جار الله الزمخشري.. مؤلف “الكشاف” وإمام اللغة وآخر فحول المعتزلة

إذا لم يكن لأهل تركمانستان من عظيم الفضل في تاريخ الإسلام والمسلمين، سوى عظيم المزية بانتماء الإمام جار الله محمود بن عمر الزمخشري إليهم، لكانت لهم اليد العليا في تاريخ المعارف العقدية والتفسير البياني.

فقد أخذ الزمخشري الدرجة العالية من تلك المعارف، وانتهت إليه رئاسة البيان القرآني، وإمامة فقه اللغة، وانتشر صيته في أصقاع بلاد الإسلام، ولم يزل كذلك إلى اليوم علما سائرا، وومضة إبداع إسلامية، ونسيج وحدة في إقامة منهج تأويلي لغوي سامي المقام في تاريخ الإبداع والبلاغة.

زمخشر.. مسقط رأس إمام البيان العربي

تنسم أبو القاسم محمود بن عمر بن محمد بن عمر الزمخشري، نفحات الحياة أول في مرة في زمخشر في 27 من رجب سنة 467 الهجرية، وفي مدينته -وكذا في خوارزم- درس على علماء أجلاء، فقد كانت تلك البلاد مثوى جناح غير مهيض من العلم، ومنطلق إشعاع غير خافت من المؤلفات السائرة والمكتبات العامرة.

وتبدو هذه السلسة النسبية أقرب أسمائه إلى الصحة، وبها وقع في إجازته لبعض تلاميذه، وفق ما يؤكده بعض الذين تناولوا جوانب من موسوعية الرجل بالدراسة والتنقيح.

الزمخشري وهو يحمل كتابه (تفسير الكشاف) في مناظرة مع خصومه

وقد نقل الرجل قريته من هامش التاريخ إلى ذروة الشهرة، فلم تكن قرية ذات بال، بل كانت قرية صغيرة من أعمال خوارزم التي نسب إليها الزمخشريَّ بعضُ من ترجم له، مثل الذهبي في كتابه “العبر في خبر من غبر”، وكذا الإمام الزبيدي في كتابه “تاج العروس”.

ويذكر الزمخشري في رسالة له كتبها إلى العلامة المحدث أبي طاهر السلفي: “أما المولد فقرية مجهولة تسمى زمخشر، وقد سمعت عند أبي أن أعرابيا مر بها فسأل عن اسمها فقيل له زمخشر، فسأل عن كبيرها (أي رئيسها)، فقيل له اسمه الرداد، فقال لا خير لا في شر ورد، ومضى لم يجتز بها”. ويعكس هذا -على بساطته وطرافته- جانبا من شخصية الرجل الذي لم يعتز بغير علمه وقوة عارضته وإباء نفسه.

“يا حسرتي أنني لم أُروِ غُلته”.. بكاء على الأب العالم رهين المحبس

والراجح من أحاديث المؤرخين أن الزمخشري كان فارسيا، وكانت أسرته من غمار الناس لم يشتهر منها ذو نباهة في المكانة قبل الزمخشري، سوى ما كان من شأن والده الذي وُصف بأنه كان صواما قواما صاحب فضل، ممتقع اللون من خشية الله.

وقد ألقى مؤيد الملك أبو بكر بن نظام الملك الطوسي بوالد الزمخشري في السجن سنين عدة، ولم ينفع استشفاع الرجل في والده، ولا ما مدح به هذا الكافي في أن يرقّ للرجل السجين، على نحو ما نسمع في إحدى تلك الاستعطافيات:

أَكفى الكُفاة مُؤيدَ المُلكِ الذي
خضعَ الزمانُ لِعزِّهِ وجلالِهِ

ارحَم أبي لِشبابِه ولفضلِهِ
وارحمه لِلضعفاء من أطفالِهِ

ارحم أسيرًا لو رَآهُ من العِدَى
أقساهُمُ قلبًا لَـرَقَّ لِحالِهِ

الزمخشري يستشفع لوالده الذي وضعه الملك أبو بكر بن نظام الملك الطوسي في السجن

غير أن قسوة الحاكم كانت سورا أمام البكائيات التي قرعت سمع التاريخ وشغاف الأيام، فيقضي الرجل حسيرا أسيرا في السجن، ويأتي الخبر إلى جار الله وهو في حال من الغربة في طلب العلم، فيجتمع عليه أسى الفراقين، ومضاضة المصيبة، فتراه يرسم بريشة الأسى مشاعر الرثاء لوالده قتيل المحبس.

