كيف تمكنت أوكرانيا من إشراك قطر في عودة الأطفال؟

كانت أوكرانيا أول من طلب من قطر التوسط لإعادة أطفال، وبحسب مصادر بي بي سي، فقد سبق ذلك أشهر من المفاوضات السرية على أعلى المستويات.

وتحدث الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي عدة مرات هاتفيا مع أمير قطر الشيخ تميم بن حمد آل ثاني. وفي جويلية 2023، زار رئيس وزراء قطر وزير الخارجية الشيخ محمد بن عبدالرحمن آل ثاني كييف، وكانت هذه الزيارة الأولى على هذا المستوى لمسؤول قطري بارز منذ سنوات عديدة.

وقال زيلينسكي حينها “كانت مفاوضات مثمرة للغاية”، ويبدو أنها كانت محادثات مثمرة بالفعل.

ورغم أن قطر لا تزود أوكرانيا بأسلحة ولا تدعم العقوبات ضد روسيا، إلا أنها تساعد في المجال الإنساني – فقد خصصت 100 مليون دولار لدعم قطاع الطاقة وسيارات الإسعاف والمستشفيات.

يقول عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية في معهد الدراسات العليا في الدوحة “تفسيري أنهم يفهمون ما يعنيه أن تكون دولة صغيرة مهددة من قبل جار كبير، ولكن في الوقت نفسه لديهم مصالحهم الخاصة في روسيا ويخشون عليها، ويواصلون التعامل معها، ولهذا السبب لا يساعدون الأوكرانيين بالسلاح، لكنهم يساعدون، على سبيل المثال، مع الأطفال”.

وزار أمين المظالم الأوكراني دميترو لوبينيتس قطر في أوت، وجاء في البيان الرسمي “لقد عملنا على إيجاد سبل للتعاون المستقبلي، وناقشنا حماية حقوق الأطفال الأوكرانيين”.

وبشكل غير رسمي – وافقوا على إعادة الأطفال.

وبعد شهرين، في أكتوبر  2023، أعيدت المجموعة الأولى من الأطفال بوساطة قطرية. وقالت وزارة الخارجية القطرية حينها إن هذه مجرد البداية.

وقال مصدر في الحكومة الأوكرانية لبي بي سي أوكرانيا: “قطر هي أول من يتحدث عن عودة الأطفال. وهي تبلغنا عندما يعبر الأطفال الحدود بالفعل”.

وفي الوقت نفسه، لا تستبعد أوكرانيا مشاركة قطر في إعادة السجناء المدنيين والعسكريين.

الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي وأمير قطر تميم بن حمد آل ثاني

كيف يسلم القطريون الأطفال لعائلاتهم؟

عادة ما يسلم الأطفال إلى أقاربهم في أراض محايدة حسب المسافة التي وصلوا إليها في روسيا، حتى أنه يمكن أن تستغرق الرحلة من عدة أيام إلى أسابيع.

ويسلك الأطفال العائدون طرقًا مختلفة – فمنهم من عبر بيلاروسيا، والبعض الآخر عبر إستونيا ولاتفيا وليتوانيا وبولندا.

أما الأطفال الذين شاركت قطر في إعادتهم، فيتم نقلهم عبر موسكو.

وتقول مصادر لبي بي سي إنه “على الأراضي الروسية، تقع سلامة الأطفال وأقاربهم الذين جاءوا لاصطحابهم بالكامل على الجانب القطري. إذ تتحمل الدوحة مسؤوليتهم، وتوفر لهم النقل والتأمين.”

سافرت فيرونيكا وتيتيانا وأولغا لعدة أيام من دونباس عبر روسيا وبيلاروسيا إلى أوكرانيا، ومن ثم نقلهن إلى السفارة القطرية في موسكو.

وقالت تيتيانا، التي تعرف اللغة الإنجليزية أفضل من أخواتها وبالتالي كان بإمكانها التواصل أكثر مع الدبلوماسيين القطريين، لبي بي سي: “لقد علمنا بالخبر خلال الاجتماع مع القطريين في موسكو”. “رحبوا بنا بشكل لطيف ودافئ للغاية وقدموا لنا الحلويات والكافيار وبعض الأطعمة الأخرى المثيرة للاهتمام، وجلسنا مع السفير الذي تحدث معنا عن التعليم. وسأل عن دراستنا. وتحدثنا أيضًا عن الرسوم المتحركة مع الدبلوماسيين، تقول “كان من اللطيف أن الدبلوماسيين يعرفون كتب الأنمي”.

وأمضى الأطفال عدة ساعات في السفارة في موسكو، وبعد ذلك تم نقلهم إلى المطار في موكب تحت الحراسة. ونقلت قطر الفتيات إلى مينسك على متن طائراتها.

