عامان على انقلابه.. ماذا عرفت تونس في عهد سعيد؟

ليلة 25 جويلية 2021، لم تكن عادية في تاريخ التونسيين، إذ شهدت انقلابًا قاده الرئيس قيس سعيد على دستور البلاد ومؤسسات الدولة الشرعية، بعد أشهر من ترذيل العمل البرلماني وكيل التهم للأحزاب والسياسيين بالفساد والإفساد.

نجح سعيد في انقلابه، بعد أن طوّع الجيش والشرطة لخدمته، واستغل حالة الاحتقان الكبيرة في البلاد نتيجة تواصل انتشار فيروس كورونا وتراجع اقتصاد البلاد حينها، لكن بعد أن مرت سنتين على تلك الليلة، ما الذي عرفته تونس؟

في هذه النقاط السريعة، سنعرف معًا أبرز التحولات التي عرفتها تونس طيلة سنتي انقلاب سعيد، انطلاقًا من الوضع الاجتماعي والاقتصادي الصعب، مرورًا بالانسداد السياسي، وصولًا للانتهاكات ضد التونسيين والمهاجرين الأجانب، دون أن ننسى التطرق لتوتر علاقات تونس الخارجية.

وضع اجتماعي متردٍ

– سجلت تونس خلال سنتي انقلاب سعيد عددًا كبيرًا من طلبات اللجوء إلى دول الاتحاد الأوروبي، إذ بلغ العدد السنة الماضية 21 ألف و447 طلبًا، أي بفارق 448 طلب لجوء عن المغرب الذي يفوقها من حيث عدد السكان بنحو 3 أضعاف.

رقم كبير مقارنة بعدد سكان تونس الذي لا يتجاوز 12 مليون نسمة، ولولا الحراسة الأمنية المشددة على السواحل التونسية لكان العدد أكبر بكثير، فحرس الحدود التونسي أحبط مئات المحاولات للهجرة، ويلجأ أغلب هؤلاء للاستقرار في أوروبا بطريقة غير قانونية لرفض طلبات اللجوء الخاصة بهم.

– يعود ارتفاع هذا العدد إلى تدهور الوضع الاجتماعي في البلاد، وفقدان التونسي الأمل في الإصلاح، فالحاجة إلى العيش بسلام وكرامة، دفعت التونسي للتضحية بحياته وخوض غمار تجربة لا يعرف نهايتها، فالمهم عنده أن يخرج من تونس.

تردي الوضع الاجتماعي جاء في جزء منه نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه تونس في الفترة الأخيرة

– سجلنا خلال السنتين الأخيرتين، ارتفاع المظاهرات والاحتجاجات المنددة بالوضع العام في البلاد، رغم التضييق الأمني الكبير، وقد لجأ العديد من التونسيين إلى الفضاء الافتراضي للتعبير عن رفضهم ما يحصل في بلادهم.

– تعاني تونس نقصًا حادًا في الأدوية، ومنها علاجات مهمة لأمراض مثل القلب والسرطان والسكري، ما عقد مهمة الأطباء في كثير من المناطق، ويهدد حياة آلاف المرضى، خاصة المصابين بأمراض مزمنة، واضطر عدد منهم إلى محاولة الحصول على الأدوية من الخارج بمحاولات فردية أو عن طريق جمعيات أسست للغرض.

– كما تعاني البلاد من نقص كبير في الوقود، جراء نقص المخزون الإستراتيجي واضطراب توزيع المادة في السوق، ما أدى إلى خلق حالة من الهلع في صفوف العديد من التونسيين الذين اصطفوا في طوابير طويلة أمام محطات البنزين لملء خزانات سياراتهم.

– مست الأزمة الخبز أيضًا، الذي يعتبر مادة أساسية في موائد التونسيين يوميًا، وتظهر باستمرار طوابير طويلة أمام أغلب المخابز التي أصبحت تغلق أبوابها بشكل مبكر، نتيجة النقص الكبير في مادتي السميد والفرينة.

– عمد الكثير من التونسيين إلى الانتحار حرقًا أمام صعوبة الحياة وغياب القانون، منهم لاعب كرة القدم، نزار العيساوي، الذي أضرم النار في نفسه في أفريل الماضي نتيجة القهر والظلم الذي تعرّض له المعني بالأمر من قوات الأمن والسلطات الجهوية.

وضع اقتصادي صعب

تردي الوضع الاجتماعي جاء في جزء منه نتيجة الوضع الاقتصادي الصعب الذي تعرفه تونس في الفترة الأخيرة، وضع حرج يمكن معاينة تفاصيله في مناحي الحياة المختلفة للتونسيين.

