منتدى الدوحة 2023: غ.زة تحصد التعاطف وقطر تتعهّد بمواصلة جهودها

يشكّل منتدى الدوحة الذي تستضيفه العاصمة القطرية سنويًّا منصة عالمية للحوار، إذ يجتمع فيه صنّاع القرار من قادة الدول ومئات الباحثين والمؤثرين من شتى أنحاء العالم، لإثراء الحوار والتفاكر لأجل طرح حلول مبتكرة للتحديات والأزمات العالمية التي تستفحل كل يوم، وذلك استنادًا إلى تجربة المنتدى الثرية ونجاحاته السابقة في خلق بيئة حوار وتبادل فكري على مدى أكثر من عقدَين.

إذ أطلق منتدى الدوحة أمير قطر السابق الشيخ حمد بن خليفة آل ثاني في مطلع الألفية الثالثة، فعُقدت نسخته الأولى عام 2001، ومنذ ذلك التاريخ أصبح المنتدى حدثًا أساسيًّا لصنّاع السياسات، ورؤساء الحكومات والدول، والباحثين والمؤثرين وممثلي القطاع الخاص والمجتمع المدني والمنظمات غير الحكومية.

حضور كبير

جاءت النسخة الحالية، وهي الـ 21، من منتدى الدوحة تحت شعار “معًا نحو بناء مستقبل مشترك”، وناقش على مدى يومَين، الأحد والاثنين، أهم القضايا الراهنة وعلى رأسها تطورات الأوضاع في فلسطين المحتلة، في ضوء العدوان الوحشي المستمر الذي يشنّه الاحتلال الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من شهرَين.

وأكّد أمير دولة قطر، الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، تطلُّعه إلى أن يسهم منتدى الدوحة 2023 في إثراء النقاش بين القادة وصنّاع القرار، بما يقود إلى مقترحات وحلول ملموسة للتحديات العالمية المعقدة.

قال الأمير في منشور عبر حسابه الرسمي على منصة التواصل الاجتماعي إكس: “اُفتتحت اليوم (أمس) منتدى الدوحة 2023 تحت شعار “معًا نحو بناء مستقبل مشترك”، ونأمل أن يسهم في إثراء النقاش بين القادة وصنّاع القرار من مختلف المشارب، بما يقود إلى مقترحات وحلول ملموسة للتحديات المعقدة لعالمنا”.

وأضاف الشيخ تميم بن حمد آل ثاني: “مستقبل الإنسانية المشترك رهين بالاستقرار والأمن وحق الجميع في الوجود”.

وافتتح الشيخ تميم بن حمد منتدى الدوحة 2023 في فندق الشيراتون وسط العاصمة القطرية، بمشاركة عدد من رؤساء الدول والحكومات ورؤساء المنظمات الإقليمية والدولية، على رأسهم رئيسة جمهورية كوسوفو فيوزا عثماني، والرئيس السنغالي ماكي سال، ورئيس زنجبار حسين علي مويني، ورئيس الوزراء الأردني بشر هاني الخصاونة، ورئيس الوزراء الفلسطيني محمد اشتية، إلى جانب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، والأمين العام لمجلس التعاون لدول الخليج العربية جاسم البديوي.

العدوان على غزة يهيمن على المنتدى

تصدّر العدوان الإسرائيلي غير المسبوق الذي يتعرض له قطاع غزة جدول أعمال منتدى الدوحة، حيث أكّد رئيس مجلس الوزراء وزير الخارجية القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، أن “ما يحدث في قطاع غزة كارثة إنسانية غير مسبوقة”، مشددًا على أن استهداف المدنيين من الأطفال والنساء بشكل متعمَّد مرفوض تحت أي ذريعة.

وأشار خلال كلمته في المناسبة إلى أن “الأزمة في غزة أظهرت بوضوح حجم الفجوة بين الشرق والغرب، وازدواجية المعايير في المجتمع الدولي”، معربًا عن أسفه أن تكون “الذرائع التي تساق حول استهداف المدنيين” في القطاع مقبولة لدى البعض.

أضاف آل ثاني: “علّمنا التاريخ أن الحوار هو الطريق الأمثل لمواجهة أعقد الصراعات إذا توفرت الإرادة الخيّرة والقيادة السياسية الحكيمة، وهذا هو منطلق إيمان دولة قطر بأهمية الوساطة في حل النزاعات، وبذلها لكافة الجهود في سبيل تحقيق ذلك”.

وكان وزير الدولة بوزارة الخارجية القطرية محمد الخليفي، قد تعهّد في جلسة حوارية لاحقة باستمرار الوساطة القطرية لإيجاد حل للصراع في غزة، مضيفًا: “أظهرنا للعالم أن قطر تتحدث بالأفعال”.