واصطحب المجموعة مرافقون من قطر طوال الطريق إلى عاصمة بيلاروسيا.

وفي مينسك، استقل الأطفال حافلة مع موظفين من الصليب الأحمر، ومن هناك ذهبوا إلى الحدود الأوكرانية، حيث كانت والدتهم تنتظرهم.

تقول تيتيانا: “كان القطريون معنا طوال الوقت حتى وصلنا إلى مينسك. ولم أشعر بأي خوف، في الوقت نفسه كنا عائدين إلى المنزل، لذلك كنا سعداء للغاية”.

وتغطي الدوحة نفقات السفر جزئيًا وجزئيًا من قبل مؤسسة “أورفانز فييدنغ” الخيرية.

ووفقًا لمريم لامبرت، فإن مؤسستها تدفع تكاليف تأجير السيارات والفنادق، وجميع نفقات السفر من أماكن إقامة الأطفال إلى أوكرانيا.

ووفقا لمصادر بي بي سي، فإن قطر تدفع ثمن جزء من الطريق من موسكو إلى مينسك.

رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني
التعليق على الصورة،رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني.

ما الذي تجنيه قطر من ذلك؟

قال رئيس الوزراء القطري الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني في مقابلة تلفزيونية إن عودة الأطفال الأوكرانيين هي مساهمتنا في الأمن الدولي.

ووفقا للمسؤول القطري، كانت الدوحة تتواصل مع أوكرانيا عن كيفية المساعدة في هذا الوضع الصعب، وهنا جاء الطلب المتعلق بالأطفال.

وقال “نستخدم قنوات الاتصال والعلاقة القائمة مع روسيا للحفاظ على سلامة الأطفال.”، مضيفا قضية الأطفال هنا في قطر مهمة للغاية، وشدد على أن هذه الجهود مستمرة.

يقول عمر عاشور، أستاذ الدراسات الأمنية والعسكرية بالدوحة، عن موقف قطر تجاه الأطفال “في هذا البلد، كل شيء مخصص للأطفال”.

وقال “إذا أخبرت أي مسؤول قطري أن 20 ألف طفل قد اختطفوا، وأخذوا من عائلاتهم، فلن يتمكن أحد من تجاهل مثل هذه المشكلة. الجميع يريد المساعدة، هنا رعاية الأطفال جزء من الثقافة. قد تتعارض المصالح وتختلف البلدان مع بعضها البعض، ولكنها تترك الأطفال خارجها. هكذا يفكر الجميع هنا”.

أما إيليا كوسا، المحلل في المعهد الأوكراني للمستقبل، فهو أكثر تشككًا بشأن تصرفات قطر ويعتقد بحسب ما قاله “أنهم يساعدون لأن ذلك مفيد لهم في الوقت الحالي”.

ويقول كوسا إنه دور إنساني تلعبه قطر والهدف الرئيسي منه من وجهة نظره، هو تحسين الصورة.

ويعتقد كوسا أن “هذا يزيد من المكانة الدبلوماسية للبلاد، التي تظهر بصورة القادرة على حل أزمة ما. وإنقاذ الأطفال هو دائما قصة جيدة. وبالتالي تستخدمها قطر لتحسين صورتها الدولية”.

وبعد كل عملية خاصة ناجحة لإعادة الأطفال.. تنشر قطر بيانا رسميا تشكر فيه كل من روسيا وأوكرانيا “على التعاون وحسن النية طوال عملية إعادة التوحيد”، ومن جانبهم، يشيد الأوكرانيون والروس بالدور الذي تلعبه الدوحة.

وتقول ماريا لفوفا بيلوفا، المفوضة الروسية لحقوق الطفل إن “مشاركة قطر لا تقدر بثمن. وهذا الطرف الثالث المستقل مهم بالنسبة لنا”.

وعادة ما تزور بيلوفا السفارة القطرية عندما يتم جلب الأطفال الأوكرانيين إلى هناك وتقدم لهم الهدايا وتلتقط الصور.

وقالت لقناة الجزيرة، بعد إعادة مجموعة من الأطفال، إن الغرب لا يصدق أن روسيا تعيد الأطفال دائما، لأنه يفسر كل شيء على طريقته.

وتقول المفوضة الروسية لحقوق الطفل إن روسيا أنقذت آلاف الأطفال الأوكرانيين من براثن الحرب وإنه لا توجد عوائق أمام عودتهم إلى أقاربهم في أوكرانيا.

وأصدرت المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي أمري اعتقال بحق كل من لفوفا بيلوفا والرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاشتباه في ترحيل أطفال أوكرانيين.