– ارتفعت نسب البطالة والفقر، رغم أن الدولة لا تقر بذلك وتنشر أرقام مضللة، كما تراجع الإنتاج بسبب ملاحقة رجال الأعمال والتضييق عليهم، وعدم إيفاء الدولة بالتزاماتها المالية تجاه الفلاحين والصناعيين والتجار.

– فضلًا عن ذلك ارتفعت الأسعار أيضًا، وغابت العديد من المنتجات الأساسية عن الأسواق، فالحليب والسكر والأرز لمن استطاع إليهم سبيلًا، ويرجح أن يزداد الوضع سوءًا في الفترة القادمة مع ارتفاع أسعار الحبوب في الأسواق العالمية وتراجع إنتاج الحبوب المحلية.

– تعاني مؤسسات عمومية عدة كديوان التجارة والصيدلية المركزية من صعوبات في تزويد السوق المحلية بالمواد الأساسية والأدوية الضرورية، نتيجة فقدان ثقة المزودين الأجانب.

فرض سعيد طوقًا كبيرًا على الفضاء العام، وقيد الاحتجاجات ومنع المظاهرات

– تجد تونس صعوبات كبيرة في الحصول على التمويلات الضرورية لميزانية الدولة، نتيجة فشلها في الوصول لاتفاق مع صندوق النقد الدولي للحصول على قسط أول من قرض قيمته 1.9 مليار دولار لدعم اقتصادها ومخزونها من العملة.

– تم خفض التصنيف الائتماني للدولة، وخفض تصنيف 4 بنوك تونسية من وكالة موديز للتصنيف السيادي لارتفاع مستوى إقراضها للدولة بشكل كبير رغم وجود مخاطر عالية لدى الدولة من التخلف عن سداد ديونها.

– تبلغ حاجة تونس للاقتراض الإضافي لعام 2023 ما يقارب 25 مليار دينار (8 مليارات دولار)، في حين تبلغ قيمة تسديد خدمة الدين وحده العام الحاليّ 21 مليار دينار، أي ما يقارب 30% من حجم الموازنة البالغة نحو 70 مليار دينار (22.6 مليار دولار).

– تعاني تونس حاليًّا من تآكل سريع لاحتياطي العملة الصعبة، إذ يعادل مستوى هذا المخزون 99 يومًا فقط، في حين كانت في الفترة نفسها من العام الماضي 118 يومًا.

انسداد سياسي

– خلال العامين الماضيين عرفت تونس انسدادًا سياسيًا لم تعرفه البلاد منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011، التي أسقطت نظام زين العابدين بن علي، ففي أفريل الماضي، أغلقت قوات الأمن التونسية كل مقار حركة النهضة في تونس (المركزي والجهوية والمحلية)، ومنعت وزارة الداخلية كل اجتماعات الحزب، وفقًا لوثيقة نشرتها وسائل إعلام حكومية.

– إلى جانب غلق مقر النهضة، قررت الداخلية التونسية غلق مقرات جبهة الخلاص الوطني في تونس الكبرى ومنع الاجتماعات فيها، وجبهة الخلاص الوطني هي تجمع سياسي تونسي برئاسة أحمد نجيب الشابي، تأسست في 31 مايو/أيار 2022 بعد 10 أشهر من انقلاب قيس سعيد.

– ضيقت السلطات التونسية أيضًا على العمل الحزبي، ما اضطر العديد من الأحزاب للركون للراحة والدخول في سبات مطوّل، لا يُعرف موعد انتهائه.

– شهدت تونس في السنتين الأخيرتين، استفتاءً على الدستور وانتخابات تشريعية، لكن نسب المشاركة كانت ضعيفة جدًا، ما يؤشر لتراجع اهتمام التونسيين بالشأن السياسي، ناهيك بدلالتها على تراجع شعبية سعيد.

انتهاكات حقوق الإنسان

خلال السنتين الأخيرتين، عرفت تونس تراجعًا كبيرًا في مسألة حقوق الإنسان، وقالت منظمة العفو الدولية إن سعيّد وحكومته “أضعفا بشدة احترام حقوق الإنسان في تونس منذ هيمنته على السلطة في يوليو/تموز 2021، وذلك عبر إصدار مرسوم تلو الآخر وتوجيه صفعة تلو الأخرى”.

– ألقى نظام سعيد عشرات الخصوم السياسيين ومنتقدي الدولة في السجن، منهم رئيس البرلمان السابق ورئيس حركة النهضة راشد الغنوشي، فضلًا عن عدد من النشطاء والحقوقيين والإعلاميين، في مسعى منها لتعبيد الطريق أمام سعيد لفرض برنامج حكمه الاستبدادي، القائم على حكم الفرد الواحد.

