البحر الأحمر.. مخاطر أسواق الطاقة والتجارة العالمية

لم يكن سوق الطاقة العالمي بحاجة لأزمة جديدة في منطقة الشرق الأوسط ليشهد المزيد من حالة عدم الاستقرار والضبابية بسبب الهجمات التي شنت على السفن في منطقة البحر الأحمر خلال الفترة الماضية. هذه المخاطر في منطقة البحر الأحمر التي تعد أهم المناطق الإستراتيجية في سوق الطاقة العالمي وأهم المضايق البحرية في العالم يمكنها أن تعطل البنية التحتية للطاقة وتمنع الاستثمار وتعيق عملية النقل الفعالة لموارد الطاقة عبر المنطقة.
واقع الأمر أن التوترات الجيوسياسية والعسكرية في غزة ألقت بظلالها على السوق وبدخول الهجمات الأخيرة على السفن كلاعب جديد في الصراع ما بين حماس وإسرائيل كان له الأثر المباشر في سوق الطاقة العالمي، بل يتوقع أن يؤثر على حركة الشحن العالمي.

باب المندب

يعتبر مضيق باب المندب أحد أهم 8 ممرات مائية تمثل شرايين الكرة الأرضية للتجارة والطاقة. يقع المضيق في موقع إستراتيجي بين إريتريا وجيبوتي واليمن، أي هو الرابط بين الشرق الأوسط والقرن الأفريقي كما يربط البحر الأحمر بخليج عدن وبحر العرب. ويصل عرضه نحو 18 ميلاً في أضيق نقطة ويعبر المضيق حوالي 3.8 مليون برميل نفط يومياً وأكثر من 50 مليون طن من المنتجات الزراعية، ويمرّ من خلاله 12 % تقريباً من التجارة البحرية العالمية، وتعتبر منطقة البحر الأحمر بمثابة طريق عبور رئيسي للتجارة الدولية، وخاصة نقل موارد الطاقة. ويعبر النفط والغاز الطبيعي من الشرق الأوسط.
وخلال الأيام الماضية قامت العديد من شركات الشحن والطاقة بتحويل مسارات النقل بعيداً عن منطقة البحر الأحمر. وقالت “بلومبيرغ” إن ناقلات الطاقة وسفن الحاويات أصبحت تتخذ مسارات شاقة حول أفريقيا بعد التوترات الأخيرة والهجمات على السفن في منطقة البحر الأحمر الأمر الذي يمكن أن يؤدي لجمود في حركة التجارة العالمية وتأخر في تسليم البضائع وناقلات الطاقة.

هجمات من البحر

وبلغ عدد السفن التي تعرضت لهجمات في البحر الأحمر نحو 15 سفينة، وقالت شركة (ميرسك) إنها غيرت مسار نحو 20 سفينة بعيداً عن المنطقة كما ستوقف مؤقتاً رحلاتها في المنطقة، وتعيد شركة (فالينيوس ويلمسين) توجيه جميع السفن المخطط العبور عبر البحر الأحمر لرأس الرجاء الصالح، كما أوقفت شركة (إيفرغرين لاين) خدمات الاستيراد والتصدير مع إسرائيل فوراً، وتدرس شركة (فرونت لاين) ما إذا كانت ستوقف رحلات ناقلات النفط في البحر الأحمر، وقالت شركة (هاباغ-لويد) في بيان لها إنها لن تستخدم البحر الأحمر حتى 18 ديسمبر بعد تعرض إحدى سفنها لهجوم، وتعيد شركة (سي إم إيه سي جي إم) توجيه سفنها بعيداً عن المنطقة وأصدرت إشعار القوة القاهرة. أما شركات الطاقة التي أوقفت مؤقتاً جميع عمليات النقل مثل (بي بي) البريطانية و(إكوينور).
واتخذت نحو 150 سفينة حاويات مساراً طويلاً حول أفريقيا لتجنب الهجمات، وهذا بالضرورة يعني تكاليف إضافية في الشحن ليس في سوق الطاقة وحده في حركة التجارة العالمية علماً بأن هناك نحو 5 شركات شحن كبرى تسيطر على 56 % من طاقة الشحن في العالم. ويعني تجنب السفن لهذه المنطقة زيادة في تكاليف الشحن لكل البضائع التي تمر عبر المنطقة بدءا من السلع الصغيرة المصنعة مروراً بمدخلات الإنتاج والمواد الصناعية وانتهاء بتجارة النفط والغاز والحبوب، يأتي ذلك في الوقت الذي يواجه فيه الاقتصاد العالمي التعافي من مخاطر الركود وطوال عملية التعافي من جائحة كورونا واستمرار ارتفاع معدلات التضخم عالمياً.