بدوره، أعرب الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، عن أسفه لفشل مجلس الأمن الدولي في اتخاذ قرار بوقف إطلاق النار في قطاع غزة، مندّدًا بانقسامات أصابته بـ”الشلل”، في إشارة منه إلى “الفيتو” الذي استخدمته الولايات المتحدة مرتَين ضد مشروع قرار لمجلس الأمن الدولي دعا إلى “وقف إنساني فوري لإطلاق النار” في غزة.

قال غوتيريش أمام منتدى الدوحة 2023، إن المجلس أصابه “الشلل بسبب الانقسامات الجيواستراتيجية”، التي تقوّض التوصُّل إلى أي حلّ للحرب بين “إسرائيل” وحماس التي نشبت في 7 أكتوبر/ تشرين الأول.

وتابع أن “سلطة ومصداقية مجلس الأمن الدولي قد تم تقويضهما بشدة” بسبب تأخر تحركه حيال الحرب، واعتبرها ضربة لسمعته تفاقمت مع استخدام الولايات المتحدة حق النقض (الفيتو) يوم الجمعة، ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار إنساني في القطاع.

وقال في كلمته خلال المنتدى: “لقد كرّرت دعوتي لإعلان وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية”، مضيفًا: “للأسف فشل مجلس الأمن في القيام بذلك”، قبل أن يستدرك بقوله: “يمكنني أن أعدكم أنني لن أستسلم”.

من جهته، بحث رئيس الوزراء الأردني بشر الخصاونة، يوم الأحد، وقف العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، إضافة إلى تطورات الأوضاع في المنطقة، جاء ذلك خلال سلسلة لقاءات على هامش مشاركته في أعمال النسخة الـ 21 من منتدى الدوحة، بحسب رئاسة الوزراء الأردنية على حساباتها في موقع التواصل الاجتماعي إكس.

وشملت لقاءات الخصاونة نظيرَيه القطري محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، والفلسطيني محمد اشتية، بالإضافة إلى الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش.

وأشاد الخصاونة بمواقف قطر ومساعيها المستمرة للوصول إلى هدن إنسانية، وضمان إيصال المساعدات وتبادل الأسرى، ما يؤسِّس لوقف دائم لإطلاق النار، مضيفًا أنه “لا سلام ولا استقرار في المنطقة دون إيجاد الحل العادل والشامل للقضية الفلسطينية، وفق حل الدولتَين وقرارات الشرعية الدولية”.

من جهته، أكّد رئيس الوزراء الفلسطيني، محمد اشتية، خلال حديثه في منتدى الدوحة، أنه من غير الواقعي أن تتمكن “إسرائيل” من القضاء على حماس، وأضاف اشتية لمراسلة شبكة “سي إن إن” بيكي أندرسون: “لن يحدث ذلك”.

وأكد رئيس الوزراء الفلسطيني خلال جلسة نقاشية إلى جانب وزيرَي خارجية قطر والأردن: “من المهم جدًّا أن ندرك جميعًا أن حماس جزء لا يتجزّأ من التركيبة السياسية الفلسطينية، وبالتالي إن ادّعاء إسرائيل أنها ستقوم بالقضاء على حماس والتخلص منها، أعتقد أن هذا شيء تمامًا، أولًا وقبل كل شيء، لن يحدث، وهو غير مقبول تمامًا بالنسبة لنا”.

“نيويورك تايمز”: منتدى في قطر يصبح مكانًا لوجهات النظر القوية المؤيدة للفلسطينيين

قالت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية إنه بينما تضمّنت نسخة هذا العام من منتدى الدوحة، التي أقيمت تحت شعار “الدبلوماسية والحوار والتنوع”، جلسات بشأن الطاقة الخضراء والذكاء الاصطناعي، فإن الكثير من المحادثات في الاجتماعات الرسمية وحول المقاهي انجذبت إلى الحرب في غزة، مع تأييد قوي للمنظور الفلسطيني من “الحرب في غزة”.

وأضافت الصحيفة: “في الجلسة الافتتاحية، التي حضرها أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني، حذّر أنطونيو غوتيريش، الأمين العام للأمم المتحدة، من “خطر انهيار النظام الإنساني” في غزة، وجدد دعوته لوقف إطلاق النار”.

وجاء في تقرير الصحيفة الأمريكية: “في جلسة حول مستقبل القيادة السياسية الفلسطينية، تحدث المشاركون عن المقاومة الفلسطينية ضد إسرائيل باعتبارها “مشروعًا مناهضًا للاستعمار”، واتهموا إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية في غزة، وأشاروا إلى “الفصل العنصري” الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة”.

