هذا المقال بقلم البروفيسور جيفري ساكس من جامعة كولومبيا وسيبيل فارس مستشارته لشؤون الشرق الأوسط، والآراء الواردة أدناه تعبر عن وجهة نظر الكاتبين ولا تعكس بالضرورة وجهة نظر شبكة CNN.

إن التنمر على رئيسات الجامعات الأمريكية وطلابها من قبل الكونغرس والمانحين يهدد بتدمير ركيزة أساسية للديمقراطية الأمريكية: حرية التعبير السياسية. أشعلت الحرب في غزة التوترات في الولايات المتحدة وحول العالم. ولكن بدلا من تشجيع المناظرات العامة والجدال التاريخي لفهم الوقائع والبحث عن السلام، يهدف السياسيون والمانحون إلى إسكات المعارضة العامة لسياسات حكومة إسرائيل.

أحدث ضحية للتنمر هي جامعة بنسلفانيا، حيث تم حث رئيسة الجامعة ورئيس مجلس الأمناء على الاستقالة بعد هجمات عضوة الكونغرس إليز ستيفانك من ولاية نيويورك. أدى تلاعب ستيفانك بالمصطلحات والمعاني إلى خضوع إحدى أهم الجامعات الأمريكية.

إن تأكيد ستيفانك الذي لا أساس له هو أن الجامعات لا تتخذ إجراءات صارمة ضد الطلاب الذين يدعون إلى الإبادة الجماعية ضد اليهود. التهمة وهمية. الاحتجاجات الطلابية لا تدعو إلى الإبادة الجماعية، بل إلى الحقوق السياسية الفلسطينية. كشفت وكالة “أسوشيتد برس” الادعاءات الكاذبة على وسائل التواصل الاجتماعي بأن المتظاهرين المؤيدين للفلسطينيين يدعون إلى الإبادة الجماعية لليهود. إذ تبين أن العكس تماماً قد حصل، فكان المتظاهرون يتهمون إسرائيل بالإبادة الجماعية في غزة، وهو توصيف قانوني يدعمه مركز الحقوق الدستورية. (قد تكون هناك حالات لأفراد يدعون إلى الإبادة الجماعية، لكن لم يقدم أحد حتى الآن حتى حالة واحدة موثقة تفيد بأن هذا ينطبق على احتجاجات الحرم الجامعي، ناهيك عن أنه يشكل نمطا واسع الانتشار).

خلال شهادة ثلاثة رؤساء جامعات أمام لجنة التعليم والقوى العاملة في مجلس النواب الأمريكي، شوهت وحرفت ستيفانك معنى المصطلحات المستخدمة لدعم قضيتها الزائفة. عند استجواب رئيسة جامعة هارفارد كلودين غاي، سألت ستيفانك: “هل سيتم إلغاء عروض القبول، أو اتخاذ أي إجراء تأديبي ضد الطلاب أو المتقدمين الذين يقولون (من النهر إلى البحر) أو (الانتفاضة) التي تدعو إلى قتل اليهود؟”.

اتهام ستيفانك بأن هذه المصطلحات تعني “الدعوة إلى قتل اليهود” لا أساس له من الصحة. العبارتان تتعلقان بالسياسة وليس القتل.

إن عبارة “من النهر إلى البحر” تدور حول من يحكم المنطقة من نهر الأردن إلى البحر الأبيض المتوسط. يتم استخدام التعبير والعبارات ذات الصلة من قبل بعض الإسرائيليين الذين يرفضون قيام دولة فلسطين ومن قبل بعض الفلسطينيين الذين يرفضون دولة إسرائيل.

أعلن بيان عام 1977 لحزب الليكود اليميني الإسرائيلي، أي حزب رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو، أنه “بين البحر والأردن لن تكون هناك سوى السيادة الإسرائيلية”. في عام 2014، صرح وزير الزراعة الإسرائيلي بأن “بين نهر الأردن والبحر الأبيض المتوسط ستكون هناك دولة واحدة فقط، وهي إسرائيل”. ألقى وزير المالية الإسرائيلي بتسلئيل سموتريتش مؤخرا خطابا مع خرائط تظهر إسرائيل الكبرى بما في ذلك الضفة الغربية وغزة وأجزاء من سوريا والأردن، أي إسرائيل الكبرى من النهر إلى البحر.

وهكذا، فإن الإسرائيليين والفلسطينيين على حد سواء يستحضرون هذا المفهوم. إذ إنه في حد ذاته مفهوم سياسي، وليس دعوة للقتل، بل مطالبة بالسيادة السياسية. ويمكن أن يتخذ نية قاتلة في بعض السياقات أو من قبل بعض المتفوهين، على سبيل المثال إذا استخدم يميني إسرائيلي العبارة لتبرير الدمار الشامل وإخلاء السكان في غزة.

في شهادتهن، تحدث رئيسات الجامعات الثلاثة عن سياق اللغة، والأكثر أهمية لأن منطلق الاستجواب – أن الطلاب المتظاهرين يدعون إلى إبادة جماعية لليهود – خاطئ. الرد بأن السياق مهم للنظر في القضية حجة حذقة لا تنطلي على أمثال ستيفانك، التي تستخدم لغة التنمر، وليس لغة الحقيقة أو الحوار الصادق.