يا حَسرَتي أنَّني لم أُروِ غُــلَّـــتَــهُ
وغُـلَّـتي بـزَمـانٍ فيهِ نَجــتَــمِـعُ

قد كنتُ أَشكو فِراقًا قَبلُ مُنقَطِعًا
وكيفَ لي بَعدَهُ بالعَيشِ مُنتَفَعُ

أم الزمخشري.. امرأة صالحة تبتر رجل ابنها غضبا للعصفور

يذكر الزمخشري عن أمه أنها كانت امرأة صالحة تقية رحيمة، ومن أشهر ما خلد التاريخ عنها أنها غضبت عليه يوما، لأنه نزع رِجل عصفور كان يلعب به، فدعت عليه بمثل ذلك، واستجيب دعاء الأم بعد ذلك بسنين، فسقط جار الله عن دابته، وانكسرت ساقه، وأنهكه المرض حتى قطعت رجله، فكان يرى أن ذلك بسبب دعوة أمه الحنون وهي في حال غضب.

ويروى عنه -تفصيلا في تلك القصة- أنه لما دخل بغداد واجتمع بالفقيه الحنفي الدامغاني سأله عن سبب قطع رجله فقال: دعاء الوالدة، وذلك أني في صباي أمسكتُ عصفورا وربطته بخيط في رجله، وأفلت من يدي، فأدركتُه وقد دخل في خرق، فجذبته فانقطعت رجله في الخيط، فتألمت والدتي لذلك، وقالت: قطع الله رجل الأبعد كما قطعتَ رجله، فلما وصلت إلى سن الطلب رحلت إلى بخارى لطلب العلم، فسقطت عن الدابة فانكسرت رجلي، وعملت عليّ عملا أوجب قطعها.

حين كان صبيا، كان الزمخشري يلعب مع عصفور وقد شد رجله فقطعها، فغضبت أمه ودعت عليه بقطع رجله

وقد نهل الرجل من معارف عصره بعقل ذكي وهمة طماحة، فأخذ عن عدد من أهل العلم منهم على سبيل المثال والده عمر، وأبو مضر محمود بن جرير الضبي الأصبهاني الشهير بفريد العصور، والموصوف بأنه كان الغاية في معرفة اللغة والأدب والبيان.

ومنهم أيضا الشيخ أبو الحسن علي بن المظفّر النيسابوري، وأبو منصور الجواليقي، وغير هؤلاء كثر، فقد كان الرجال جوالة في طلب العلم، باحثا عن درره وأصدافه.

الزمخشري بين زمنين.. من عنفوان الفتوة إلى دوحة الزهد

يظهر من حياة الزمخشري أنه عاش مرحلتين متباينتين، أولاهما وهو شاب حدث ذو همة وطموح لأن ينال مرتبة سياسية عند أصحاب الملك والنفوذ، فكان يتردد على الوزير نظام الملك وغيره من الأكابر مادحا، مستمطرا عطاياهم، دون أن يلقوا بالا لهذا الفتى الفارسي المتوهج الإبداع، الوقاد القريحة، فتراه مرة يخاطب نظام الملك متعرضا لنفحاته:

فمن مُخبِرٌ عني الوَزيرَ بأنَّني
كَفيلٌ بِغادٍ من ثَناهُ ورَائِحِ

فلَيتَ رِحالِي أُلقِيَتْ بفِنائِهِ
فأَرتَعَ من نَعمائِهِ غيرَ نازِحِ

ويَقدَحَ زندًا وارِيًا من مَناقِبي
إذا صَلَدَت كلُّ الزِّنادِ لِقادِحِ

بسبب دعوة أمه، سقط الزمخشري عن دابته أثناء هجرته من بلده، وقطعت رجله

ويبدو أن قوادح قريحة الرجل واجهت صلدا من جفاء السلطان، وتنكب طريق الغنى التي سعى إليها، فتراه في أبيات أخرى شاكيا من الدهر متبرما بفقر أهل الفضل وثراء الجهال، متمنيا لو استبدل بعلمه الغنى.

