الانترنات الفضائي في مواجهة الدكتاتورية الرقمية

في الوقت الذي ينعم فيه كثير من البشر باستخدام حر لشبكات الإنترنت، إلا أن بعض الأنظمة وجدت طرقا لتضع حدودا رقمية وتفرض رقابتها التقليدية بحلول تكنولوجية، لتصبح قادرة على تحويل الحاضر المتطور وتعيده إلى ماض من السلطوية.

ممارسات بعض الدول تتفاوت فيما تفرضه على شبكات الإنترنت سواء بمراقبة المحتوى، أو حظر بعض التطبيقات أو شبكات التواصل الاجتماعي، أو حتى بحجب خدمات الإنترنت بشكل كامل.

وفي أوت2022، حذرت مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان من حظر الإنترنت الذي تفرضه بعض الحكومات، مشيرة إلى “أضرار جسيمة تلحق بالحياة اليومية وحقوق الإنسان لملايين الأشخاص وفي مقدمتها الحق في حرية التعبير”.

ووصفت المفوضية هذه الممارسات بأنها محاولة لتأسيس “ديكتاتورية رقمية”، خاصة بسبب آثارها المقيِّدة لحقوق الإنسان لملايين الأشخاص.

وتقول مفوضية الأمم المتحدة السامية لحقوق الإنسان في تقرير لها إن تعطيل الإنترنت في بعض المناطق “يسهم في منع الوصول إلى الأدوات الرقمية اللازمة لتوثيق الانتهاكات” الأمر الذي قد يزيد من ممارسات “العنف” و”التستر على الجرائم الوحشية” التي قد تحدث.

كما تتبنى بعض الحكومات قوانين بحجة تنظيم “الأمن السيبراني والجرائم الإلكترونية”، والتي يتم استخدامها لحظر الوصول إلى شبكات التواصل الاجتماعي أو حتى مواقع إعلامية بهدف الحد من “حرية التعبير والوصول إلى المعلومات” مثلما حدث في زامبيا، في أغسطس 2021، خلال الانتخابات الرئاسية عندما تم تعطيل شبكة الإنترنت.

ولكن خلال الفترة ذاتها ظهرت سابقة قضائية عندما حكمت الحكمة العليا في زامبيا بإجبار على إعادة تشغيل شبكة الإنترنت بعد تعطيلها لمدة يومين.

وتنفي عادة الأنظمة التي تقوم بحجب خدمات الإنترنت قيامها بهذا الأمر وقد تتذرع بمشاكل فنية، أو تنفي تماما تدخلها بهذا الأمر، وهو ما يجعل مهمة توثيقها صعبة، خاصة بعدم تواجد “أمر حجب صادر عن الدولة”.

وبعض الدول لديها قدرات “تكنولوجية وقانونية شاملة” تمكنها من مراقبة الشبكات التكنولوجية المعلوماتية ما يعني أنها “تمارس رقابة منهجية من دون اللجوء إلى الحجب”.

الإنترنت وحقوق الإنسان

بقمع الحريات عبر الإنترنت تنتهك بعض الأنظمة المادة 19 من الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، الذي ينص على الحق في حرية الرأي والتعبير، والوصول إلى المعلومات “عبر أي وسيلة إعلام وبصرف النظر عن الحدود”، إضافة للمادة 19 من العهد الدولي الخاص بالحقوق المدنية والسياسية.

وأشار محمد المسقطي، الذي يعمل في منظمة تقدم خدمات مجانية للأمان الرقمي في حديث لموقع “الحرة”، إلى أن حظر الإنترنت أو حجب عدد من الخدمات في بعض الدول يعني أن هذه الأنظمة تريد ” إخفاء ما يحصل من انتهاكات لا تريد أن تظهر داخليا أو خارجيا، والتحكم في المعلومات التي يتم نشرها عن قضايا معينة”.

وذكر أن أهمية الإنترنت الفضائي تأتي من إمكانية استخدامه كـ”أداة أساسية لكسر حجب الإنترنت ليتاح تداول المعلومات وتوثيق الانتهاكات”.

وصنف تقرير “فريدوم هاوس“، في عام 2022، دولا عربية على أنها “غير حرة” فيما يتعلق بحرية الإنترنت، مشيرا إلى أن بعض الدول عرف عنها شراء برامج تجسس للتضييق على حرية التعبير ومراقبة المعارضين على الإنترنت.