حركة السفن

ووفقاً للأرقام انخفضت حركة الناقلات في مضيق باب المندب بنحو 40 % لتصل إلى نحو 30 ناقلة فقط بما فيها ناقلات النفط الخام والوقود وهو أقل بأكثر من 40 % مقابل متوسط الحركة اليومي خلال الأسابيع الماضية وفقاً لبيانات نشرتها “بلومبيرغ”.
وحسب “بلومبيرغ” تتوقع أكبر شركة شحن في العالم (إيه بي مولر- ميرسك) استمرار فوضى الشحن في منطقة البحر الأحمر لعدة أشهر قادمة. وتوقف أو تراجع عملية الشحن في مضيق باب المندب يعني بالضرورة توقفها أو تراجعها عبر قناة السويس لأن كلا الممرين مرتبطان ببعضهما البعض بشكل وثيق فباستثناء البضائع والناقلات التي تأتي من الدول بعد المضيق مثل السعودية ومصر والسودان فإن أغلب الناقلات التي تمر عبر قناة السويس تأتي من مضيق باب المندب بالتالي يعني ذلك تأثر موارد مصر من حركة النقل في قناة السويس.

تحديات مستمرة

بجانب الهجمات على السفن في منطقة البحر الأحمر، تواجه المنطقة العديد من التحديات أبرزها المخاوف الأمنية حيث شهدت منطقة البحر الأحمر تحديات أمنية مختلفة، بما في ذلك القرصنة والصراعات الإقليمية، والتي يمكن أن تعطل تدفقات الطاقة. ومضيق باب المندب معرض بشكل خاص للتهديدات الأمنية.
وتطل شواطئ البحر الأحمر على دول لديها مصالح سياسية مختلفة، فدول مثل السعودية ومصر والسودان لديها مصالح في استقرار المنطقة، ويمكن أن تؤثر التوترات الجيوسياسية على البنية التحتية للطاقة وطرق التجارة. بالإضافة للتوترات الجيوسياسية هناك مخاطر بيئية تواجه المنطقة خاصة مع تزايد الوعي العالمي بالقضايا البيئية والتهديدات الناجمة عن تسرب النفط والتلوث مما قد يكون له عواقب مدمرة على النظم البيئية البحرية وصناعة الطاقة.

تهديدات الإرهاب

إن قرب البحر الأحمر من المناطق غير المستقرة، مثل اليمن والقرن الأفريقي، يجعله عرضة لتهديدات الإرهاب والتمرد. يمكن لهذه التحديات الأمنية أن تعطل البنية التحتية للطاقة، وتمنع الاستثمار، وتعوق النقل الفعال لموارد الطاقة عبر المنطقة.
وشهدت منطقة البحر الأحمر عدم استقرار سياسي وتغييرات في الأنظمة في السنوات الأخيرة. يمكن أن يكون للتحولات في القيادة أو السياسات الحكومية آثار كبيرة على اتفاقيات الطاقة والاستثمار والأمن العام لطرق نقل الطاقة.
ومع استمرار ارتفاع الطلب العالمي على الطاقة، هناك منافسة متزايدة للوصول إلى موارد الطاقة والتحكم فيها في منطقة البحر الأحمر. يمكن أن تؤدي هذه المنافسة إلى توترات بين القوى الإقليمية والعالمية، مما قد يؤدي إلى صراعات أو نزاعات دبلوماسية.

nexus slot

garansi kekalahan 100