كيف ولماذا تسعى الإمارات إلى حرمان السعودية من مقعد القيادة في سوق النفط؟

تتصدر المملكة العربية السعودية سوق النفط؛ كونها أكثر الدول المنتجة قدرةً على التصدير، فكيف تسعى الإمارات إلى تقليص تلك الريادة؟ ولماذا؟

تناول موقع Middle East Eye البريطاني الإجابة عن هذين السؤالين في تحليل عنوانه “كيف قلَّصت الإمارات بهدوء ريادة المملكة السعودية في لعبة النفط؟”، ألقى الضوء على الخطوات الإماراتية والرد السعودي وآفاق تلك المواجهة النفطية.

وكان الخلاف بين الرياض وأبوظبي في ملف النفط قد خرج إلى العلن منذ أكثر من عامين، رغم أنه من النادر أن يخرج الخلاف بين السعودية والإمارات إلى العلن كما يحدث في ملف النفط، والقصة مرتبطة بالأساس بكيفية معالجة خلافاتهما حول تمديد اتفاقات تخفيض النفط داخل مجموعة أوبك+ (منظمة الدول المنتجة للنفط + روسيا).

وهذه النقطة بالتحديد هي التي تركز عليها وسائل الإعلام العالمية في تناولها لهذا الخلاف في الرؤى بين الرياض وأبوظبي بشأن تخفيضات إنتاج النفط، خصوصاً أن وزير الطاقة السعودي الأمير عبد العزيز بن سلمان قد استفاض في توجيه النقد العنيف للموقف الإماراتي.

التنافس الاقتصادي بين الإمارات والسعودية

فبينما تقوم المملكة العربية السعودية بتخفيضاتٍ في إنتاج النفط، وتحافظ روسيا على تدفق الخام لتمويل الحرب في أوكرانيا، تسعى دولة الإمارات بهدوءٍ لتحقيق انتصارات في سوق النفط. وفي يونيو/حزيران 2023، عندما اجتمعت منظمة البلدان المصدرة للبترول (أوبك) بقيادة السعودية وتحالف من منتجي النفط بقيادة روسيا، المعروف باسم أوبك+، لتحديد سياسة الطاقة، تراجعت الإمارات عن هدفٍ طويل الأجل لزيادة كمية النفط الخام المسموح لها بضخها.

وستؤدي المراجعة التصاعدية لحصة الإمارات إلى رفع إنتاجها بمقدار 200 ألف برميل يومياً في عام 2024 ليصل إلى 3.2 مليون برميل. ويأتي ذلك في الوقت الذي تشهد فيه أسعار النفط عودة قوية هذا الصيف، مع وصول خام برنت، المعيار الدولي، بأمان إلى ما فوق عتبة 80 دولاراً للبرميل.

خلال الاجتماع نفسه، استبعدت الإمارات تخفيضات الإنتاج، حتى مع خفض المملكة العربية السعودية للإنتاج، في محاولة لتعزيز أسعار الخام. وضاعفت المملكة الأسبوع الماضي من التزامها بخفض الإمدادات، وواصلت خفض إنتاجها إلى مليون برميل يومياً حتى سبتمبر/أيلول.

تتحمل السعودية العبء الأكبر من تخفيضات النفط، في محاولة لرفع الأسعار. وذكر موقع Middle East Eye البريطاني في وقت سابق كيف كان على الرياض أن تتعامل مع روسيا التي تُغرِق السوق بالنفط، حيث إنها تعزز مبيعاتها من النفط الخام إلى آسيا وتتجه نحو المركز الأول كأكبر منتج في أوبك+.

لكن المكاسب الهادئة للإمارات داخل كارتل النفط تؤكد تحدياً آخر للمملكة العربية السعودية، هذه المرة مع حليف مفترض أصبح منافساً جيوسياسياً واقتصادياً بشكل متزايد.