وجائت السعودية والإمارات والبحرين والسودان ومصر ضمن قائمة الدول “غير الحرة في حرية الإنترنت”، بينما كانت بقية الدول العربية ضمن قائمة الفئة المتوسطة لحرية الإنترنت.

المحلل السياسي، أنيس عكروتي، يرى أن  “بعض الأنظمة استفادت من طفرة التطورات التقنية لتبقى قادرة على فرض سيطرتها الكلاسيكية التي تطبقها في الحياة العامة على الإنترنت، ولكن توفير ما يعرف بالإنترنت الفضائي الذي ظهر لتوفير الخدمات في المناطق النائية أوجد مخرجا وأداة هامة لكسر هيمنة الديكتاتوريات الاستبدادية الرقمية”. وأشار إلى أن بعض الأنظمة لا تقوم بحجب خدمات الإنترنت ولكنها تنقل ممارساتها في “العنف والتمييز والتجسس” إلى “الفضاء الرقمي، بحيث أنها “وظفت أفرادا ومجموعات متخصصة لمراقبة المحتوى والمعلومات التي يتم تبادلها على الإنترنت، لتقوم بعد ذلك بملاحقة مواطنيها بتهم مختلفة تحت ذريعة الأمن الوطني أو قوانين وضعت حديثا للأمن السيبراني تجرم كل ما هو يرتبط بالحريات”.

كيف يعمل “الإنترنت الفضائي”؟

عادة ما تكون الدولة هي “المصدر الأساسي” للإنترنت بحيث تقوم شركات الاتصالات ومزودو الخدمات بالحصول عليه عن طريق الخطوط الأساسية الواصلة للمنافذ الحكومية عبر الكابلات الدولية، وفق ما يقول خبير في الأمن السيبراني والتحول الرقمي، رولان أبي نجم، لموقع “الحرة”.

ويوضح الخبير أن بعض الدول عادة ما يكون لديها القدرة على وضع نوع من “الرقابة والتحكم” على الإنترنت لجميع المستخدمين بصرف النظر عن مزود الخدمة.

ويضيف أبي نجم أن الوضع مختلف في حالة “الإنترنت الفضائي”، إذ أنها تصل من شبكة الإنترنت العالمية بشكل مباشر للمستخدم عبر الأقمار الاصطناعية من دون أي تدخل حكومي.

وصفي الصفدي، خبير اقتصادي متخصص في قطاع الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات يشرح لموقع “الحرة” كيفية عمل الإنترنت الفضائي من الناحية الفنية، والذي يتكون من خمسة مكونات أساسية:

  • المحطة الأرضية، والتي تعمل كنقطة وصل بين القمر الاصطناعي وشبكة الاتصالات الأرضية
  • الأقمار الاصطناعية، وهي معدات اتصال تطلق للفضاء تدور ضمن مدار منخفض حول الأرض، تتضمن أجهزة إرسال واستقبال وأنظمة معالجة تستقبل الإشارات من المحطة الأرضية وتضخمها وتعيد إرسالها تجاه الأرض.
  • الهوائيات أو “الصحون اللاقطة”، وهي الأجهزة التي تستقبل الترددات والإشارات من القمر الاصطناعي وتنقلها للأجهزة الطرفية التي تشكل نقطة وصول الإنترنت للمستخدم.
  • الأجهزة الطرفية، أو ما يعرف بأجهزة “المودم” أو “الراوتر”، وهي التي تقوم باستقبال الترددات التي تصل إلى “الصحن اللاقط” ويقوم بتشفير وفك تشفير المعلومات والإشارات التي يستقبلها أو يرسلها.

ويوضح الصفدي أن خدمات الإنترنت التي توفرها الأقمار الاصطناعية تعتبر ضمن “الإنترنت عريض النطاق” والذي يقدم بسعات وسرعات عالية، مشيرا إلى أنه يوفر منفذا هاما لتوفير الإنترنت في المناطق “النائية أو البعيدة ذات التضاريس الصعبة”.

