متى نعطي للخيار السياسي الأولوية في الخلاف؟

يكتبها : الاستاذ فوزي جابالله

بغض النظر عن هيمنة التمسك بتلابيب الصغائر لحسم المعارك السياسية وهو ما يستمتع به الجمهور كثيرا…
وتفضيلا لأن يكون الخلاف حول الخط السياسي هو الأصل في حسم تلك المعارك كرجال ونساء ناضجين يليقون بهذا الوطن…
يبدو لي ان هناك اختلافا حقيقيا داخل دوائر المؤمنين بالديمقراطية بين خطين سياسيين مختلفين…
هما مختلفان حتى وإن اتفقا على اعتبار الديمقراطية والحريات شرطا لا محيد عنه للانطلاق في مسار وطني سليم…
الخط الأول يمكن تسميته “بخط اسقاط الانقلاب أولا ثم نتحدث”، وهو الخط المسيطر والاعلى صوتا والأكثر ثقة في نفسه…
هذا الخط يعتبر أن حدث 25 جويلية هو حدث فارق ومخالف لسياق تطور التجربة التونسية وأنه يعبر فقط عن دوائر التآمر الداخلية والخارجية…
وهو لا يرى في أخطاء الطبقة السباسية عاملا حاسما في الوصول إلى ما حدث يوم 25 أو لا يريد أن يرى ذلك..
وهو يرتب على ذلك أن المبادئ والوطنية والنضالية و حتى “الرجلة” توجب كلها استفراغ الجهد لاجبار السلطة على التراجع في “الانقلاب” وإعادة المسار الديمقراطي..
ويكاد أغلب مؤيديه يتفقون أن لا فائدة في اعادة تشخيص أسباب فشل الديمقراطية السابقة…
وأن ما يمكن فعله حاليا او مع تقدم الزمن هو توحيد كل معارضي الانقلاب في عمل مشترك ضده بما يؤدي، مع الازمة الاجتماعية التي من الواضح انها تتفاقم كل يوم ، إلى إجبار السلطة على التراجع..
الخط الثاني ويمكن تسميته بخط “فلنفكر اولا لماذا فشلنا ثم لنحسن قراءة الواقع لتحديد سبل العمل” …
وخط هو خجول وغير مسموع الصوت ونادرا ما يعبر عنه بشكل صريح في الكتابات أو التصريحات الاعلامية وان كانت رؤيته تلقى قبولا نسبيا في الجلسات الخاصة..
هذا الخط يعتبر أن 25 جويلية نفسه، مع أهميته، ليس إلا حدثا ضمن مسار معقدا جدا انطلق في 17 ديسمبر 2010 ولم يتوقف إلى حد الآن…
وأن المسار الهش شهد كثيرا من اللحظات الفارقة بدءا من مختلف المواعيد الانتخابية … إلى الاغتيالات المحسوبة بدقة .. إلى العمليات الإرهابية التي استهدفت الاقتصاد .. إلى التنافي العميق بين مكونات الساحة السياسية … إلى خصوصيات موقع ودور التيار الإسلامي…إلى الجمهور الاقتصادي والاجتماعي ودور النقابات… إلى المسألة الاقليمية والدولية وادوارها المعقدة… إلى ما يسمى الدولة العميقة والاجهزة الصلبة… الخ.
و يبتعد هذا الخط بناء على ذلك عن اعتبار مصطلح الانقلاب “تسبيحة” لا بد.من تكرارها بغض النظر عن صحة الوصف قانونيا …
ويبتعد أيضا عن سحب مصطلحات مقاومة وتطبيع من ساحة الصراع بين الدول في ظل وضعيات الاستعمار ، إلى ساحة الصراع الداخلي على السلطة وقواعدها وشخوصها..
ويرتب هذا الخط على كل ذلك تفضيل التعامل مع الواقع كما هو دون اسباغ اي شرعية عليه…
والدفع نحو البناء على أهداف المستقبل لا على صراعات الماضي…
للوصول إلى أنه لا وجاهة للدفاع عن كل ما يوحي بالعودة إلى ما قبل 25 …
والاستعاضة عن ذلك بالدفاع عن توفير شروط بناء مسار ديمقراطي جديد يتدارك أخطاء المسار المنتهي..
وخاصة تفكيك ارتفاع الطلب على الاستبداد واليأس من نجاعة الديمقراطية الموجودان بدرجة جدية لدى الرأي العام الوطني..
وهو الخطر الاعظم الذي يتجاهله الكثيرون…
كنت أرجو أن يكون الاختلاف والصراع داخل التيارات السياسية على قاعدة تبني هذا الخيار أم ذاك..
لكننا ما زلنا بعيدا عن هذه المستوى للاسف …
ولذلك فالاغلب أن الرابح في المعارك الحالية خاسر والخاسر خاسر …
وأن الوطن أكثر خسارة منهما..
والله أعلم..

nexus slot

garansi kekalahan 100