فَيا ليتَني أصبحتُ مُستَغْنِيا ولَم
أَكُن في خَوَارزمٍ رَئِيسَ الأَفَاضِلِ

ويا ليتَني مُرْضٍ صديقِي ومسخِطٌ
عَدُوِّي وأنّي في فَهاهَةِ بَاقِلِ

فلستُ بفَضلي بالِغًا ولَو اَنَّني

ولم يزل بين تمنٍّ وأسف، وأمل وألم، حتى ألمَّ به مرض مبرح أقعده فترة طويلة، فعاهد لله إن شفاه أن لا يطأ باب سلطان، وأن لا يستميح غير فضل الله، فأبَلَّ من سقمه ونهض من علته، فتوجه سيرة أخرى، ورمم ثغرات مطامحه بتوكل لا يلين لغير الله، وقناعة لا يرف لها جفن إلى مطمح دنيوي.

“أضللتَ حِلمكَ في أوديةِ الهوَى”.. حقبة التنسك والتأليف

لزم الزمخشري بيته أربع سنين، منكبّا على الدرس والتأليف، فصاغ في تلك السنوات بعض أهم مؤلفاته وأكثرها شيوعا، وقد ساعده في عزلته العلمية نفورُه من النساء، واختياره حياة العزوبية الدائمة، فكان في استغلال دائم لفسحة وقته التي لا تشغلها صاحبة ولا ولد، ولا تجارة ولا سعي إلا في تنقيح العلوم وتهذيب الفهوم، حتى صفت نفسه بعد أكدارها، وانقطعت في غير العلم آماله ومطامعه، ونهض عزمه إلى التنسك.

فينادي نفسه ناصحا وواعظا في إحدى مقاماته: أبعدَ ما عطّلتَ شبيبتكَ في التغزلِ والتشبيب، وذهبتَ بصفوةِ عُمرك في صفةِ الحبِّ والحبيب، وأضللتَ حِلمكَ في أوديةِ الهوَى، وعكفتَ همّكَ على أبرقِ الحِمى وسقطِ اللّوى، واتخذتَ بقَرَ الجواءِ بلاءكَ وفتنتك، ووهبتَ لظباءِ وجرَةَ ذكاءكَ وفِطنتك، تريدُ ويحكَ أن تُصرَّ على ما فعلت، وأن تشيّع النارَ التي أشعلت، مهلا مهلا، فلستَ لذلكَ أهلا، وعليكَ بالخُروقِ الواهيةِ متنوقّا في رفوِها، وبالكلومِ الداميةِ متنطّسا في أسوها، أنِبْ إلى اللّه لعلَّ الإنابةَ تمحّص، وافزَعْ إلى اللّه لعلَّ الفزعَ يخلّص، وما أكادُ أظن لِسعةِ آثامكَ إلا أنَّ عفوَ اللّه أوسع، ولا أكادُ أشك نظرا في كرمهِ الشاملِ إلا أنّي معَ ذلك أفزع.

الزمخشري وهو سهران تحت مصباحة يكتب الكتب ويؤلف الرسائل

كسر الورع سَوْرة نفس الزمخشري، فلا تحس لديه بأثر لتقريظ العلماء ومديح الشعراء، إذ يقول عنه: ولا يغرنّكم قول فلان وفلان فيَّ (وعدّد قوما من الشعراء والأدباء)؛ فإن ذلك اغترار منهم بالظاهر المموّه، وجهل بالباطن المشوَّه.