أبرز شركات الإنترنت الفضائي

وأضاف أن هناك عدة شركات حول العالم تقدم خدمات الإنترنت الفضائي للمستخدمين الأفراد أو لديها خططا لإطلاق أقمار اصطناعية خاصة في المدار حول الأرض لهذه الغاية، أبرزها:

ستارلينك” الأميركية، التي يملكها ماسك، حيث يخطط لإطلاق 12 ألف قمر اصطناعي توضع في مدارين على ارتفاع 1200 كلم و340 كلم، وتتجاوز قاعدة المستخدمين فيها المليون مشترك، إضافة إلى شركة أمازون من خلال شبكة أقمار “بروجكت كوبر” التي تهدف لنشر أكثر من 3000 قمر في المدار.

كما تتواجد شركة يوتلسات الفرنسية المتخصصة في الأقمار الاصطناعية في مدار ثابت، وتملك مجموعة من 35 قمرا اصطناعيا تنشرها على ارتفاع 36 ألف كلم عن الأرض وتستخدمها بالأساس وبصورة رئيسية للبث التلفزيوني، غير أنها توفر أيضا الإنترنت عالي السرعة.

إضافة لشركة وان ويب البريطانية، المتخصصة في الإنترنت عبر الفضاء، ونشرت 428 من كوكبة أقمارها الاصطناعية الـ648 في مدار منخفض على ارتفاع بضع مئات الكيلومترات

كيف يتجاوز الإنترنت الفضائي الرقابة الحكومية؟

المسقطي أكد أن أهم ميزة للإنترنت الفضائي عدم قدرة الدول على “السيطرة عليه أو حظره كليا أو جزئيا”.

وأوضح أن طريقة عمل الإنترنت، بتوفر أجهزة استقبال “صحن لاقط” يلتقط الإشارة بشكل مباشر من الأقمار الاصطناعية من دون الدخول في محطات الإنترنت التي تسيطر على الدولة، يمنحه ميزة هامة.

ويؤكد الخبير الصفدي أنه رغم قدرة الإنترنت الفضائي على تجاوز الرقابة الحكومية في الدول، إلا أنه عادة ما تعمل ضمن “الأنظمة والتشريعات الدولية والوطنية”.

ويوضح أن قدرة الإنترنت الفضائي على تجاوز الرقابة الحكومية يكمن في عدم احتياجها إلى المرور بمحطات الإنترنت الرئيسية التي تكون للسلطات سيطرة عليها، وفي بعض الأحيان قد تضع عليها ما يشبه أنظمة “فلترة” أو رقابة للتحكم بها.

وأضاف الصفدي أن بعض الأفراد أو المؤسسات تستخدم الإنترنت الفضائي لقدرته على استخدام بروتوكولات “تشفير” يجعل من الصعوبة للأطراف غير المصرح لهم باعتراض أو فهم محتوى المعلومات حتى بما في ذلك الجهات الرسمية.

وفي بعض الدول قد يستخدمها البعض، لأن شركات الإنترنت الفضائي تكون مسجلة في دول أجنبية وغير خاضعة لسلطة الدولة التي تفرض “لوائح وقوانين رقابة عالية” بحسب الصفدي، مشيرا إلى أن هذا الأمر قد يعرض المستخدم إلى “نوع من المحاسبة القانونية في بلده إذا ما كان يحظر استخدام تقنيات غير مرخصة داخل نطاق الدولة”.

تحديات في مواجهة الإنترنت الفضائي

ويرى خبراء تقنية المعلومات أن أبرز التحديات التي تواجه استخدام الإنترنت الفضائي ارتفاع أسعار خدماتها، إذ يحتاج الاشتراك في خدمة “ستار لينك” على سبيل المثال دفع حوالي 600 دولار مقابل ثمن المعدات التي سترسلها لك الشركة، ودفع أكثر من 100 دولار كرسوم شهرية.

