انفراجة في أزمة الحبوب: مبادرة قطرية تركية لتخفيف أزمة الغذاء

تتكثف المفاوضات حالياً لإنجاح مبادرة قطرية – تركية تغطي بموجبها الدوحة ثمن كميات تصل إلى مليون طن من القمح تصل، عبر أنقرة، إلى البلدان الأكثر حاجة، بموازاة مساع روسية تركية لإحياء اتفاق إسطنبول لتصدير الحبوب الأوكرانية عبر البحر الأسود.

ويتزايد التفاؤل حول احتمال التوصل إلى الاتفاق الجديد استناداً إلى عاملين أساسيين سيشكلان، على ما يبدو، جوهر الاتفاق المتوقع مع روسيا، وهما الإشراف التركي الذي يضمن وصول الصادرات إلى الدول الفقيرة، وتمويل قطري لهذه العملية، وذلك بعدما انتهى في جويلية الماضي العمل باتفاق حبوب البحر الأسود الذي كانت قد توسّطت أنقرة والأمم المتحدة في إبرامه عام 2022، نظراً لانسحاب روسيا منه.

وفي هذا الاتجاه، جاءت الأنباء التي نقلتها “رويترز” عن مصدرين تركيين، يوم الخميس، ومفادها أن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان سيناقش الاتفاق البديل المحتمل لنقل صادرات الحبوب بأمان عبر البحر الأسود مع نظيره الروسي فلاديمير بوتين، في منتجع سوتشي الروسي، يوم الاثنين المقبل.

وقبل أيام من لقاء أردوغان – بوتين، قال الكرملين، الخميس، إنه لا توجد نتائج محددة حتى الآن بشأن مقترح من موسكو لشحن الحبوب الروسية عبر تركيا إلى دول فقيرة بدعم مالي من قطر، وذلك بعدما ذكرت موسكو، يوم الأربعاء، أنها اقترحت الخطة كبديل للاتفاق السابق.

وتعليقاً على دور الدوحة في محاولة لحلحلة اتفاق الحبوب، قال الكاتب والإعلامي القطري جاسم فخرو لـ”العربي الجديد” إن قطر ومن خلال قوتها الناعمة تسعى لحل أزمة عالمية ومعضلة غذائية، باتت تواجه العديد من الدول، خاصة الدول الفقيرة منها، بسبب نقص القمح وزيادة سعر الحبوب، جراء الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك بالشراكة مع حليفتها الاستراتيجية تركيا.

وأضاف فخرو أن الدور القطري في هذا الشأن ليس مستغربا أبدا، وهو مطلوب بشدة في هذا الوقت، كما أنه يعد استثمارا اقتصاديا وماليا حميدا، سيخفف من حدة التوتر، خاصة داخل سوق الحبوب العالمي، ويساهم في إيجاد حلول لمعضلة باتت تهدد الأمن الاجتماعي والاقتصادي للعديد من الدول.

من جانبه، عرض أستاذ العلوم السياسية والعلاقات الدولية الاقتصادية، رائد المصري، آثار انسحاب الكرملين من اتفاقية تصدير الحبوب والأسمدة عن طريق البحر الأسود من أوكرانيا، والذي توسّطت فيها الأمم المتحدة وتركيا، حيث انخفضت صادرات المواد الغذائية الأوكرانية الحيوية التي غذّت 400 مليون شخص في جميع أنحاء العالم قبل الحرب الروسية على أوكرانيا، ودخلت بلدان عديدة حالة طوارئ غذائية، وبدا واضحا أن الأعمال الإنسانية مرتبطة بالمصالح العسكرية والاقتصادية والسياسية.

وقال المصري، في معرض رده على أسئلة “العربي الجديد”، إن عدم الرضا الروسي عن اتفاقية الحبوب والانسحاب منها، جاء استكمالاً لهجوم مضاد على أوكرانيا، إذ صعّدت موسكو هجماتها على البنى التحتية لميناء البحر الأسود الأوكراني والمرافق التي تستخدمها كييف لتصدير الحبوب عبر نهر الدانوب، وذلك بعد ممانعة الغرب في إعادة ربط البنك الزراعي الروسي بنظام “سويفت” العالمي الذي تم قطعه، وهذا مطلب أساسي لموسكو في الاتفاقية، حيث اعتبر بوتين أنه لم تنفَّذ أي من بنود الاتفاقية المتعلقة بمصالح روسيا، منها تصدير الأسمدة والأغذية، بعد أن ضمنت عبور السفن الأوكرانية المحملة بالحبوب بأمان، من دون وصول الحبوب والأسمدة الروسية إلى الأسواق العالمية.

وأضاف أن العالم دخل في أزمة غذائية بعد تعرُّض مساحات زراعية أوكرانية شاسعة للتلف والتدمير، وصار انخفاض إنتاج القمح الأوكراني مؤكداً، فهذه هي المرة الأولى التي تُستخدم فيها الحبوب للتأثير في التوازنات العسكرية، ما اعتبرته الأمم المتحدة أنه سيؤثر في حياة الملايين في المجتمعات الأكثر فقراً، ولهذا حذرت المنظمة الأممية من أن ملايين الأشخاص في العالم سيدفعون الثمن.