ومع ذلك، فإن ذلك التواضع الجم، كانت تظهر معه من حين لآخر ملامحُ اعتداده بعزة نفس ووفور علم، مثل قوله:

سَهَرِي لتنقيحِ العُلُومِ ألَذُّ لِي
من وَصلِ غَانِيةٍ وطولِ عِناقِ

وتمايُلِي طَربًا لِحلِّ عَوِيصَةٍ
أشْهَى وأحلى من مُدامَةِ سَاقِ

وصَرِيرُ أَقلامي عَلى أَورَاقِها
أَحْلَى من الدُّوكاءِ والعُشَّاقِ

وأَلذُّ من نَقْرِ الفَتاةِ لِدُفِّها
نَقْرِي لِأُلقِي الرَّملَ عن أَوراقي

أَأَبِيتُ سَهرانَ الدُّجَى وتَبِيتُهُ
نَومًا، وتَبغِي بَعدَ ذَاكَ لَحَاقي؟

“هذا أبو القاسم المعتزلي”.. آخر فحول مدرسة الاعتزال

لا يمكن الحديث عن المعتزلة دون ذكر الإمام الزمخشري، ولا عن الزمخشري دون الوقوف عند نحلته الاعتزالية، فقد كان معتدا بهذا المذهب، حتى كان إذا استأذن على قوم قال: هذا أبو القاسم المعتزلي.

وقد أخذ الرجل نصيبه من الاعتزال ضمن حالة عامة سادت بلاده، فقد كانت خوارزم بشكل عام معقل الاعتزال والمذاهب العقلية الكلامية، وكانت المناظرةُ فيها دائمةً بين شيوخ هذا المذهب، تأصيلا لقواعده وتفريعا لمسائله.

ويذهب العالم المؤرخ أحمد أمين إلى أن الزمخشري كان خاتمة عصر الاعتزال حين يقول: وعلى الجملة، فقد كاد يكون الزمخشري آخر فحل من الفحول الذين دافعوا عن الاعتزال، فلم يأت بعده من يسابقه، أو يجاريه.

وقد ظهرت نحلة الاعتزال في كتبه بقوة، وخصوصا تفسيره الكبير “الكشاف عن حقائق غوامض التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل”. وإذا كان الرجل قد أسدى إلى البيان القرآني والمعارف اللغوية خدمة لم ينسب مثلها إلى من قبله أو بعده من المفسرين، فإنه بنى منهجه في التفسير على الأصول الكبرى للاعتزال مثل: التوحيد، والعدل، والوعد والوعيد، والمنزلة بين المنزلتين.

“الكشاف”.. قيمة علمية ضخمة تنصر مذهب الاعتزال

امتاز تفسير “الكشاف” بخلوه من الحشو والتطويل، وذلك بابتعاده عن القصص والإسرائيليات، وكذا بقوة مصادره اللغوية، من حيث اعتماده على اللغة العالية، وتفريعه للبلاغة القرآنية، وإظهاره جماليات النظم القرآني، كما امتاز أيضا بطريقته الاستقرائية الاستفهامية، حيث كان يقدم المسائل على طريقة السؤال والجواب.

ويتحدث الشيخ محمد حسين الذهبي في كتابه “التفسير والمفسرون” عن “الكشاف” قائلا: قيمة علمية فريدة لم يسبق مؤلفه إليه، لما أبان فيه عن وجوه الإعجاز في غير ما آية من القرآن، ولما أظهر فيه من جمال النظم القرآني وبلاغته، وليس مثل الزمخشرى من يستطيع أن يكشف لنا عن جمال القرآن وسحر لغته، لما برع فيه من المعرفة بكثير من العلوم، لا سيما لغة العرب وأشعارهم، والإحاطة بعلوم البلاغة والبيان والإعراب والأدب، ولقد أضفى هذا النبوغ العلمي والأدبي على تفسير “الكشاف” ثوبا جميلا لفت إليه أنظار العلماء.

كتاب تفسير “الكشاف عن حقائق التنزيل وعيون الأقاويل في وجوه التأويل” للزمخشري

وأغلب ما أخذ الناس على “الكشاف” هو منهجه الاعتزالي، وتعسف الرجل -كما يرى بعض علماء السنة- في تفسير الآيات القرآنية وفق هذا المنهج، ومحاولة تطويع النص القرآني الكريم لها، بدل أن يكون قائدا لها ومهيمنا وسائقا للتفسير، لا مسوقا لإثبات وإقرار المنهج المعتزلي، دون أن يغفل النكير على مدرسة أهل السنة فيما ينتقده عليها من تعطيل للعقل.