وأشاروا إلى أن التحدي الأبرز إدخال الأجهزة الطرفية أو “الصحن اللاقط” لاستقبال الإشارة من القمر الاصطناعي، وهذه المعدات قد تكون محظورة ويمنع إدخالها لبعض الدول، وحتى مع إدخال هذه الأجهزة أو تهريبها لبعض الدول التي تفرض سيطرتها على الإنترنت، قد لا يتمكن الشخص من استخدامها لعدم القدرة على إخفاء أجهزة الاستقبال، وتعرضه للمساءلة

الخبير الصفدي يوضح بدوره أن التحديات في استخدام الإنترنت الفضائي تختلف من دولة إلى أخرى، وأنها قد تتطور بمرور الوقت، إذ يمكن للسياسات الحكومية والتقدم التكنولوجي والعلاقات الدولية أن تؤثر جميعها على استخدام الخدمات عبر الأقمار الاصطناعية. وحدد جملة من التحديات، والتي تضم:

  • التكلفة والقدرة على تحمل التكاليف، إذ لا تزال خيارات أسعار اشتراكات خدمات الإنترنت الفضائي مرتفعة مقارنة بالخدمات التقليدية، الأمر الذي قد يشكل عائقا في الدول ذات الدخل المنخفض.
  • القيود التنظيمية، إذ قد تفرض الحكومات لوائح صارمة على الاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية، بما يجعل من ترخيص استخدامها مستحيلا، وباستخدامها هذا سيشكل تحديا لسلطة الدولة.
  • قيود البنية التحتية، إذ يتطلب إنشاء بنية تحتية قوية للإنترنت عريض النطاق عبر الأقمار الاصطناعية استثمارات وقدرات تقنية كبيرة، ولهذا قد تكافح بعض المناطق النائية على وجه الخصوص لمواكبة هذه التقنية بسبب الافتقار للدعم الفني وعدم توفر القدرة المالية.
  • حدود النطاق الترددي والسعة، غالبا ما تعاني اتصالات الإنترنت الفضائي من عرض نطاق ترددي محدود وزمن انتقال مرتفع مقارنة بالتوصيلات الأرضية، ورغم إحراز تقدم بالسرعات إلا أن هناك عوامل لا تزال تؤثر على جودة الخدمة.
  • مخاوف الأمن والمراقبة، إذ قد يتسبب شعور بعض الأنظمة بالقلق بشأن استخدام الإنترنت الفضائي “في أنشطة غير مصرح بها أو تراها غير قانونية” وهو ما قد يفرض تدابير تدقيق ومراقبة وملاحقة للمستخدمين.

من جانبه يرى الخبير أبي نجم أنه يمكن تجاوز بعض هذه التحديات من خلال ما تتيحه بعض شبكات الإنترنت الفضائي بالولوج إلى شبكتها بشكل مباشر عن طريق الهاتف الخلوي، ولكن هذا يحتاج أيضا إلى شراء أجهزة ذكية قد تكون باهظة الثمن أيضا.

كيف أنقذت “ستارلينك” الإنترنت في أوكرانيا؟

مدير مركز “أوراس” للدراسات الإستراتيجية في كييف، أوراغ رمضان، أوضح أن “خدمات الإنترنت الفضائي لعبت دورا هاما في دعم البنية التحتية للاتصالات في أوكرانيا منذ بداية الحرب”.

وبين رمضان في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أنه لا تتوفر تقديرات لأعداد مستخدمي الإنترنت الفضائي في أوكرانيا “ولكن قاعدة المستخدمين في ازدياد، أكان في الجانب المدني أو العسكري”، مشيرا إلى أنها “أنقذت بشكل كبير خدمات الاتصالات العسكرية لتحافظ على تدفق المعلومات الاستخباراتية من جميع أنحاء البلاد”.

وأضاف أن “شبكة البنية التحتية للاتصالات والإنترنت في أوكرانيا لم تسلم من القصف الروسي”، ولهذا شكلت شبكة “ستارلينك بديلا هاما بتزويد البلاد بشبكة موثوقة من الفضاء”.

وكان ماسك، المدير التنفيذي لشركة “سبيس إكس”، المالكة لشبكة “ستارلينك”، قد كشف أن تكلفة توفير خدمات الإنترنت في أوكرانيا تقدر بـ20 مليون دولار شهريا.

وتخوف رمضان من “التهديدات المبطنة” التي تطلقها بعض الأنظمة بأنها قد تستهدف “الأقمار الاصطناعية القريبة في المدار بهجمات بذرائع واهية، والتي تهدف إلى التأثير على خدمات الإنترنت الفضائي التي تصل لأوكرانيا أو المستخدمين في المناطق النائية في بعض الدول، أو حتى من يستخدمون هذه الشبكات لتجاوز الرقابة والحظر والحجب الذي تفرضه بعض الحكومات مثل إيران والصين وكوريا الشمالية”.

