من سيحكم العالم؟ جاك أتالي يستشرف الـ50 عاما المقبلة

سيبقى متعدد الأقطاب لفترة موقتة ويدار بواسطة عشر قوى إقليمية

ربما يحتاج العالم في مثل هذه الأوقات، إلى شخوص بوزن جاك أتالي، حال أردنا فهم أبعاد ما يجري من تغيرات جذرية، سياسية واقتصادية، أمنية واجتماعية، في عالم يموج بتغيرات جيوبوليتيكية، مع عدم القدرة على توقع المستقبل، الذي يبدو ضبابياً في كل الأحوال.

يصعب على المرء أن يصنف أتالي المولود في الجزائر في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) من عام 1943، فهو الكاتب والمفكر والمنظر السياسي من جهة، وهو كذلك الكاتب العلامة الاقتصادي والمستشار للرئيس الفرنسي فرانسوا ميتران، كما كان أتالي أول من ترأس البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في 1991-1993.

ولعل من ثقة الفرنسيين في أتالي، بحلول عام 1997، وقف على أفكار الإصلاح التعليمي لفرنسا، بخاصة درجات التعليم العالية.

رؤى أتالي لا تتوقف عند حدود جانب واحد من جوانب المعرفة، فهو صاحب القدرة على تبيان توجهات العالم في الـ50 سنة المقبلة، ورؤاه عن قوى السوق والعولمة مثيرة للتفكير والنقاش، وهو عينه القادر على مساءلة أيقونات حروب قادم العقود لا سيما المياه والنفط، أما عن التحدي البيئي فحدث ولا حرج عن دواعيه لقلق سكان الكوكب الأزرق، من التغيرات الإيكولوجية التي تضرب جنبات البشرية بقوة في حاضرات أيامنا.

أتالي في عمر الثمانين

ما الذي تحمله جعبة حياة هذا المفكر العميق، التي نتذكرها سوياً على بعد أسابيع قليلة من عقده الثامن؟، قبل بضعة أعوام صنفت مجلة “فورين بوليسي” الأميركية العريقة، أتالي، كواحد من أهم 100 مفكر حول العالم، وذلك ليس لأنه من أهم من مارسوا فعل الثقافة كاتباً وباحثاً وروائياً فحسب، بل لأنه أيضاً شغل مناصب عالمية جعلته مرجعاً للدول والرؤساء، وكذلك للمنظمات الدولية الأممية.

انشغل أتالي من شعر رأسه إلى أخمص قدميه بحال العالم الذي يبدو أنه يعيش فوضى غير مسبوقة في الآونة الأخيرة، تتقاطع فيها خطوط السياسة بالاقتصاد والعسكرية بالثقافات، ولهذا نراه متسائلاً من جديد عمن سيتمكن من تقييم الإمكانات الهائلة لكل الثقافات. وهل يتوجب ترك الأديان تهيمن على العالم أم تسليم قيادة الإمبراطوريات للأسواق، أم رده إلى القوميات وصرعة غلق الحدود بينها؟

يخبرنا أتالي أنه يوماً ما ستدرك الإنسانية أن من صالحها التحلق حول حكومة ديمقراطية تتولى أمل العالم كله، متجاوزاً بذلك مصالح أكثر الأمم قوة ومقدرة.

أتالي يتطلع إلى حكومة تحمي مصالح الإنسانية جمعاء، ويدفعنا للحيرة حول ما إذا كان من الممكن أن تظهر هذه الحكومة يوماً ما قريباً.

أما الخوف الكبير فيتبدى من خلال ربطه بين ظهور هذه الحكومة، وحدوث كارثة عالمية غير متوقعة، تدفع الجميع للتفكير في الصالح العام، بعيداً من كافة أنواع المحاصصات، سواء كانت عرقية أو عقدية.

ويطرح أتالي السؤال المثير، ذاك الذي لم تنفك شعوب العالم تطرحه، “من يحكم عالمنا المعاصر؟، بحسب مفكرنا الفرنسي الثمانيني، فإن الإنسان تساءل منذ زمن عمن يسوس العالم ويمسك بمقاليده، وقد تخيل في بادئ الأمر أن الآلهة تحكم الطبيعة، وأنه حيال ذلك لا يملك شيئاً، ثم ادعى بعد ذلك شخوص وكهان وعسكر وأوليجاركية الهيمنة على أجزاء من العالم، على عوالم متفرقة، ثم على العالم كله، وسعى جميعهم لغزوه بالدين والعقيدة تارة، وبالقوة والسطوة العسكرية تارة أخرى، وبهيمنة السوق مرة ثالثة.

