بي بي سي: الإمارات موّلت اغتيالات سياسية في اليمن، ما فاقم الصراع بين الحكومة والفصائل المتحاربة

قالت هيئة الإذاعة البريطانية “BBC“، الثلاثاء 23 جانفي 2024، إنَّ تحقيقاً أجرته توصَّل إلى أن الإمارات موَّلت عمليات اغتيال ذات دوافع سياسية في اليمن، ما أدى إلى تفاقم الصراع بين الحكومة اليمنية والفصائل المتحاربة، الذي عاد مؤخراً إلى دائرة الضوء الدولية، بعد الهجمات على السفن في البحر الأحمر.

الهيئة نقلت عن أحد كاشفي الفساد قوله لتحقيقات “بي بي سي العربية”  BBC Arabic Investigations إن التدريب على مكافحة الإرهاب الذي يقدمه المرتزقة الأمريكيون للضباط الإماراتيين في اليمن، استُخدم لتدريب السكان المحليين الذين يمكنهم العمل دون لفت الانتباه، ما أدى إلى زيادة كبيرة في الاغتيالات السياسية في اليمن.

وجدت “بي بي سي” أيضاً أنه رغم هدف المرتزقة الأمريكيين المعلن، المتمثل في القضاء على الجماعات الجهادية مثل تنظيم القاعدة والدولة الإسلامية (داعش) في جنوب اليمن، “واصلت الإمارات في الواقع تجنيد أعضاء سابقين في تنظيم القاعدة، في قوة أمنية شكّلتها على الأرض في اليمن لمحاربة الحوثيين وفصائل مسلحة أخرى”.

بينما أنكرت الحكومة الإماراتية هذه المزاعم الواردة في تحقيقاتنا- أنها اغتالت أشخاصاً لا صلة لهم بالإرهاب- قائلةً إنها “كاذبة ولا أساس لها من الصحة”.

100 عملية اغتيال في 3 سنوات

لكن موجة الاغتيالات في اليمن- أكثر من 100 عملية اغتيال في ثلاث سنوات- ليست سوى جانب واحد من صراع داخلي مرير مستمر بين عدد من القوى الدولية المتخاصمة في أفقر دولة في الشرق الأوسط.

الهيئة البريطانية قالت إن هذه الاغتيالات أعاقت العودة الدائمة للحكومة اليمنية المعترف بها دولياً. ويمكن القول إن هذا ساعد بشكل غير مباشر في تقوية شوكة الحوثيين المدعومين من إيران، الذين يتصدرون الأخبار حالياً بسبب مهاجمتهم السفن وتعطيل التجارة في البحر الأحمر. وأعلنت واشنطن مؤخراً أنها ستعيد تصنيف جماعة الحوثي “إرهابية عالمية”.

الصحفية اليمنية البريطانية، نوال المغافي، التي أجرت التحقيق قالت إنها تتابع القتال في اليمن منذ بدايته عام 2014. وأدى القتال إلى خسارة الحكومة سيطرتها على شمال اليمن، ليصبح تحت حكم الحوثيين، الذين تحسنت براعتهم القتالية وتسليحهم بمرور السنوات.

عام 2015، دعمت الولايات المتحدة والمملكة المتحدة تحالفاً أغلبه من دول عربية بقيادة السعودية- والإمارات شريكتها الرئيسية- للتدخل. فغزا التحالف اليمن بهدف إعادة الحكومة اليمنية المنفية ومحاربة الإرهاب.

بينما كُلفت الإمارات بمهمة الأمن في الجنوب، وأصبحت الحليف الرئيسي للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب في المنطقة، وكان تنظيم القاعدة ينشط  منذ فترة طويلة في الجنوب، وكان يستولي على مزيد من الأراضي.

فيما قالت نوال المغافي إنه عوضاً عن أن يحقق التحالف قدراً أكبر من الاستقرار، شهدت خلال رحلاتها الصحفية المتكررة حينذاك موجةً من الاغتيالات الغامضة، في المناطق الجنوبية التي تسيطر عليها الحكومة اليمنية، لمواطنين يمنيين لا تربطهم صلات بالجماعات الإرهابية.

كما أوضحت المغافي: “كان أغلب الذين تم اغتيالهم من أعضاء حزب التجمع اليمني للإصلاح، الفرع اليمني لجماعة الإخوان المسلمين”.

الصحفية نوال المغافي قالت إنها حصلت على مشاهد مسرّبة من تسجيلات أوّل عملية اغتيال، فكانت نقطة انطلاق للتحقيق في شأن عمليّات القتل الغامضة تلك.

تعود تلك المشاهد إلى شهر ديسمبر/كانون الأوّل 2015، اقتفيت آثار مصدرها حتى وصلت إلى شركة أمنية خاصّة أمريكيّة، تدعى Spear Operations Group (مجموعة عمليات سبير).