وفي أوكرانيا حاليا حوالي 25 ألف محطة استقبال أرضية في جميع أنحاء البلاد، والتي تعيد توزيع الخدمة للمستخدمين بواسطة أجهزة توجيه “راوتر”.

وفي أكتوبر من عام 2022، هدد مسؤول بوزارة الخارجية الروسية، كونستانتين فورونتسوف، بأن استخدام الأقمار الاصطناعية التجارية “في الفضاء الخارجي لأغراض عسكرية” من قبل الدول الغربية يمثل “نزاعا خطيرا للغاية”.

وأضاف أن “تلك الدول لا تدرك أن مثل هذه الأعمال تشكل في الواقع مشاركة غير مباشرة في نزاعات عسكرية”، مردفا أن “البنية التحتية شبه المدنية قد تصبح هدفا مشروعا للرد”.

ورد متحدث باسم مجلس الأمن القومي، جون كيربي، على هذه التصريحات بأن “أي هجوم على البنية التحتية الأميركية سيواجه برد مناسب وبطريقة مناسبة”، مضيفا أن الولايات المتحدة “ستحمّل روسيا مسؤولية أي هجوم من هذا القبيل في حال حدوثه”.

ولم يحدد المسؤول الروسي الأقمار الاصطناعية التجارية التي كان يقصدها، لكن أقمار “ستارلينك” تؤدي دورا رئيسيا في اتصالات الجيش الأوكراني الذي يحارب الغزو الروسي بحسب وكالة فرانس برس.

الإنترنت الفضائي وكسر العزلة الرقمية في إيران

خلال الربع الثالث من عام 2022، مع احتدام التظاهرات في إيران لجأت السلطات إلى تعطيل خدمات الإنترنت وحجبها بهدف “التعتيم على القمع الذي تمارسه ضد المواطنين”.

وهزت حركة احتجاجية أنحاء مختلفة من إيران، منذ سبتمبر الماضي، في أعقاب وفاة الشابة مهسا أميني (22 عاما) بعد ثلاثة أيام على توقيفها بأيدي شرطة الأخلاق في طهران على خلفية مخالفة قواعد اللباس الصارمة المفروضة على النساء.

ومع انقطاع شبكات الإنترنت وحجب تطبيقات التراسل وشبكات التواصل الاجتماعي أعلنت واشنطن إجراءات تدعم “تدفق المعلومات بحرية للشعب الإيراني”، والتي كان في مقدمتها تخفيف قيود تصدير التكنولوجيا المفروضة على طهران، وهو ما سيسمح لشركات التكنولوجيا الأميركية بالتوسع في تقديم خدمات الإنترنت للإيرانيين.

ووعد حينها الملياردير ماسك بإتاحة الإنترنت عبر شبكة “سبيس إكس” في إيران، وبحلول ديسمبر الماضي، أعلن أن ما يقرب من 100 محطة أرضية لخدمات الإنترنت نشطة في إيران.

أمين عام الجبهة الديمقراطية الشعبية الأحوازية، صلاح أبو شريف الأحوازي، قال إنه خلال العقدين الماضيين “الإنترنت لعب دورا هاما في نشر ثقافة حقوق الإنسان، وزيادة انتشار الوعي الجماهيري بالحقوق المدنية والإنسانية، خاصة مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي”.

وذكر في اتصال هاتفي مع موقع “الحرة” أن “النظام في طهران يخاف بشدة من القوة التي منحها الإنترنت للجماهير، أكان على صعيد التواصل بالاتصال أو بالتنظيم، وهو ما دفعهم إلى تعطيل الشبكات وحجبها داخل البلاد، لوقف تداول المعلومات داخل إيران أو حتى منع رصد وتوثيق الانتهاكات التي يتعرض لها المواطنون”.

وأشار الأحوازي، وهو معارض للنظام الإيراني، إلى أن “الإنترنت الفضائي لعب دورا هاما في مساعدة الإيرانيين على مواجهة الديكتاتورية التي تمارسها طهران بأبشع صورها”.