أميركا أم الصين لقيادة العالم؟

في مؤلفه القيم “غداً من سيحكم العالم”، يجد القارئ ذاته أمام التساؤل الذي يتردد على الألسنة بقوة في العقدين الأولين من القرن الـ21، “من الذي سيحكم العالم في العقود المقبلة، أميركا أم الصين؟”

لا يتوقف أتالي عند هذه الحدود، بل يتجاوزها إلى بعض الأفكار التي تبدو اليوم غير واقعية، لكن من يدري ماذا سيحدث غداً.

من تلك الأسئلة، “هل يمكن أن نشهد تحالفاً أميركياً صينياً للسيطرة على بقية أرجاء العالم؟ أم ستقوم الصين بالأمر وحدها؟”

والشاهد أنه إذا كان العالم قد بدأ أخيراً في فتح أعينه على الهند، ودورها المتنامي، فقد كان أتالي من أوائل من تكلموا عن الآمال والأحلام الهندية المقبلة حكماً في الطريق.

ولأنه مفكر إشكالي، فقد ناقش بعمق أبعاد الدور الأوروبي الذي يحدوه الأفول أخيراً، على رغم تراث أوروبا الإنساني الذي لا يزال العالم ينهل منه.

وبجانب ما تقدم، فقد فتح أتالي الباب واسعاً لنقاشات حول دور الشركات والمؤسسات المتعددة الجنسيات والعابرة للحدود، وما يمكن أن تقوم به في أزمنة تلاشت فيها المسافات، وانطوت عبرها المسافات.

في جوابه، يرى المفكر الفرنسي أن العالم لن يحكمه أي من الطرفين المشار إليهما، أميركا والصين، حتى وإن بقيت الولايات المتحدة على ما بها من السطوة والقوة، ومهما أصبحت الصين على قدر من القوة الاقتصادية أول الأمر، وعسكرياً تالياً.

هل من حاجة لحكومة عالمية؟

والشاهد أنه إذا كان حال العالم سيمضي على هذا النحو المتشظي، فما الذي يمنع إذاً من نشوء وارتقاء حكومة عالمية، لا سيما في ظل عدم قدرة السوق العالمية على بلورة رؤية موحدة من العدالة الاجتماعية، بل عوضاً عن ذلك تسود التفاوتات الطبقية والعرقية، وتنشأ الحروب وتسود القلاقل.

يأخذنا أتالي لمفهوم القانون الأممي ومن يمتلك المقدرة على تطبيقه، وهل تطبيقه يحتاج لقوة الأخلاق أم لقوة الضبط والبطش التي ترتكن عادة للجيوش والأنظمة ذات القبضة الحديدية؟

يقطع المفكر الفرنسي بأنه لن يتسنى لإمبراطورية أو سوق السيطرة على المشكلات الهائلة التي سيكون على العالم مجابهتها، مما قد يتطلب حكومة عالمية تأخذ شكلاً أقرب ما يكون للأنظمة الفيدرالية المعروفة حالياً.

يعتبر رجلنا أن الاتحاد الأوروبي يشكل بما لا يدع مجالاً للشك، أفضل مختبر لذلك، والتكليفات المنوطة بهذه الحكومة المرتقبة هي من ناحية، إدارة المصالح العامة لكوكب الأرض، ومن ناحية أخرى التأكد من احترام كل أمة لحقوق كل مواطن ينتهي للإنسانية، أما حكومات الأمم فيكون المشترك بينها التأكد من احترام القوانين الخاصة بشعوبها وحماية ثقافاتها.

هل من موعد لظهور هذه الحكومة العالمية التي يحلم بها أتالي؟، عنده أن توقيت ظهور هذه الحكومة سيكون ولا شك عقب فوضى اقتصادية ونقدية وعسكرية وبيئية وديموغرافية، بل أخلاقية وسياسية عارمة، وهناك احتمالات ضعيفة أن تظهر إلى الوجود تداركاً لحدوث هذه الفوضى، ومن ثم تبدو للعيان باعتبارها علاجاً لصدمة ويتوقع البعض أن يكون ظهور هذه الحكومة متدرجاً في خضم الفوضى، من طريق تراكم وتداخل شبكات عدة تنسجها دول ومؤسسات ونقابات وأحزاب سياسية ومنظمات غير حكومية وأفراد.