ففي تفسير قوله تعالى ﴿إن الله لَا يَغْفِرُ أَن يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَٰلِكَ لِمَن يَشَاءُ﴾ (النساء: ٤٨)، يقول: إنها لو لم تقيد بالتوبة، لزم إغراء الله تعالى العبد بالمعصية، والإغراء بذلك قبيح يستحيل على الله، معرّضا بمذهب أهل السنة الذين أجازوا أن يغفر الذنب من غير توبة مقترفة.

تصانيف السنة.. ردود على رجل لا يعبأ بموازين النقد

تصدى لتفسير الزمخشري “الكشاف” من علماء المدرسة السنية عدد من الكبار، مبينين ما يرونه من خلل أو تعسف أو ميل معتزلي في هذا التفسير الحافل، ومن أشهر أولئك ابن المنير الإسكندري في كتابه “الانتصاف فيما تضمنه الكشاف من الاعتزال”، وابن حجر العسقلاني في كتابه “الكافِي الشافِ في تخريج أحاديث الكشافِ”.

وبين هذه الآراء المختلفة كان الزمخشري راضيا تمام الرضى عن تفسيره، وإليه ينسب البيتان السائران:

إنَّ التفاسيرَ في الدُّنيا بِلا عَدَدٍ
وليسَ فيها لَعَمري مِثل كَشَّافي

إن كنتَ تَبغِي الهُدَى فالزَمْ قِرَاءتَهُ
فالجهلُ كالداءِ والكَشَّافُ كالشَّافِي

وليس “الكشاف” آخر كتب الزمخشري وإن كان أشهرها، فقد ترك كتبا أخرى من أشهرها:

“المفصل في صنعة الإعراب”. “الأنموذج”. “المفرد والمؤلف”. “أساس البلاغة”. “مقامات الزمخشري”. وهي في النثر الفني.. إلخ.

جار الله الزمخشري.. ضيف الحرم المهاجر إلى مكة

يذهب بعض الباحثين إلى أن جار الله الزمخشري أخذ هذا اللقب من إقامته في مكة المكرمة، فقد أقام سنين عددا مجاورا للحرم، حينما حرقت قلبه لواعج الأشواق إلى البيت الحرام، وسجلها في رائيته الذائعة، وعن ذلك يقول:

الزمخشري وهو معتكف آخر حياته في في المسجد الحرام

يا مَن يُسافِرُ في البِلادِ مُنَقِّبا
إنِّي إلى البَلَدِ الحرامِ مُسافِرُ

إن هاجَرَ الإنسانُ عَن أَوطانِهِ
فالله أَوْلى ما إِليهِ يُهاجِرُ

سَأروحُ بينَ وُفُودِ مَكَّةَ وَافِدًا
حتى إذا صَدَرُوا فَما أَنا صَادِرُ

بِفِناءِ بَيتِ اللهِ أَضرِبُ قُبَّتي
حَتَّى يُحِلَّ بِيَ الضَّريحَ القَابِرُ

وقد استمرت إقامته الأولى في مكة خمس سنين بين 516-521هـ، قبل أن يستفزه لاعج الشوق إلى بلاده، فيقيم فيها خمس سنوات أخرى انتهت بعودة ثانية إلى مكة المكرمة سبع سنين، ثم عاد بعدها مجددا إلى بلاده سنة 532 هـ، ولم يزل بها حتى انتقل إلى الفريق الأعلى بعد خمس سنين أخرى سنة 538 هجرية، وقد أوصى أن يكتب على قبره:

إلهي لقد أصبحتُ ضَيفَكَ في الثَّرَى
ولِلضَّيْفِ حَقٌّ عِندَ كُل كَريمِ

فَهَب لي ذُنوبي في قِرَايَ فَإِنَّها
عِظامٌ، ولا يُقرَى بغير عَظِيمِ

وإذ لم تتحقق للرجل منيته بأن يدفن في مكة، فقد تحققت له شهرة عبرت الآفاق، وتاريخ ضارب في كبد الزمان، يجمع خصومه وأنصاره على أنه كان فيه الرأس الأعلى بين علماء التفسير البياني، وأحد أهم العقول اللسانية في تاريخ المسلمين. 

 

nexus slot

garansi kekalahan 100