ووفقاً للسلطات الأوكرانية، لم يتمكن من العودة سوى حوالي 400 طفل من أصل 20,000 طفل يُعتقد أنهم اختُطفوا وأُخرجوا من أوكرانيا قسراً.

ما المقابل؟

يقول جون ستروسون، أستاذ القانون الدولي إن “قطر تتمتع بشهرة عالمية في مجال التفاوض وليس فقط بين أوكرانيا وروسيا، بل بدأت جهودها في هذا المجال قبل ذلك بكثير من خلال الوساطة بين الولايات المتحدة وطالبان، وإسرائيل وحماس.

ويضيف “هم يعتبرون أنفسهم دولة يمكنها التحدث مع الجميع”.

ووفقا لسترسون الباحث في شؤون الشرق الأوسط في جامعة شرق لندن، فقد رسخت قطر نفسها منذ فترة طويلة في هذا الدور – دولة صغيرة لها نفوذ وتلعب دورا مهما كمفاوض بين الدول الكبيرة.

وحول رأيه بشأن سبب إعطاء روسيا الأطفال لقطر؟ يرى جون ستروسون أنه قد يكون من مصلحة موسكو إعادة بعض الأطفال على الأقل، وبالتالي إعفاء بوتين من مأزق الحصول على مذكرة من محكمة العدل الدولية.

ويستطرد قائلا: “الروس لا يستطيعون إعطاء الأطفال لأوكرانيا فحسب. فهذا سيجعلهم يبدون ضعفاء أو أنهم يقدمون تنازلات للعدو. بدلا من ذلك فقد اختاروا تقديم التنازل لقطر”.

ويقول إيهور سيميفولوس، مدير مركز دراسات الشرق الأوسط، إن قطر مفاوض معتبر، والمفاوض يتبادل المصالح دائمًا.

ويعتقد سيميفولوس أنه “ربما يستطيع المفاوض أن يقدم فرصة اتصالات لروسيا. ومن المرغوب دائما إبقاء مثل هذا الشريك قريبًا دائمًا في حالة وجود حاجة لخوض بعض المفاوضات السرية. ويمكن لقطر أن تقوم بذلك الدور”.

واستطرد قائلا إنه على سبيل المثال إذا أرادت روسيا إجراء بعض المفاوضات السرية مع الولايات المتحدة، فإن قطر قادرة على ذلك مثل هذه الخدمة.

ويقول “الأمر فقط أنه لا أحد يفعل أي شيء. هذه مسألة منظور مؤجل. الوسيط لديه دائمًا مصلحته الخاصة. لكن هذه المصلحة يمكن أن تكون أيضًا غير ملموسة، على سبيل المثال، الهيبة والوزن والنفوذ.”

ويقول مدير مركز دراسات الشرق الأوسط إن قطر وجدت نفوذا داخل روسيا لأنهم يعرفون مفاتيح التفاوض معها.

ويعتقد إيهور سيميفولوس: “إنهم يتمكنون دائمًا من إيجاد طرق للتعامل داخل روسيا، ومع الولايات المتحدة، ومع إسرائيل. ويعمل القطريون على نطاق واسع. وهذا جزء من استراتيجيتهم الأمنية”.

وبحسب إيليا كوسا، يمكن لقطر أيضًا استخدام القصة مع الأطفال، إذا أرادوا تنفيذ شيء ما على أراضي أوكرانيا، للاتفاق على شيء ما مع السلطات الأوكرانية.

“أو يفعلون ذلك ليقولوا لوسائل الإعلام كيف نجحوا حيث لم تتمكن الدول الأخرى من تحقيق أي شيء. إن محاولة قطر للوساطة في حد ذاتها هي قصة مثيرة للاهتمام بالنسبة لهم، ومثيرة للاهتمام بالنسبة لنا، لكنها قصة ظرفية، مشيرا إلى أن الأمر قد يتحول إلى نوع من الشراكة طويلة الأمد بين أوكرانيا وقطر.

يقول المسؤولون الأوكرانيون إنه ليس هناك شك في أي مساومة على الأطفال.

ويقول دميترو لوبينيتس، أمين المظالم الأوكراني: “ربما تطلب روسيا شيئا من قطر مقابل ذلك. أوكرانيا ليست مسؤولة عن ذلك. هذا ليس هو السؤال”.

وبغض النظر عما تتفق عليه قطر وروسيا وأوكرانيا، فإن آنا سعيدة برؤية أطفالها مرة أخرى.

وقالت لبي بي سي وهي تبكي: “لقد انتظرت كثيرا. ما يقرب من عامين. كبرت بناتي كثيرا خلال هذه الفترة. وأنا الآن أسعد شخص في العالم، لأنهن بالقرب مني”.