لكن الخوف من أن تضحى مثل هذه الحكومة العالمية شمولية، وقد تتسم بنوع من أنواع الديمقراطية، وفقاً للطريقة التي سترمي بها ركائزها، ومن هنا تظهر أهمية سرعة التفكير في أمرها قبل أن يدركنا الوقت ويصبح أحد تروسها.

مستقبل العالم 2050-2100

“يتقرر اليوم ما سيكون عليه العالم في 2050، كما يجري الإعداد لما سيكون عليه عام 2100، وبحسب النهج الذي سننهجه سيتحدد ما إذا كان أطفالنا وأحفادنا سيعيشون في عالم قابل للحياة أم سيعانون جحيماً مقيتاً، ولكي نترك لهم كوكباً يمكن الحياة فيه، علينا أن نتحمل مشقة التفكير في المستقبل، وأن نفهم ما مصادره، وكيف نتعامل معه، وهذا أمر ميسور، فالتاريخ يخضع لقوانين تسمح بالتنبؤ به وتوجيهه”.

بهذه الكلمات استهل أتالي سطور كتابه العمدة “قصة موجزة عن المستقبل في عام 2050″، وفيه يروي قصة الـ50 عاماً الأولى من القرن الـ21″، كما يمكن لنا أن نتخيلها اعتماداً على ما نعرفه اليوم من تاريخ ومن علوم.

أتالي الاستشرافي، يكشف لنا الطريقة التي ستتطور بها الصلات بين الأمم التي تخضع لتغيرات ديموغرافية، وتحركات سكانية، وتعديلات في العمل، وما يطرأ على قضايا الإرهاب والعنف والتغيرات المناخية، عطفاً على سياقات التسلط المتنامي للدين وتأثير كل ذلك في حياتنا اليومية، لا سيما الاقتصادية، وأخيراً تظهر إمكانية القضاء على الفقر واستمتاع كل فرد بالتساوي بخبرات التكنولوجيا والحفاظ على حرية تجاوزاته الخاصة مثل تجاوزات أعدائه، وأن يترك للأجيال المقبلة بيئة أفضل، وأن يقوم بخلق طرائق جديدة للحياة والإبداع المشترك قائمة على كل حكمة العالم.

يجمع أتالي في كتابه بين الاقتصاد والسياسة والرؤية الاستشرافية، ويؤكد أن نصف القرن المقبل سيشهد تغيراً في كل شيء، وفي اتجاهات متعددة، وهذا أمر ظاهر الوضوح للعيان.

هذه التغيرات تبدأ في واقع الأمر بانقلاب سكاني، ففي 2050 سيصل تعداد سكان الأرض إذا لم تحدث كارثة هائلة إلى تسعة مليارات ونصف المليار نسمة، أي بزيادة مليار ونصف المليار عن تعدادهم اليوم، كما سترتفع توقعات الأعمار بالنسبة إلى الفرد في البلدان الغنية بما يقارب 100 عام للفرد، وسوف تركد معدلات الوالدة في هذه البلدان إلى ما يقارب حدها الأدنى، وبالنتيجة شوف تشيخ الإنسانية.

السوق تهزم أميركا

ضمن القراءات الاستشرافية التي يقدمها أتالي، هناك نصيب واسع للولايات المتحدة، إذ يؤكد أنه خلال عام 2035، وفي نهاية معركة كبيرة أو ربما في قلب أزمة بيئية كبرى، ستنهزم الولايات المتحدة، التي ستكون إمبراطورية مهيمنة لا تزال، وذلك بواسطة عولمة السوق المالية، وستسقط أمام قوة المشاريع الخاصة، وعلى الأخص شركات التأمين.

وشأنها شأن الإمبراطوريات التي سبقتها، ستتوقف الولايات المتحدة عندئذ عن إدارة العالم، لا سيما بعد أن تتغير موازينها المالية، ومقدراتها السياسية، لكن ذلك لن يعني اختفاءها من فوق سطح البسيطة دفعة واحدة، بل ستظل القوة الرئيسة في الكوكب، ولن تحل محلها إمبراطورية أخرى، ولا أمة مهيمنة أخرى.

هل هذه قراءة واقعية لعالم متعدد الأقطاب؟

غالب الظن أن ذلك كذلك، إذ سيصبح العالم على نحو موقت متعدد الأقطاب، يدار بواسطة عشر قوى إقليمية.