وبما أن السياق مهم، فها هو السياق الحقيقي لاحتجاجات الحرم الجامعي. يحتج الطلاب على الوضع السياسي الراهن الذي قتلت فيه إسرائيل بالفعل أكثر من 18 ألفا من سكان غزة، 70% منهم من النساء والأطفال، باستخدام الذخائر الأمريكية؛ ودمرت المنازل والمستشفيات والمدارس، وشردت ما يقارب مليوني من سكان غزة؛ وحرمت أكثر من مليوني من سكان غزة من الغذاء والمياه الصالحة للشرب والرعاية الصحية وغيرها من الاحتياجات الأساسية. يحتج الطلاب على الوضع السياسي الراهن الذي تحكم فيه إسرائيل بالفعل من النهر إلى البحر، تستحضر هذا المفهوم بالذات في الدعوة إلى إسرائيل الكبرى. ويرفض الطلاب انتهاكات إسرائيل المتكررة لقرارات مجلس الأمن الدولي، بما في ذلك القرار الذي أعلن أن المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية “بلا شرعية قانونية” وتشكل “انتهاكا صارخا” للقانون الدولي. مرة أخرى، قد تكون هناك حالات فردية وشاذة تدعو إلى الكراهية، لكن احتجاجات الحرم الجامعي التي نشهدها تدور حول السياسة.

ففي الدعوة إلى الانتفاضة، يدعو الطلاب إلى التغيير السياسي، وليس القتل. كلمة انتفاضة تعني “مقاومة”. جذور المصطلح كلمة “نفض “، والتي تعني التخلص من القمع. على مدى عقود، كانت الدعوة إلى الانتفاضة دعوة إلى تقرير المصير والاستقلال للفلسطينيين، وهي متوافقة تماما مع حل الدولة الواحدة أو حل الدولتين.

قدم توماس جيفرسون قضية الانتفاضة الأمريكية في إعلان الاستقلال، أي التخلص من الحكم البريطاني. عندما يطالب الفلسطينيون بإنهاء الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين، فإنهم يتبعون جيفرسون الذي قال إنه “يتم تأسيس الحكومات بين الرجال، وتستمد سلطاتها العادلة من موافقة المحكومين، كلما أصبح أي شكل من أشكال الحكم مدمرا لهذه الغايات، فمن حق الشعب تغيير أو إلغاء هذا الحكم، وإقامة حكومة جديدة، ووضع أساسها على هذه المبادئ وتنظيم سلطاتها بغاية تأمين سلامتهم وسعادتهم”.

وبينما تحاول ستيفانك سحق حرية التعبير والاحتجاج السياسي، يكرر القادة العرب والإسلاميون دعوتهم الطويلة الأمد للسلام القائم على حل الدولتين. يجب على إسرائيل أن تتفق مع الدول العربية والإسلامية، ومجلس الأمن التابع للأمم المتحدة، والسلطة الفلسطينية على حل الدولتين. وفي مثل هذا السلام، يتم نشر قوات من قبل مجلس الأمن الدولي – بما في ذلك من الدول العربية – لضمان السلام في غزة وتسريح الميليشيات العنيفة. وتصبح فلسطين العضو الدائم رقم 194 في الأمم المتحدة، كما طلبت منذ 12 عاما، قبل أن تعرقل إدارة أوباما هذا الطلب.

باختصار، يحتج الطلاب الذين يتحدثون باسم فلسطين على الظلم السياسي وعدم شرعية الوضع الراهن. لديهم الحق في تناول الموضوع وإبداء رأيهم علانية وعلينا المدافعة بقوة عن هذا الحق. يجب على الكونغرس التوقف عن التنمر على طلابنا، والوفاء بمهمته الأكثر إلحاحا: إنهاء عمليات القتل الجماعي في غزة وشق طريق للسلام.

نبذة مختصرة عن الكاتبين:

جيفري د. ساكس هو أستاذ جامعي ومدير مركز التنمية المستدامة في جامعة كولومبيا، حيث أدار معهد الأرض من عام 2002 حتى عام 2016. وهو رئيس شبكة حلول التنمية المستدامة التابعة للأمم المتحدة ومفوض لجنة النطاق العريض للتنمية التابعة للأمم المتحدة. وكان مستشارًا خاصًا لثلاثة أمناء عامين للأمم المتحدة، ويعمل حاليًا كمدافع عن أهداف التنمية المستدامة تحت إشراف الأمين العام أنطونيو غوتيريش. أمضى أكثر من عشرين عامًا كأستاذ في جامعة هارفارد، حيث حصل على درجات البكالوريوس والماجستير والدكتوراه.

سيبيل فارس تعمل كمستشارة للبروفيسور جيفري ساكس للشؤون الحكومية والسياسة العامة في الشرق الأوسط وإفريقيا. حصلت على درجة الماجستير في الإدارة العامة من كلية هارفارد كينيدي وبكالوريوس الآداب في الرياضيات من جامعة كولومبيا. خلال دراستها في جامعة هارفرد، كانت سيبيل زميلة أبحاث في مركز القيادة العامة وتعاونت كباحثة مع مركز بيلفر للعلوم والشؤون الدولية.