الدوحة تنجح في مبادراتها نتيجة القبول بدورها والثقة التامة التي راكمتها خلال عقود في سياساتها

وفي معرض توصيفه للدور القطري وتأثيره على هذا الاتفاق، قال المصري “قد تستفيد تركيا ومعها الدول العربية والأفريقية المتأثرة بأزمة نقص الغذاء والحبوب من علاقة دولة قطر الجيدة مع أطراف الصراع، خاصة تركيا، نتيجة موقفها الحيادي الإيجابي في هذا الصراع، والدور القطري سيمنع بلا شك دخول العالم في أزمة اضطراب غذائية جديدة في عملية تمويل صفقات الحبوب، فهي ستكون ضامنا مع تركيا لهذه العملية”.

وأضاف قائلا: “في كل مرة كانت الدوحة تنجح في مبادراتها نتيجة القبول بدورها والثقة التامة التي راكمتها خلال عقود في سياساتها، ولكي تكتمل الصورة يستلزم ذلك الدخول الأممي على خط هذا التأمين ليكتسب الشرعية القانونية والدولية”. وكانت روسيا قد رفضت، في 14 جويلية الماضي، تمديد اتفاق الحبوب، وربطت تمديده بشرط إزالة جميع العقبات أمام البنوك والمؤسسات المالية الروسية.

وفي أعقاب ذلك، ارتفعت أسعار الحبوب في الأسواق الدولية، وسط مطالبات لسلطات موسكو بعدم منع تدفق الصادرات الزراعية الأوكرانية، لتداعياتها السلبية على سلة الغذاء العالمي. ويوم الأربعاء، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زخاروفا، إن اتفاق تصدير الحبوب سيكون أحد الموضوعات المدرجة على جدول المحادثات التي ستُجرى في موسكو بين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف ونظيره التركي هاكان فيدان، يومَي الخميس والجمعة.

وكان عمر جليك، المتحدث باسم “حزب العدالة والتنمية” الحاكم الذي يتزعمه رجب طيب أردوغان، قد قال، يوم الاثنين، إن الرئيس التركي سيزور روسيا قريباً لبحث اتفاق الحبوب الذي تحاول أنقرة إقناع موسكو بالعودة إليه، علماً أنه بموجبه أرسلت موانئ أوديسا الثلاثة شحنات حبوب تُقدّر بعشرات ملايين الأطنان خلال الغزو الروسي.

وفي تصريح للصحافيين، آنذاك، توقع جليك أن تُنتج زيارة أردوغان “تطورات ربما يجري على ضوئها التوصّل إلى مراحل جديدة بخصوص اتفاق الحبوب. فيما صرّح الكرملين، يوم الجمعة الماضي، بأن هناك تفاهماً على أن يجمع أردوغان وبوتين لقاء وجهاً لوجه في وقت قريب.

وحول توقيت اللقاء، سبق ونقلت وكالة “بلومبيرغ” الأميركية عن مصدرين لم تكشف هويتيهما، أن الاجتماع قد يحصل الأسبوع المقبل، كما يُحتمل أن يكون الموعد في 8 سبتمبر/أيلول، قبل سفر أردوغان إلى الهند لحضور قمة “مجموعة العشرين” G20.

وتُعد أوكرانيا من كبار منتجي ومصدّري الحبوب على مستوى العالم، وعادة ما تشحن ملايين الأطنان من المواد الغذائية من موانئ أوديسا وميكوليف المطلة على البحر الأسود، لكنها اضطرت إلى الاعتماد على موانئ نهر الدانوب بعد انسحاب روسيا من الصفقة الشهر الماضي.

وفي هذا السياق، نقلت “رويترز” عن مسؤول كبير في وزارة الخارجية الأميركية لم تذكر اسمه، الأربعاء الفائت، أن الولايات المتحدة تعمل مع رومانيا ومولدوفا لزيادة صادرات أوكرانيا من الحبوب عبر نهر الدانوب، بينما تستكشف طرقاً بديلة للصادرات بعد انسحاب روسيا من مبادرة حبوب البحر الأسود. وقال المسؤول: “نحن نتطلع إلى دعم طرق بديلة، وأبرزها طريق الدانوب.

هذا الطريق يبقى داخل المياه الإقليمية لحلف شمال الأطلسي. لذا فهو طريق جذاب للغاية بالنسبة إلينا، لأنه يبقيه داخل ممر أكثر أمناً”، مضيفاً أنه “من المحتمل أن يجلب هذا الطريق كمية كبيرة، ومن المحتمل أن نحاول مضاعفة الكمية المتوجهة إلى هذا الطريق”، مشيرا إلى أن اجتماعا سيُعقد في الأسابيع المقبلة مع الرومانيين والمولدوفيين لمناقشة كيفية تعظيم مسار الدانوب.

ورغم انتهاء اتفاق الحبوب الشهر المنصرم، أعلنت كييف، الاثنين الماضي، أن الصادرات الزراعية الأوكرانية نحو الأسواق العالمية، خلال الموسم الحالي، بلغت حوالي 4.2 ملايين طن، وفقا لبيانات وزارة الزراعة التي أوضحت أن المقصود هو الموسم الممتد من يوليو الماضي حتى أغسطس/آب، لافتة إلى أنه جرى، منذ بداية الشهر الجاري وحتى بداية الأسبوع، تصدير 1.88 مليون طن من الحبوب.

وأوضحت أن إجمالي كمية الصادرات من الحبوب، منذ بداية هذا الموسم، توزعت على 1.9 مليون طن من الذرة، و1.8 مليون طن من القمح، و460 ألف طن من الشعير، مشيرة إلى أن إجمالي صادرات الموسم الزراعي الماضي بلغت 49 مليون طن تقريبا، متجاوزة مؤشرات الموسم السابق المقدرة بنحو 48.4 مليون طن.

nexus slot

garansi kekalahan 100