم نحافظ عليها كالرجال ،،،لعلّنا نثبّت قولة: إننا أمّة نائمة لن تقوم لنا قائمة …لعلّنا نفسد بأيدينا لوحتنا الجميلة و نكسر بأيدينا مرايانا و نحطّم بأيدينا آمالنا ، و نضيّع بايدينا فرصتنا التاريخية لأن نصير أمّة كريمة بين الأمم و شعبا عظيما بين الشعوب يُحترم…
لعلّنا الآن نخرج ثانية من التاريخ ، و نبقى مجرّد تضاريس في الجغرافيا …لعلّنا ،،،…إلا أن يتغمّدنا الله برحمة منه ،،فنستعيد الوعي و نعود إلى الثورة و نعيد بها الأمجاد
يـــــــــــوسف السبـــــــــــــــــــــــوعي