كما أشارت الصحيفة إلى أن عددًا من مسؤولي إدارة بايدن حضروا هذا الحدث، لكنهم ظلوا بعيدًا عن الأنظار بشكل عام، وكان من المقرر أن يتحدث واحد فقط في جلسة حول اليمن.

باحث أمريكي يتعرض للإحراج

في خضمّ حالة الحزن والغضب الشديدَين التي تخيّم على الصعيد الدولي، جراء الجرائم التي يرتكبها الاحتلال الإسرائيلي في عدوانه على غزة، تعرّض باحث أمريكي خلال فعالية مصاحبة لمنتدى الدوحة إلى الإحراج والتوبيخ، بسبب تبنّيه للدعاية الإسرائيلية عن ذبح مقاتلي حماس للأطفال والاعتداء على النساء.

جون ب. ألترمان الذي يشغل منصب النائب الأول للرئيس ومدير برنامج الشرق الأوسط في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، مقرّه واشنطن العاصمة، واجه عاصفة من الأسئلة والاستفسارات إثر تبنّيه للدعاية الإسرائيلية، ودفاعه عن الفيتو الأمريكي الذي عرقل مشروع قرار مجلس الأمن.

جاء ذلك في لقاء مفتوح استضافته مكتبة قطر الوطنية تحت عنوان: “صعود القوى الجديدة: لمن القيادة في عالم متعدد الأقطاب؟”، حيث واجه الأسئلة الصعبة التي طرحها عليه طلاب جامعات قطرية، إضافة إلى كل من سوسن شبلي خبيرة السياسة الخارجية، ووضاح خنفر رئيس منتدى الشرق والمدير العام السابق لقناة “الجزيرة”.

دبلوماسية ناعمة

حول أسباب استضافة دولة قطر لمؤتمرات وفعاليات سنوية بشكل ثابث، مثل منتدى الدوحة ومنتدى الأمن العالمي ومؤتمر قطر الاقتصادي، قالت الباحثة والمدونة القطرية هيا الكعبي، إن هذه الفعاليات السنوية تعدّ من أدوات الدبلوماسية الناعمة التي تنتهجها دولة قطر، مشيرة إلى أهمية الشراكات الدولية والفعاليات التي تقيمها قطر، والتي تسهم في إبراز الدوحة كوسيط نزيه يلعب أدوارًا حاسمة في الأزمات الدولية.

ولفتت الكعبي لـ”نون بوست” إلى أن العديد من قادة الدول والمنظمات الدولية يحرصون على المشاركة في منتدى الدوحة، ما يعطي المنتدى زخمًا كبيرًا يجعله على صدارة الأخبار لعدة أيام قبل وأثناء وبعد انعقاد المنتدى.

استدلت على ذلك بأن تصريحات رئيس الوزراء القطري والأمين العام للأمم المتحدة ورئيس الوزراء الفلسطيني تتصدر وسائل الإعلام منذ يوم أمس الأحد، وأضافت أن انعقاد المنتدى في نسخته الـ 21 بالتزامن مع الإبادة التي تجري في غزة أكسبه أهمية إضافية.

إيجاد حلول للحروب

فيما يتعلق برؤيتها للتوصيات التي يجب أن يركز عليها منتدى الدوحة، دعت هيا الكعبي إلى إيجاد حلول ومقترحات لأهم التحديات في العالم، خاصة فيما يتعلق بالحروب وحقوق الإنسان وحماية الأطفال.

واختتمت الباحثة القطرية حديثها لـ”نون بوست” بدعوة المجتمعين في المنتدى إلى عمل مشترك ومثمر لتحقيق الاستقرار من جميع النواحي، خاصة الاستقرار الأمني والسياسي، وأن يعملوا لأجل إسهام التطور التكنولوجي بشكل أكبر في بناء مستقبل أفضل للأجيال القادمة.

أخيرًا، ومنذ إنشائه قبل أكثر من عقدَين، أصبح منتدى الدوحة فعالية أساسية يحرص على المشاركة فيها العديد من رؤساء الدول والوزراء وقيادات المنظمات الحكومية وغير الحكومية، حيث يكتسب المنتدى أهميته من وجوده في العاصمة القطرية، والتي نجحت في أن تكون وسيطًا لا غنى عنه في رأب الصراعات والأزمات الدولية، ما زاد من الثقل الدبلوماسي لدولة قطر، وجعل الفعاليات التي تستضيفها محطّ اهتمام العالم بشكل قد لا يحدث في أي مكان آخر.

nexus slot

garansi kekalahan 100