اعترافات متورطين بالاغتيالات في اليمن

بينما تمكَّنت من الوصول إلى أحد الأشخاص الذين كانوا خلف العمليّة المصوّرة في تلك المشاهد، التقيته في أحد مطاعم لندن عام ألفين وعشرين.

كان “إسحاق Isaac جيلمور”، وهو عنصر سابق في وحدة غطّاسي البحرية (الأمريكيّة)، قد أصبح الرجل الثاني في مجموعة Spear Operations، وهو من بين العناصر الأمريكيّين الذين يقولون إنهم وظِّفوا لتنفيذ عملية الاغتيال بتكليف إماراتي.

رفض إسحاق التحدّث عن أيٍّ من الأفراد الذين وردت أسماؤهم على لائحة تصفيات مجموعة Spear، التي وضعتها الإمارات، باستثناء “أنصاف مايو”، النائب اليمنيّ الذي كان زعيم حركة “الإصلاح” في عدن، المدينة الجنوبيّة التي كانت العاصمة المؤقتة للحكومة منذ 2015.

عندما واجهت نوال المغافي غيلمور بحقيقة أن “الإصلاح” لم تكن مدرجة ضمن التصنيف الأمريكي للتنظيمات الإرهابية، قال: “مؤسف أن تكون طبيعة النزاعات الحديثة مُبهمة”، وأضاف: “نرى ذلك في اليمن، حيث من يُعتبر قياديّاً مدنيّاً أو رجل دين عند البعض، يكون قياديّاً إرهابيّاً عند البعض الآخر”.

الحوثيون في اليمن/ رويترز
الحوثيون في اليمن/ رويترز

أضافت: “أخبرني السيّد غيلمور وموظّف آخر لدى مجموعة Spear في اليمن في تلك الفترة، يدعى دايل كومستك، أن المهمّة التي نفّذاها انتهت سنة 2016”. إلا أن الاغتيالات في جنوب اليمن لم تتوقّف، بل بالأحرى ارتفعت وتيرتها وفقاً لمحقّقي منظمة Reprieve في مجال حقوق الإنسان.

نظر أولئك المحقّقون في 160 عملية اغتيال نُفِّذت في اليمن بين عامَي 2015 و2018، ووجدوا أن غالبيّتها وقعت بعد 2016.

قال هؤلاء إن أكثرها حدث في 2016، ما عدا 23 عمليّة من أصل الـ160 استهدفت أشخاصاً على صلة بالإرهاب. وقد نُفِّذت جميعها تبعاً للتكتيك ذاته الذي تتبعه “سبير”، بتفجير عبوة ناسفة بهدف صرف الانتباه، يتبعه قتل الهدف بإطلاق النار.

آخر عملية اغتيال سياسي في اليمن، بحسب المحامية عن حقوق الإنسان هدى الصراري، وقعت الشهر الماضي، استهدفت إمامَ مسجد في لحج بالأسلوب ذاته.

غيلمور وكومستك مع اثنين آخرين من المرتزقة لدى Spear، طلبا عدم ذكر اسميهما، قالوا إن المجموعة ضالعة في تدريب عناصر أمنية من الإماراتيّين في قاعدة عسكريّة إماراتيّة في جنوب اليمن. كما ذكر صحفيّ طلب عدم الكشف عن اسمه أنّه عاين مشاهد صوّرت لتلك التدريبات.

بينما رفض عناصر المرتزقة التابعة لمجموعة Spear الخوض في تفاصيل العمليّة، غير أن مسؤولاً عسكريّاً يمنيّاً من عدن، عمِل مباشرةً مع الإمارات، زوّدني بتفاصيل إضافيّة.

عندما انكشفت أدوار المرتزقة وأصبحت أكثر وضوحاً في عدن، وأصبحوا بالتالي في وضع مكشوف وخَطِر، أُدخِلت تعديل على المهمّة التي تحوّلت إلى التدريب. كذلك عمد الضبّاط الإماراتيّون “بدورهم إلى تدريب اليمنيين من أجل أن يتولّوا هم تنفيذ الاغتيالات”، وفقاً لما كشفه لي المسؤول العسكري اليمني.

مصادر يمنية تؤكد ما حدث

خلال التحقيق الاستقصائي تحدّثت الصحفية اليمنية البريطانية إلى عدد آخر من المصادر اليمنيّة الذين أجمعوا على تأييد ما سلف.

من بين هؤلاء شخصان قالا إنهما نفّذا اغتيالات لأشخاص لم تكن لهم صلة بالإرهاب، بعد تلقّيهما تدريبات على أيدي جنود إماراتيّين، ورجل آخر قال إنّه وعد بالإفراج عنه من أحد السجون الإماراتية مقابل اغتياله شخصية سياسية يمنية رفيعة المستوى، وهي مهمّة لم يقبل بتنفيذها.

هكذا أضحى من العسير ربط الاغتيالات بالإمارات العربية المتحدة، وذلك بسبب قيام يمنيّين بتنفيذ الاغتيالات.

