كثّفت تل أبيب، خلال السنوات الأخيرة، نشاطها الاستخباراتي والديبلوماسي في غرب إفريقيا والساحل. ذلك لأهداف، أبرزها خدمة الأجندة الاستعمارية الفرنسية في المنطقة، وكبح تحرك شعوب تلك الدول نحو التحرر من مستعمرهم القديم وحلفائه.

في زيارة له يوم الثلاثاء الماضي لتل أبيب، تقدم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون بعرض لم يأت به رئيس أو مسؤول غربي آخر. ذلك حين دعا إلى توسيع التحالف الدولي المحارب لتنظيم “داعش” في سوريا والعراق، ليشمل قطاع غزة؛ محاولاً وضع حركة المقاومة الفلسطينية “حماس” وتنظيم داعش الإرهابي في نفس الكفة.

وقال ماكرون، في مؤتمر صحفي مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، بأن: “فرنسا مستعدة لأن يحارب التحالف الدولي ضد داعش، الذي نشارك فيه في عمليات في العراق وسوريا، حماس أيضاً”.

وهو ما انتقده عدة محللين فرنسيين، معتبرين أن تصريحات الرئيس “انزياح خطير” عن الموقف الفرنسي التقليدي بشأن القضية الفلسطينية، والذي لطالما كان داعماً لحل الدولتين والاستقرار في الشرق الأوسط.

فيما يمكن أن يُفهم موقف الرئيس الفرنسي من خلال المصالح الفرنسية الإسرائيلية المشتركة، والسياق الذي يشهده النفوذ الفرنسي في إفريقيا الغربية ومنطقة الساحل، حيث تكثف إسرائيل منذ سنوات نشاطاتها الاستخباراتية والديبلوماسية، التي اشتغلت في أكثر من مرة لفائدة المصالح الاستعمارية الفرنسية وضد إرادة الشعوب الطامحة للتحرر من مستعمرها القديم.

خدمة للمصالح الاستعمارية الفرنسية!

في أثناء فترة حكم رئيس بوركينا فاسو السابق روش مارك كريستيان كابوري، زار روي بورستين، الضابط السابق في مديرية المخابرات في الجيش الإسرائيلي، بوركينا فاسو بغاية إطلاق أنشطتة شركته المسماه “بيرسيبتو إنترناشونال”. وتعد شركة “بيرسيبتو إننترناشونال” الإسرائيلية، أحد أبرز الشركات التضليل الإعلامي وتوجيه الرأي العام في العالم.

وعملت الشركة الإسرائيلية في بوركينا فاسو لصالح مصالح فرنسا الاستعمارية. وهو ما يكشفه مقال لـ “واشنطن بوست”، بأنه “بعد نحو شهر من زيارة بورستين لبوركينا فاسو، ظهرت شخصية غامضة على الإنترنت، تم إنشاءها من قبل أحد محللي شركة بيرسيبتو”، والتي ستخترق مجموعات المعارضين للوجود الفرنسي بالبلاد.

ويضيف المقال، بأن هذه الشخصية أصبحت عضوًا نشطًا في العشرات من مجموعات “Telegram” و”WhatsApp” المعارضة، ومنها علم كيفية تنظيم المظاهرات المناهضة للوجود الفرنسي، كما “اكتشف أن هذا التوجه ينحو لما هو أبعد من بركينا فاسو، بل في كامل الدول الإفريقية”.

وبحسب “واشنطن بوست”، كان هذا الناشط المزيف “مقنعاً للغاية لدرجة أنه في أوائل العام الماضي، تلقى رسالة مفاجئة في صندوق الوارد الخاص به على تطبيق واتساب: الروس يريدون مقابلته”. واستمرت مجاراة مديري الشركة في إسرائيل لمديري المجموعات لمناهضة لفرنسا، لدرجة استطاعوا بها إحداث هذه الشخصية المزيفة في الواقع، بالاستعانة بأحد ضباط استخبارات كابوري.

وبعد إسقاط حكم كابوري عبر انقلابان عسكريان عام 2022، كفت “بيرسيبتو أنترناشونال” عن نشاطها في بوركينا فاسو. لكن بعد أن حققت أهدافاً نوعية في خدمة فرنسا ومصالحها، سواء باختراق مجموعات المعارضين وجمع المعلومات عنهم، أو بحملات التضليل التي طالت منظمات دولية لم تكن على هوى باريس وحلفائها.

وفي فبراير/ شباط، كشفت منصة “فوربيدن ستوريز” للتحقيقات الصحفية، استخدام شركة “بيرسيبتو إنترناشونال” لمجلة “Valeurs Actuelles” الفرنسية، المعروفة بتوجهاتها اليمينية، من أجل إطلاق ادعاءات مضللة ضد منظمة الصليب الأحمر الدولي، “نزولاً عند رغبة الرئيس الذي كانت له مشاكل مع المنظمة الإغاثية”، وفق تحقيق “فوربيدن ستوريز”.

أذرع إسرائيل الاستخباراتية في إفريقيا

وليست “بيرسيبتو إنترناشونال” شركة التضليل وتوجيه الرأي العام الإسرائيلية الوحيدة التي تنشط في إفريقيا، ففي فبراير/ شبط الماضي، كشفت تحقيقات صحيفة “الغارديان” البريطانية، وعدد من المؤسسات الصحفية الدولية من بينها “فوربيدن ستوريز”، عن وكالة إسرائيلية يدريها شخص لقبه “خورخي” تتدخل في الانتخابات حول العالم، من بينها دول أفريقية.

ويتولى خورخي وفريقه توجيه الرأي العام خلال المحطات السياسية المهمة في بلدان نشاطه، وبالأخص في فترات الانتخابات، عبر عشرات من الحسابات المزيفة على وسائل التواصل الاجتماعي وبث المعلومات والأخبار المزيفة.

وقالت “الغارديان”، بأن عشرات الرسائل الإلكترونية التي سُربت لها عن “فريق خورخي”، تضمنت عقوداً مع فاعلين سياسيين في دول غرب إفريقيا، من بينها عقد للتدخل في الانتخابات في نيجيريا. ووثق ذات المصدر أيضاً محاولات الوكالة الإسرائيلية التأثير على الانتخابات في كينيا.

وبالإضافة لهذه الشركات، طورت إسرائيل خلال السنوات الأخيرة علاقاتها بمراكز القوة في دول الساحل، بفضل عميلها الاستخباراتي السابق في المنطقة والمدير العام الحالي لوزارة الخارجية الإسرائيلية، رونين ليفي. وتوج هذا النشاط بتطبيع دولة تشاد علاقاتها مع إسرائيل. وفي مايو/ أيار 2022، عيّنت إسرائيل أول سفير لها في تشاد.

TRT عربي