فعلى مدى سنوات، وجدت المملكة العربية السعودية والإمارات نفسيهما في الجانب نفسه من قضايا السياسة الخارجية الشائكة في الشرق الأوسط. إذ عندما ضرب الربيع العربي المنطقة قبل عقد من الزمان، تعاون الشريكان الأمنيان للولايات المتحدة للرد على حركات الاحتجاج التي اعتبروها تهديداً لحكمهما.

محمد بن زايد الإمارات حقوق الإنسان
رئيس دولة الإمارات محمد بن زايد – رويترز

انضمت كلتاهما لمحاصرة جارتهما الخليجية، قطر، ودعمتا الجنرال المنشق خليفة حفتر في ليبيا، وألقتا دعمهما وراء المسلحين الذين يسعون إلى الإطاحة ببشار الأسد في سوريا. وأرسلت كلتاهما قواتٍ لخوض حرب دموية في اليمن ضد الحوثيين، الذين انقلبوا على الحكومة اليمنية وأصبحوا متحالفين مع إيران.

لكن الانقسامات تندلع الآن بين الزعيمين في البلدين: ولي العهد محمد بن سلمان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد آل نهيان. ووفقاً لصحيفة Wall Street Journal الأمريكية في ديسمبر/كانون الأول، فقد هدد ولي العهد السعودي بفرض حصار على الإمارات، إذ قال ولي العهد في لقاء جمعه بصحفيين محليين إن الإمارات، حليف بلاده منذ عقود، “طعنتنا في الظهر”.

وأضاف ولي العهد خلال اللقاء نفسه: “سيرون ما يمكنني فعله”، حسب ما نقلته الصحيفة الأمريكية عن أشخاص قالت إنهم حضروا اجتماعاً مع محمد بن سلمان، في شهر ديسمبر/كانون الأول الماضي. وبحسب تقرير الصحيفة فإن الخلاف اندلع بين محمد بن سلمان ورئيس دولة الإمارات الشيخ محمد بن زايد آل نهيان منذ أشهر، مضيفة أنهما يتنازعان الآن بشأن من هو صاحب القرار في الشرق الأوسط، حيث تراجع الدور الأمريكي في المنطقة بشكل واضح.

خلاف النفط.. قمة جبل الجليد

انسحبت الإمارات من حرب اليمن في عام 2019، لكنها تواصل دعم المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو جماعة انفصالية تريد إقامة دولة في جنوب اليمن، واشتبكت مع القوات المفضَّلة لدى السعودية، قوات الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً والمدعومة من السعودية.

واندلعت الخلافات بين الرياض وأبوظبي بشأن السياسة النفطية في العلن في عام 2021، عندما عقدت الإمارات اجتماع أوبك+ بسبب شكاوى من أن لديها خط أساس منخفضاً لحساب إنتاجها من النفط المسموح به.

وتستثمر الإمارات، مثل السعودية، بكثافة في صناعة الطاقة لديها لإنتاج المزيد من النفط الخام. وبحلول عام 2027، تريد زيادة طاقتها الإنتاجية -كمية النفط التي تستطيع ضخها- من 4.5 مليون برميل إلى 5 ملايين برميل في اليوم.

لكن السعودية تريد إبقاء الإمدادات شحيحة لرفع الأسعار، لا سيما أنها تتطلع إلى ضخ عائدات النفط في مشاريع ضخمة مثل مشاريع نيوم وجزيرة البحر الأحمر، للتخلص من الاعتماد على الوقود الأحفوري على المدى الطويل.

من ناحيةٍ أخرى، تريد الإمارات، التي لديها قطاع خاص أكثر تطوراً، ضخ النفط الخام الآن عندما يكون الطلب مرتفعاً، مع التركيز على تحول الطاقة.

بعد الهجوم الروسي على أوكرانيا، الذي تصفه موسكو بأنه “عملية عسكرية خاصة” بينما يصفه الغرب بأنه “غزو عدواني غير مبرر”، قال السفير الإماراتي لدى الولايات المتحدة يوسف العتيبة، في مارس/آذار 2022، إن الإمارات تريد زيادة إنتاج النفط، وستضغط من أجل ذلك داخل أوبك.