وكشف أنه “رغم تهريب أجهزة ستارلينك إلى داخل إيران، إلا أنها تأتي مع مخاطر محتملة، أبرزها أمنية، إذ يمكن رصدها من قبل أجهزة الأمن الإيرانية، وهو ما يحد من استخدامها على نطاق واسع، ناهيك عن صعوبة تفعيل الاشتراكات”.

واستعرض تقرير نشرته صحيفة “وول ستريت جورنال” في أكتوبر الماضي، المهمة غير السهلة التي يواجهها الإيرانيون الذين يحاولون تفعيل الأجهزة التي وصلت إليهم عن طريق التهريب.

سعيد سوزانجار (34 عاما)، مهندس شبكات إيراني، قال للصحيفة بعد فشلهم في تركيب أحد أنظمة الإنترنت الفضائي: “شعرنا بخيبة أمل وحزن.. للناس الحق في الوصول إلى الإنترنت.. لا يمكن إنكار هذا الحق”.

وأوضح أنه كان قد حاول قبل إعلان ماسك تفعيل الاشتراك ولم ينجح، وحاول مجددا بعد إعلان ماسك، ولم تفلح المحاولة أيضا، مرجحا أن لا تتواجد تغطية لإيران بالإنترنت الفضائي من “ستارلينك”.

وأشار خبراء تكنولوجيا إلى أنه حتى لو تم تفعيل الاشتراكات بنجاح، قد تتمكن أجهزة الأمن الإيرانية من تحديد موقعهم وإغلاق الإنترنت بسحب الأجهزة الطرفية لديهم، وحتى اعتقال المستخدمين.

وخلال التظاهرات، التي اعتبرتها السلطات “أعمال شغب حرضت عليها دول خارجية”، قتل مئات الأشخاص وأوقف الآلاف، بحسب منظمة هيومان رايتس ووتش، فيما تم تنفيذ أحكام الإعدام بحق سبعة رجال في قضايا مرتبطة بالاحتجاجات.

في مايو الماضي، دان مفوض الأمم المتحدة لحقوق الإنسان، فولكر تورك، “العدد الكبير بشكل لا يصدق” لأحكام الإعدام التي نفذت خلال العام الحالي في إيران وبلغ متوسطها أكثر من عشرة أحكام في الأسبوع.

وفي عام 2022، أعدم 582 شخصا بزيادة نسبتها 75 في المئة عن العام السابق، حسب منظمات حقوقية خارج إيران.

لكن عمليات الإعدام باتت تجري بوتيرة أكبر، في عام 2023، إذ أحصت “منظمة حقوق الإنسان في إيران” أكثر من 220 عملية إعدام منذ بداية العام. أما الأمم المتحدة، فأحصت إعدام زهاء 210 أشخاص معظمهم بسبب جرائم متعلقة بالمخدرات، مشيرة إلى أن العدد قد يكون أكبر.

ودعا الأحوازي إلى ضرورة محاسبة طهران عن ممارساتها “بحق الشعب الإيراني خاصة للشعوب غير الفارسية التي تعيش في البلاد”، وتوفير خدمات الإنترنت الفضائي على نطاق أوسع بتكاليف معقولة للإيرانيين على أن يتم دعم هذا التوجه بشكل دولي.

مدير منظمة “نت بلوكس” المهتمة بالأمن السيبراني، ومقرها لندن، ألب توكير، قال إن “الولايات المتحدة يمكنها دعم حرية الإنترنت في إيران وحول العالم من خلال التشجيع على تطوير حلول جديدة للتحايل على ما تفرضه السلطات من قيود”.

ودعا توكير في تصريحات سابقة لموقع “الحرة” إلى دعم توفير “المزيد من شبكات الإنترنت والاتصالات اللامركزية”، مؤكدا أن شبكات الإنترنت في جميع المدن الإيرانية “تخضع للرقابة الصارمة”.

وذكرت “وول ستريت جورنال” في تقرير نشرته في ديسمبر الماضي، أنه تم تهريب حوالي 200 جهاز تتيح استقبال الإنترنت الفضائي عبر “ستارلينك” إلى داخل إيران، والتي تم تهريب بعضها ضمن مستوردات أدوات منزلية مثل أجهزة الميكرويف، حيث يتم إدخال بعضها عن طريق الموانئ أو في مركبات قادمة من خارج البلاد.