– فتحت السلطات التونسية تحقيقًا جنائيًّا ضد 21 شخصًا على الأقل، وفق منظمة العفو الدولية، بناءً على “اتهامات لا أساس لها” بالتآمر على أمن الدولة، ويظل 7 أشخاص على الأقل قيد الاحتجاز التعسفي على خلفية نشاطهم السياسي أو أقوالهم، ومن ضمنهم الشخصيتان المعارضتان البارزتان جوهر بن مبارك وخيام التركي.

– في ظل استمرار اعتقالهم لأشهر دون تقديم أي أدلة تدينهم، اضطر بعض المعتقلين السياسيين للدخول في إضراب جوع، كسلاح أخير لمواجهة استغلال قيس سعيد للقضاء من أجل تصفية المعارضين والسياسة ككل في تونس.

– تم انتهاك استقلالية القضاء، عبر عزل عشرات القضاة والتنكيل بهم ومتابعة عدد منهم قضائيًا وسجن بعضهم وإلغاء الضمانات المؤسسية لحقوق الإنسان.

توترت علاقات تونس مع عدد من الدول الإفريقية، نتيجة الحملة التي شنها النظام التونسي ضد رعاياهم، وتعريض حياتهم للخطر

– أصدر الرئيس سعيد المرسوم “عدد 54” في سبتمبر 2022، وتم استخدامه لملاحقة الصحفيين والمحاميين ونشطاء سياسيين ومواطنين عاديين على خلفية تعليقات علنية انتقدوا فيها السلطات، بما شمل الرئيس سعيد ورئيسة الوزراء نجلاء بودن.

– فرض سعيد طوقًا كبيرًا على الفضاء العام وقيد الاحتجاجات ومنع المظاهرات ومنح قوات الأمن الضوء الأخضر لاستهداف كل من يعارض النظام أو يقول رأي مخالف.

– حتى الكتب لم تسلم من نظام قيس سعيد، فلأول مرة منذ ثورة يناير/كانون الثاني 2011 يُصادر كتاب في تونس، ذنب صاحبه أنه أراد تعرية الواقع والكشف عن بعض فساده، وحدث ذلك في معرض الكتاب الدولي بتونس في نسخته الأخيرة.

الانتهاكات ضد المهاجرين

– طالت الانتهاكات المهاجرين أيضًا، ففي فيفري 2023 أدلى سعيّد بتعليقات عنصرية تتسم بكراهية الأجانب أثارت موجة من أعمال العنف ضد السود، ومن بينها اعتداءات وإخلاءات بإجراءات موجزة واعتقالات تعسفية للمهاجرين من أصل إفريقي.

– ألقت الشرطة القبض على ما لا يقل عن 840 مهاجرًا ولاجئًا وطالب لجوء، وانتهى المطاف ببعضهم إلى الاحتجاز التعسفي في مركز الوردية للاحتجاز، وهو مرفق يُستخدم حصرًا لاحتجاز أشخاص بتهم تتعلق بالهجرة.

– تم ترحيل مئات المهاجرين الأفارقة إلى الصحراء بين تونس والمغرب، قصد إجبارهم على مغادرة تونس، ولقي البعض منهم مصرعه في الصحراء.

علاقات خارجية متوترة

– في عهد سعيد، عرفت العلاقات الدبلوماسية التونسية، توترًا مع بعض الدول، على غرار تركيا التي تعتبر داعمًا مهمًا لتونس بعد الثورة، لكن سعيد أبى إلا أن يوتر العلاقات مع أنقرة.

– توترت العلاقات أيضًا مع ألمانيا وبعض الدول الأوروبية الأخرى، على خلفيات تصريحات معادية ألقى بها سعيد تهاجم مؤسسات تلك الدول وتتهمها بالتدخل في الشأن الداخلي التونسي.

– هاجم الرئيس التونسي أيضًا كبرى المؤسسات الاقتصادية والمالية الدولية، منها صندوق النقد الدولي ومؤسسات التصنيف الائتماني، ووصفها بأبشع الأوصاف، ما عطل حصول تونس على التمويلات اللازمة لميزانية الدولة.

– كما توترت علاقات تونس مع عدد من الدول الإفريقية، نتيجة الحملة التي شنها النظام التونسي ضد رعاياهم، وتعريض حياتهم للخطر.

– توتر العلاقات لم يقتصر على هذه الدول فقط، بل امتد لدول المغرب العربي، تحديدًا المغرب، إذ تعرف العلاقات بين البلدين فتورًا كبيرًا بعد استقبال تونس لزعيم جبهة البوليساريو فوق أراضيها بمناسبة القمة اليابانية الإفريقية.

هذا جزء بسيط من سجل قيس سعيد “الأسود” خلال السنتين الماضيتين، سجّل وجب وضع حد له، حتى لا تنهار الدولة التونسية وتصعب مهمة الإنقاذ.

المصدر:نون بوست

nexus slot

garansi kekalahan 100