من الاسر الى القصر .. الرئيس السنغالي الجديد يتطلع للمصالحة وإعادة بناء المؤسسات ومحاربة الفساد

وعد باسيرو ديوماي فاي الذي أحدث فوزه التاريخي من الجولة الأولى بالانتخابات الرئاسية في السنغال زلزالا سياسيا، في خطاب الإثنين، شركاء بلاده “المحترمين” بأنها ستظل “الحليف الآمن والموثوق به”، وبالتركيز على تحقيق “المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات” وتخفيض تكاليف المعيشة وبالشفافية ومحاربة الفساد.

سعى باسيرو ديوماي فاي في أول خطاب يلقيه بعد الزلزال السياسي الذي أحدثه فوزه التاريخي من أول جولة في الانتخابات الرئاسية السنغالية الإثنين، إلى تطمين شركاء بلاده “المحترمين” بأنها ستبقى “الحليف الآمن والموثوق به”.

في هذا الصدد، قال فاي في خطاب متلفز: “أود أن أقول للمجتمع الدولي ولشركائنا الثنائيين والمتعددي الأطراف إن السنغال ستحتفظ بمكانتها دائما، وستظل البلد الصديق والحليف الآمن والموثوق به لأي شريك سينخرط معنا في تعاون شريف ومحترم ومثمر للطرفين”. مضيفا بأنه يعتزم العمل من أجل إحداث تغييرات داخل الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا (إكواس).

والسنغال التي تتمتع بالاستقرار خلافا لجاراتها تُعتبر أحد ركائز هذه المنظمة الإقليمية التي هزتها منذ 2020 انقلابات عسكرية في العديد من دولها الأعضاء.

وفي خطابه، قال فاي: “أطلق نداء لإخواننا وأخواتنا الأفارقة للعمل معا من أجل تعزيز المكاسب التي تم تحقيقها في عمليات تحقيق التكامل في الجماعة الاقتصادية لدول غرب أفريقيا مع تصحيح نقاط الضعف وتغيير بعض الأساليب والاستراتيجيات والأولويات السياسية”.

كما شدد على أنه بانتخابه “اتخذ الشعب السنغالي خيار القطيعة” مع النظام القائم في البلاد.

وعلى المستوى الداخلي، أشار إلى أن “المشاريع ذات الأولوية” في عهده ستكون “المصالحة الوطنية وإعادة بناء المؤسسات” بالإضافة إلى “تخفيض كبير في تكاليف المعيشة”. وأضاف: “أنا ملتزم بالحكم بتواضع وشفافية وبمحاربة الفساد على المستويات كافة”.

هذا، ولم يسبق لفاي الذي بلغ لتوه الرابعة والأربعين أن تولى أي منصب وطني منتخب، وسيصبح خامس رئيس للسنغال وأصغر الرؤساء سنا في البلد الواقع في غرب أفريقيا ويبلغ عدد سكانه 18 مليون نسمة.

من الاسر الى القصر

وكان الائتلاف الحاكم في السنغال اقر امس الاثنين رسميا بفوز مرشح المعارضة بصيرو ديوماي فاي في انتخابات الرئاسة، بعد أن أظهرت نتائج رسمية أولية أن مرشح حزب “باستيف” المحظور يتجه لحسم المعركة من الجولة الأولى.

وقد هنأ الرئيس المنتهية ولايته ماكي سالي، ديوماي فاي على فوزه بالانتخابات من الجولة الأولى، واعتبر ذلك فوزا للديمقراطية السنغالية، كما أشاد بالأجواء التي جرى فيها الاقتراع.

وقبيل إعلان النتائج الرسمية الأولية، أقر مرشح الائتلاف الحاكم “أمادو فا” بالخسارة، في صورة تعكس تقليدا سياسيا ظل سائدا خلال ربع قرن.

فمنذ خسارة الرئيس عبدو ضيوف أمام منافسه عبد الله واد العام 2000، وخسارة واد أمام منافسه ماكي سال، اتسم انتقال السلطة بالإقرار بالخسارة وتسليم السلطة للفائز بشكل سلمي.

ويعد بصيرو ديوماي فاي (44 عاما) -الذي يوصف بأنه مرشح من خارج المؤسسات- الرئيس الخامس للسنغال، وكانت عمليات فرز الأصوات أظهرت تصدره بنسبة تتخطى العتبة المطلوبة للحسم من الجولة الأولى، وبهذا يكون حزب “باستيف” أبرز أحزب المعارضة رغم حظره، قد نجح بإيصال مرشحه إلى المنصب الأعلى في الدولة.

خاضت المعارضة السباق الرئاسي بداية من وراء القضبان في ظل وجود زعيم الحزب عثمان سونوكو في السجن وإقصائه من الترشح.

من خارج دوائر السياسة

بعد قرار المجلس الدستوري إبعاد سونوكو عن قائمة المرشحين لوجود حكم قضائي بحقه، وقع الخيار على ديوماي فاي، الذي كان بدوره في السجن، مرشحا عن حزب باستيف، وبهذا انتقل الرجل، الذي لا يملك خبرة سابقة في خوض الاستحقاقات السياسية، إلى رئيس واحدة من أبرز الديمقراطيات في أفريقيا.