وفي يناير الماضي، اعترف وزير الاتصالات الإيراني، عيسى زارع بور، بتواجد أجهزة الإنترنت الفضائي داخل الأراضي الإيرانية، مؤكدا أنه لا يعلم عدد الأجهزة أو الاشتراكات التي تم تفعيلها، بحسب ما ذكره لوكالة أنباء “مهر” شبه الرسمية.

الصين و”الاستبداد الرقمي” في الفضاء

ووسط تنافس بعض الشركات في نشر شبكاتها من الأقمار الاصطناعية لتقديم خدمات الإنترنت، تسعى دول مثل الصين لدخول المنافسة في هذا المضمار، في خطوة لتعزيز “الاستبداد الرقمي” لبكين، بحسب تقرير نشرته مجلة “ناشونال إنترست“.

وتخطط بكين لإطلاق نحو 13 ألف قمر اصطناعي، بقصد زيادة توسيع النفوذ الصيني بمجال الإنترنت الفضائي على مستوى العالم، إذ قدمت الصين، أواخر عام 2020، ملفا للاتحاد الدولي للاتصالات يكشف خططها لإنشاء “نظام ضخم” خاص بها في المدار الأرضي المنخفض.

وبالفعل أنشأت الصين شبكة من الأقمار الاصطناعية المملوكة للدولة ضمن مشروع “غوا وان” (Guowang).

وحذر تقرير صادر عن لجنة العلاقات الخارجية في مجلس الشيوخ الأميركي، عام 2020، من “صعود الصين كلاعب رئيسي في المجال الرقمي، ومن استخدام نفوذها لتعزيز الاستبداد الرقمي، وهو ما يمثل مخاوف أساسية تتعلق بالأمن والخصوصية وحقوق الإنسان للولايات المتحدة والمجتمع الدولي ككل”.

ولم تكتف بكين عند حدود تعزيز نفوذها بالاستبداد الرقمي، حيث تقوم بتصدير “التكنولوجيا والخبرة الفنية” من أجل تمكين فنزويلا وكوبا لفرض سيطرة خانقة على الاتصالات ومراقبة البيانات الرقمية وملاحقة من تعتبرهم السلطات “أعداء للدولة”، بحسب تقرير نشره موقع شبكة “فويس أوف أميركا” عن تقرير لمنظمة “فريدوم هاوس”.

الإنترنت الفضائي” وتعزيز الاستقلال الرقمي

وفي الوقت الذي يبحث فيه البعض عن استخدام الإنترنت الفضائي بهدف كسر قيود الحريات، تتجه أنظمة لها بغرض تعزيز الأمن والاستقلال الرقمي.

ومنذ عام 2021، سجلت عشرات حوادث قطع كابلات الإنترنت عن تايوان، والتي كان آخرها في أبريل من عام 2023، وهو ما دفع المسؤولين للتفكير بالاتصالات عبر الأقمار الاصطناعية بدلا من الكابلات، بحسب تقرير نشرته وكالة فرانس برس.

وأثار العطل في الاتصالات تساؤلات حول الأمن القومي في تايوان وهشاشة الاتصالات بالعالم من خلال 12 كابلا بحريا، في حال اندلاع حرب مع الصين .

وكشف مدير مكتب الحزب الديمقراطي التقدمي، ليي وين، حينها للوكالة أن “الحكومة تدرس الكثير من التكنولوجيات الجديدة، مثل الأقمار الاصطناعية الموضوعة في مدار منخفض، والتي لعبت دورا حاسما في الحرب بأوكرانيا، لتوفير اتصالات آمنة”.

وبدأت تايوان في تجربة أجهزة استقبال تعمل عبر الأقمار الاصطناعية بهدف تركيبها في حوالي 700 موقع عبر أراضيها.

وأكدت وزيرة الشؤون الرقمية التايوانية، أودري تانغ، في تصريحات عام 2022، أن الهدف هو توفير اتصال بالإنترنت للسكان طالما يمكنهم “رؤية السماء”.

وتنص الخطة على ميزانية تقارب الـ 18 مليون دولار تنفق على مدى عامين لضمان الاتصالات للحكومة “في حالات الطوارئ مثل الكوارث الطبيعية أو الحروب”، وفقا لما ذكرته وزارة الشؤون الرقمية.

MBN News

nexus slot

garansi kekalahan 100