السعودية ولي العهد
ولي العهد السعودي محمد بن سلمان/رويترز

كان ولي العهد السعودي، الأمير محمد بن سلمان وقتها يسعى إلى إدخال بعض الإصلاحات الاجتماعية النادرة والتحويل الاقتصادي الذي رحب به العديد من الشباب السعودي.

واختلف البلدان، اللذان يتنافسان الآن على الريادة الجيوسياسية في المنطقة، أيضاً، حول كيفية إدارة أوبك+، وفقاً لما قاله اثنان من المديرين التنفيذيين للطاقة في الإمارات ومحللون لموقع Middle East Eye.

قال مسؤول تنفيذي في قطاع الطاقة في دبي لموقع Middle East Eye، في إشارة إلى وزير الطاقة في المملكة والأخ غير الشقيق لولي العهد: “الإمارات تعتبر أوبك قوةً لتحقيق الاستقرار في سوق النفط. لديهم مشكلة حقيقية مع الأسلوب السعودي، وعلى وجه التحديد عبد العزيز بن سلمان”.

اكتسب عبد العزيز بن سلمان سمعةً بأنه مولعٌ بالنزاع. يقول الخبراء إن أسلوب اللاعب البالغ من العمر 63 عاماً يتناقض بشكل حاد مع أسلوب نظيره الإماراتي البالغ من العمر 50 عاماً، سهيل المزروعي.

كيف قد ترد السعودية؟

النقطة المؤلمة الأخرى بين الدولتين الخليجيتين كانت نجاح الإمارات في جذب تجار النفط الروس الفارين من العقوبات الغربية. أصبح ميناء الفجيرة الإماراتي مركزاً رئيسياً لإعادة الشحن للنفط الروسي، وتوافد تجار الطاقة الروس إلى دبي.

ورغم أن هذا خلق توتراتٍ مع الولايات المتحدة، التي وصفت الإمارات بأنها “بلد تحت المجهر” في الوقت الذي تتطلع فيه أمريكا إلى قمع التهرب من العقوبات، فقد عزز ذلك اقتصاد دبي، إحدى الإمارات السبع داخل دولة الإمارات.

في غضون ذلك، شهدت المملكة السعودية، التي تدفع بالإصلاحات الاجتماعية لجعل نفسها أكثر جاذبية كمركز تجاري لمنافسة دبي، تدفقاً ضئيلاً للأجانب.

أرامكو
شركة أرامكو النفطية السعودية – رويترز

ويقول محللون إن إحدى المجالات التي تقدمت فيها السعودية على الإمارات هي شركة النفط الوطنية أرامكو، التي سعت بقوةٍ لاستحواذاتٍ متنوعة، من أوروبا إلى الصين، في مصافي النفط والإنتاج النهائي، مثل البتروكيماويات.

توجد البوليمرات المكررة ومركبات النفط والغاز في كل شيء؛ من الأسمدة والبلاستيك إلى منظفات الغسيل والورق والملابس. ومن المتوقع أن تظل شهية العالم للبتروكيماويات قوية حتى مع تراجع الطلب التقليدي على الوقود.

تعمل شركة النفط الإماراتية المملوكة للدولة، أدنوك، الآن على تعزيز حضورها العالمي. وقدمت عرضاً لشراء شركة كوفيسترو الأوروبية لصناعة الكيماويات، وعملاق البتروكيماويات البرازيلي، براسكيم، حسبما أوردت التقارير الإعلامية ذات الصلة. وقالت أدنوك، يوم الجمعة 11 أغسطس/آب، إنها استحوذت على حصة 30% في حقل غاز أذربيجاني.

حتى مع تحقيق الإمارات مكاسب في أوبك+، والاستفادة من تخفيضات الإنتاج في المملكة السعودية، يقول محللون إن الرياض من المرجح أن تحافظ على تفوقها في سوق الطاقة على الإمارات. تخطط المملكة لزيادة طاقتها الإنتاجية الهائلة إلى 13 مليون برميل يومياً بحلول عام 2027.

nexus slot

garansi kekalahan 100