النهضة بخير … ولا زالت تونس بحاجة للنهضة…

يكتبها بالنيابة : أحمد عبد النبي

زاوية النظر التي أكتب منها اليوم، لا تهون مما على النهضة ان تاتيه من نقد ذاتي في المضمون والمنهج والوسائل … ولا تهون مما فقدته النهضة من قيادات ورجالات قرروا الانسحاب منها …
لكن النهضة كحركة وحاملة للواء مشروع إسلامي وطني، أكبر من أي فرد فيها ومن أي مجموعة فيها … ذلك إن “الكل” الاجتماعي يغلب دائما “عناصره” فضلا عن أفراد عناصره … النهضة استجابة لطلب اجتماعي لا زالت شروط الحاجة إليه قائمة ما لم يظهر بديل عنه … والنهضة “بنية” تكونت على مدى جيلين تقريبا، ولم تزدها سيرورتها إلا تعميقا لصيرورتها، فأصبحت عصية عن الذوبان والانحلال سواء بالمفهوم الدوركايمي الموضوعي أو بالمفهوم الفيبري القصدي … بنية حولت الحاجة الوظيفية التي اوجدتها اجتماعياً إلى حالة بنيوية متجذرة في الكيان الاجتماعي للمجتمع التونسي، وذلك بسبب ما مارسه المجتمع التونسي عليها من آليات إخضاع وتونسة، وما مارسته هي عليه من آليات تغيير وتأثير …
والنهضة برغم “النزيف” الذي اصاب جسمها القيادي، لا زالت تحتضن قيادات وازنة مخضرمة من جيل الرعيل الأول وممن جاء بعده ومن الاجيال الجديدة … لا زالت النهضة تعج بالقيادات القادرة على جعلها في موضع الريادة السياسية في البلد … بعضهم ربما حجبه وجود طبقة سياسية هيمنت على مشهدها، فتواروا عن الانظار، لكنهم لا يقلون قدرة عمن تصدروا المشهد في يوم ما …
هناك حقيقة موضوعية وهي ان “الخارجين” دائما كانوا قلة، برغم اهمية ما كانوا يمثلونه. وان الغالبية من القيادات والطاقات اختارت في كل المراحل بما فيها هذه المرحلة البقاء في الكيان لا مغادرته . وهؤلاء ليس من المنطقي ولا من المعقول تجاهل موقفهم ذلك أو تبخيسه … وقد اثبتت الملاحظة التاريخية لما مرت به الحركة، ان من بقي استفاد اكثر ممن خرج من حدث الخروج، وان جسم الحركة استطاع استثمار عمليات الخروج باكثر فاعلية وبرجماتية، وان الجسم برغم تعقد عملية هضمه، إلا انه استفاد من النقد الذي وجه للحركة ممن خرج عنها أكثر من استفادتهم هم من ذلك …
في الحركية الاجتماعية ليس المهم “الفكرة” بقدر ما يهم عملية هضمها وتفعيلها … وعملية الهضم والتفعيل تخضع لمدى استجابة الكيان الاجتماعي من حيث الاطر المعنوية والموضوعية، ومدى استعداده لحمل فكرة جديدة أو الانتقال لمرحلة جديدة … قد يرى البعض في هذا الكلام نوعا من الجبرية، ولكنها “جبرية اجتماعية” لا يجدي كثيرا التنكر لها ….
والذين اختاروا الخروج عن النهضة برغم تنوع اسباب خروجهم، إلا انهم في المحصلة العامة لم يتمكنوا من اجتراح بدائل خارج “ابستيمياء” النهضة، وغلب على خروجهم “ضيق بالاطار” اكثر منه “ثورة على المضمون” … واستطاعت النهضة ككيان، وخاصة من خلال قدرة زعيمها على أقتناص الافكار، والقدرة على تمريرها في وعي وبنية التنظيم … استطاعت ان تحول الخارجين منها إلى خارجين لها لا عليها …
لا زالت النهضة بخير، ولا زالت قادرة على العطاء، وستبقى رائدة إلى ان تتوفر شروط اجتماعية جديدة، تبحث عن “فكرة جديدة وروح جديدة” لوظيفة تغيير جديدة، قدر الكيان الاجتماعي انه في حاجة إليها وان النهضة لم تعد تلبي تلك الوظيفة … قد تكون هناك إرهاصات تتشكل .. لكنها لا زالت بعيدة … وربما تكون بدأت في التخلق … لكن مسيرة انبعاثها لا زالت بعيدة في ما نرى …. وقد يكون الانبعاث مجرد “فرع فاق اصله”، ولكنه في ما يبدو ما زال بعيد المنال أيضا ….
علينا ان نعترف ان النهضة برغم حجم التآكل والتهرئة الذي اصابها، خاصة عند ممارسة الحكم، قد صمدت، وكانت قادرة على إثبات جدارتها لقيادة الحركة السياسية، وأن ما عندها من مقومات البديل على وهنه، اقوى بمسافات مما عند غيرها، وانها حافظت على الق الفكرة الجامعة،و أن الانقلاب أفادها بمساعدتها على القيام بمراجعة ذاتية لمراحل سيرها لمزيد التطهر من دنس الممارسة، واثبت ان ما دعت إليه، وما صبرت عليه، وما احتملت بسببه جراحها الداخلية، كان ولا زال وسيبقى طريق الخلاص لتونس ومركبها الآمن لغد أفضل …. الانقلاب طهر النهضة وطهر قيادتها وطهر زعيمها وهذه حقيقة موضوعية لا يجحدها إلا مكابر ….
والنهضة تاريخ من البلاء والجهاد ومعاركة حملات الاستئصال … راكمت بذلك خبرة كبيرة في الصمود والتاقلم والتبس كيانها بذلك … وهي في ذلك المناخ اكثر فاعلية واكثر استعدادا للتحدي منها في وقت المتاركة والمشاركة ….
والنهضة تاريخ طويل من تجارب إدارة الاختلاف الداخلي وصراع الافكار والرغبات … لم تسيطر عليها يوما عقلية مشيخية، ولا تسليم صوفي، ولا دكتاتورية قيادية … لم تنجح في يوم من الايام نزوغات الافراد مهما علوا، ولا حبكات المجموعات المتنافسة، في السيطرة عليها وعلى خياراتها … كانت الروح الجماعية والعقل الجمعي ينتصران في الأخير، حتى ولو على حساب فاعلية مطلوبة لكنها متولدة عن خيارات ونزوعات مفروضة بقوة الموقع وليس بقوة الاقناع ….
أتابع من بعيد ما تقوم به النهضة كعادتها من حوارات صاخبة ولكن في بيت جدرانه سميكة … تبحث كعادتها عن اوفق طريق يجمع ولا يفرق يجدد ولا يبدد … معادلة معقدة بحجم تعقد تجربتها وواقعها وتعقد الواقع من حولها … وظني انها ستعبر بنجاح … لأن فكرتها لا زالت حية ومشروعها لا زال هو الاكثر اصالة والاكثر حداثة، ولان شعورها بالمسؤولية كما كان قويا … ولأن الكل ينتظر دورها … حتى الذين خرجوا منها لن يكتب لهم مستقبل بدونها …. حتى أولائك الذين يحلمون بخلافتها من وُلدها أو ضرائرها ….
النهضة جزء اصيل من مشروع نهضة امة، وفكرة أصيلة وحية لا تموت وإن كانت بالضرورة مدعوة للتجدد ….

nexus slot

garansi kekalahan 100