بالمعنى السياسي، يمكن القول إن نتيجة الانتخابات كانت من ضمن السيناريوهات المتوقعة، لكن المفاجأة الكبرى تمثلت بحسم السباق من الجولة الأولى بنسبة 60% من الأصوات، ليتخطى العتبة الانتخابية بفارق كبير، وينال أغلبية مطلقة، وهذا ما سهّل على المعارضة إعلان الفوز وحتم على الائتلاف الحاكم الإقرار بالخسارة.

Opposition leader Ousmane Sonko (C) looks on during an opposition meeting two days before his trial, in Dakar on March 14, 2023. - Thousands of supporters of Senegalese opposition leader Ousmane Sonko rallied in Dakar on March 14, 2023, the first of several days of protests as the country prepares for elections in less than a year. Sonko is expected in court TMarch 16, 2023 after being sued by Tourism Minister Mame Mbaye Niang for "defamation, insult and forgery". (Photo by JOHN WESSELS / AFP)
سونوكو (وسط) هو من رشح ديوماي فاي لخوص انتخابات الرئاسة (الفرنسية-أرشيف)

صانع الرؤساء

قاد عثمان سونوكو حزب “الوطنيون من أجل العمل والأخلاق والأخوة” المعروف اختصارا “باستبف” لهذا الفوز، وقد سبق له أن خاض انتخابات العام 2019 منافسا للرئيس وحل في المركز الثالث.

ووجهت له عام 2021  تُهم بالاغتصاب لكنه دفع ببراءته منها ووصف الاتهامات بالكيدية، وعمت السنغال احتجاجات واسعة آنذاك، تجددت مع محاولات ماكي سال تأجيل الانتخابات.

أدار عثمان سونوكو معركته مع الحكومة بحنكة سياسية لافتة، وكان تبنيه ترشيح ديوماي فاي حجر الزاوية في الفوز بأرفع منصب سياسي في السنغال، حضر في جميع الفعاليات الانتخابية ووجه تصويت مناصريه لصالح ديوماي فاي، واستفاد من أخطاء الرئيس المنتهية ولايته على المستوى السياسي ومصاعب الاقتصاد لقيادة حملة انتخابية يبدو أنها أتت أكلها.

أخطأ سال.. ففاز “باستيف”

قد يكون قرار ماكي سال تأجيل الانتخابات حتى نهاية العام الجاري الخطأ السياسي القاتل الذي كلف الائتلاف الحاكم سدة الرئاسة، وأسقط المجلس الدستوري قرار الرئيس، لكن مرشح الائتلاف الحاكم أمادو با نفسه كان امتدادا للسياسة القائمة، وهذا بدوره لم يكن في صالحه، وبدت نتائج صناديق الاقتراع بلورة للتمسك بالتقاليد الديمقراطية في السنغال.

كثيرون من أنصار الرئيس السنغالي المنتخب من الشباب الذي يتطلعون لتحسين أوضاعهم (الفرنسية)

تحديات أمام الرئيس المنتخب

يواجه الرئيس المنتخب تحديات عدة، داخليا سيكون عليه تعزيز ثقة الشباب الذين شكّل صوتهم رافعة لوصوله للمنصب، وتعد البطالة من أكثر القضايا إلحاحا، حيث وصلت لنحو 19.5% في الربع الثالث من العام الماضي بحسب أرقام رسمية.

وتعد البطالة وقلة فرص العمل الدافع وراء ارتفاع معدلات الهجرة غير النظامية باتجاه أوروبا.

التضخم يعد بدوره مشكلة رئيسية تودي لتآكل القدرة الشرائية للسكان، صحيح أنها معضلة لا تنحصر في السنغال، إلا أنه سيكون على الرئيس المنتخب أن يضع خارطة طريق للخروج من معدلات مرتفعة أدت بالفعل إلى خفض معدلات الاستهلاك، وتبديد الزيادات في الرواتب التي اعتمدت الصيف الماضي.

النفط والغاز

يعد النفط والغاز من أبرز أوراق الرئيس المنتخب، وقد سبق للبنك الدولي أن اعتبرهما رافعة الاقتصاد، وبحسب تقديرات رسمية، فإن البلاد تقترب من تحقيق قدرة إنتاجية بنحو 100 ألف برميل نفط يوميا، وحوالي 2.5 مليون طن من الغاز سنويا، لكنهما سيف ذو حدين، بحسب الرئيس المنتخب، طالما أن العقود لا تلعب لصالح الدولة.

خلال الحملات الانتخابية وعد زعيم “باستيف” عثمان سونكو بإعادة التفاوض على عقود الطاقة لزيادة إيرادات الدولة من جهة، والاستفادة منها في تطوير قطاع إنتاج الطاقة من جهة أخرى، والخلاف على استثمار إنتاج الغاز محليا كان السبب وراء انسحاب شركة “بي بي” البريطانية نهاية العام الماضي بعدما سعت لتصدير كامل الإنتاج.

ومع طي صفحة الانتخابات و3 سنوات من الاضطرابات، تتهيأ السنغال للدخول في مرحلة سياسية جديدة، عنوانها رئيس شاب جديد على الحياة السياسية، متسلح بدعم سياسي مخضرم يحسّن مخاطبة الشارع والمواطن، ولا يتبنى أي من الرجلين -الرئيس المنتخب باسيرو ديوماي فاي أو عرابه عثمان سونوكو- أي خطاب عدائي للخارج، لفرنسا أو لغيرها، ويعتمدان لغة ترى في الداخل أولوية.

المصدر : الجزيرة /وكالات

nexus slot

garansi kekalahan 100