بحلول عام 2017، أسهمت دولة الإمارات العربية المتحدة في بناء ميليشيا مسلحة، تحت مسمّى “المجلس الانتقالي الجنوبي”، كانت تعمل على تنظيم شبكة من المجموعات المسلّحة في جنوب اليمن.

كانت تلك القوّة تعمل بصورة مستقلّة عن الحكومة اليمنيّة، ولا تتلقّى الأوامر إلا من الإمارات. لم يكن تدريب تلك العناصر مقتصراً على القتال في الجبهات الأماميّة. واحدة من تلك الوحدات على وجه الخصوص، قوة النخبة لمكافحة الإرهاب، دُرّبت على الاغتيالات كما أخبرنا المبلِّغ.

أرسل المبلِّغ وثيقةً تتضمّن 11 اسماً لعناصر سابقين في تنظيم القاعدة، يعملون حاليّاً لصالح وحدة النخبة في المجلس الانتقالي الجنوبي، وقد تحقّقنا بأنفسنا من بعض تلك الأسماء.

تقول الصحفية: “خلال تحقيقاتنا وقَّعنا على اسم ناصر الشّيبا، الذي كان مسؤولاً عمليّاتيّاً رفيع المستوى في القاعدة، كان مسجوناً بتهم إرهاب ثمّ أفرج عنه”.

كما أضافت: “تحدّثنا إلى وزير يمني قال لنا إن الشيبا كان ضمن المتّهمين المعروفين في الهجوم على البارجة الأمريكية USS Cole، الذي أدّى في شهر أكتوبر/تشرين الأوّل 2000، إلى مقتل 17 من مشاة البحريّة الأمريكيين. كما أكّدت لنا مصادر متعدّدة أن الشيبا أصبح قائداً في ميليشيات المجلس الانتقالي الجنوبي.

المحامية هدى الصراري كانت تحقّق في تعدّيات على حقوق الإنسان ارتكبتها في الميدان قوات مدعومة من الإمارات. ونتيجة عملها كانت تتلقّى تهديدات بالقتل، إلّا أن ابنَها محسن، البالغ من العمر 18 عاماً دفع حياته ثمناً.

فقد قُتِل بإطلاق نار في صدره، في شهر مارس/آذار 2019، بينما كان متوجّهاً إلى محطة وقود في المنطقة، وفارق الحياة بعدها بشهر واحد. بعد عودة هدى إلى مزاولة العمل في أعقاب مقتل ولدها، تلقّت بدورها رسائل تتضمّن تحذيراً بضرورة التراجع. وقد جاء في واحدة من تلك الرسائل “ألم يكن موتُ ولدٍ واحد كافياً؟ هل تريديننا أن نقتل الثاني؟”

وجدت تحقيقات إضافيّة قام بها المدّعي العام في عدن أنّ محسن قُتِل على يد أحد عناصر وحدة النخبة لمكافحة الإرهاب التي تشرف عليها الإمارات، ولكن السلطات لم تستكمل إجراءات الملاحقة قضائيّاً.

كما أخبر عدد من موظّفي مكتب المدّعي- ممن لا يمكننا تسميتهم حفاظاً على سلامتهم- أن الاغتيالات التي انتشرت على نطاق واسع خلقت جوّاً من الذعر أدّى إلى شعورهم بالخوف من المضي في طلب العدالة في القضايا التي تتعلّق بالقوات المدعومة من الإمارات.

تسلّمت منظمة Reprieve (لحقوق الإنسان) وثيقة مسرّبة من الإمارات تبيّن أن مجموعة Spear ظلت تتلقى دفعات مالية في عام 2020، ولكن من دون تحديد الصفة التي بموجبها تلقت تلك الأموال.

عندما سئل مؤسس Spear، آبراهام غولان، ما إذا كان المرتزقة التابعون له مِن الذين درَّبوا إماراتيين على تقنيات الاغتيال، ولكننا لم نتلقَّ إجابة حتى الآن.

الإمارات تنفي تورطها

بعد تقديم الاتهامات التي توصل إليها التحقيق الاستقصائي إلى حكومة دولة الإمارات العربيّة المتحدة، كان ردها أن تلك الادعاءات غير صحيحة، وأنها لم تستهدفْ أفراداً لا علاقة لهم بالإرهاب، بالإضافة إلى أنها كانت تدعم عمليات مكافحة الإرهاب في اليمن بطلب من الحكومة اليمنية وحلفائها الدوليّين.

كما قالت “إن الإمارات تصرفت بموجب القوانين الدوليّة خلال تلك العمليّات”.

فيما طلبت الصحفية نوال المغافي من وزارة الدفاع ووزارة الخارجيّة الأمريكيّة التحدّث بشأن مجموعة Spear العمليّاتيّة، ولكنّهما رفضتا التعليق. كما أعلنت وكالة الاستخبارات الحكومية الأمريكيّة في بيان لها: “أن فكرة إقرار السي آي أيه عمليّة من هذا النوع غير صحيحة”.

nexus slot

garansi kekalahan 100