وبحلول عام 2050، ستنتقل السوق لطبيعتها العابرة للحدود، نحو الديمقراطية المحصورة مؤسسياً في إقليم، وستضعف الدول، كما ستعمل تقنيات جديدة “نانومترية”، على خفض استهلاك الطاقة، على تغيير أوضاع الخدمات الأساسية التي تكون ما زالت بعد عامة، كالصحة والتعليم والأمن والسيادة، وستظهر سلع استهلاكية مهمة يدعوها “أتالي” سلعاً رقابية، تمكن من القياس والتحكم في الامتثال للقواعد، إذ سيصبح لكل فرد طبيب نفسه ومعلمه ومراقبه.

وسيصبح الاقتصاد شيئاً فشيئاً مقتصراً في الطاقة والمياه، وتصبح المراقبة الذاتية هي الشكل المتطرف للحرية، ليكون الخوف من عدم الامتثال للقواعد هو الحد الذي يلتزمه الأفراد، عندئذ تصبح الشفافية واجباً، فأي شخص لا يرغب في إشهار انتمائه أو أخلاقه أو حالته الصحية أو تأهيله سيكون بالأحرى مشتبهاً فيه، ستعطي الزيادة المتعاظمة في مدى العمر للمسنين إمكانية الاقتراض، وسوف تتلاشى الدول أمام المشاريع الخاصة والمدن، لا سيما ذات الأبعاد التكنولوجية المثيرة منها.

صرخة الطبيعة بحلول 2030

اعتبر أتالي ولا يزال أحد أهم المفكرين الذين أطلقوا تحذيرات مبكرة من التغيرات الإيكولوجية التي تعتري الكوكب الأزرق. طرح أتالي علامة استفهام جوهرية، “هل يمكن للبشرية مواجهة ما يجري على سطح الكوكب الأزرق، وقبل أن تندثر الثدييات كافة؟”

يفتح أتالي الأذهان على حقائق مرتبطة بحدوث الانقراض الكثيف للفصائل والأنواع الحية، وعنده أن تلك المرحلة حدثت بالفعل في تاريخ البشر بسبب هدم وتدمير الأنشطة الإنسانية للأنظمة البيئية، وانتشار الميكروبات والفيروسات، والزج العفوي أو غير المحسوب بفصائل وأنواع إلى بيئة جديدة وكذلك الاحترار المناخي.

تبدو الإحصاءات البيئية التي يقدمها جاك أتالي في كتاباته مثيرة للقلق، وتظهر مهارته المعرفية والبحثية في الغوص بعيداً وقريباً، فكما أرخ لملايين من السنين، وما جرى في الحقب الجيولوجية الغابرة، يقترب أيضاً من 500 عام مضت، إذ يرصد اختفاء عدد من فصائل الثدييات المحصاة، تكاد تصل إلى خمسة آلاف نوع وفصيلة، في مقابل ما يقل عن انقراضين كانا يحدثان من قبل كل مليون عام… ماذا يعني ذلك؟

يعني أنه بالإيقاع الحالي يتوقع أن يختفي أكثر من ثلاثة أرباع فصائل الثدييات خلال 350 عاماً، وأن ينقرض ثلاثة أرباع الضفدعيات خلال 250 عاماً.

ماذا عن المستقبل القريب، وما تحمله لنا الطبيعة من مخاوف؟

يرصد أتالي السنوات القليلة المقبلة، ويلاحظ أنه بحلول عام 2030، أي خلال سبع سنوات، ستزيد انبعاثات الاحتباس الحراري بنسبة 37 في المئة عما هي عليه الآن، ويحذر من أنه إن لم ينخفض مستوى تلك الانبعاثات إلى طنين ونصف لكل نسمة (تبلغ اليوم تسعة أطنان في فرنسا وثلاثة وعشرين طناً في الولايات المتحدة، على سبيل المثال)، فإن متوسط حرارة كوكب الأرض سيزيد من 1.7 إلى 2.4 درجة مئوية، ويعقب ذلك الارتفاع، عواصف وجفاف وفيضانات تؤدي إلى تحركات مئوية مما يستبعد معه بقاء البشرية على قيد الحياة.

عالم نحو النمو أم الفوضى؟

هل من حقيقة مؤكدة لعالمنا المعاصر كما يراه ” جاك أتالي”؟

الحقيقة التي تتكشف من خلال سطور كتابات هذا المفكر الفرنسي الكبير، هي أننا اليوم بين شقي رحى، بين نمو عالمي متزايد وفي الوقت نفسه على حافة الفوضى العارمة، إدراكنا للمستقبل والطريقة التي ينبغي لنا بها السيطرة عليه، (وفي هذا قولان) سيترتب بشكل كبير على هذا التاريخ الطويل.

هنا تعود التساؤلات… من يمكنها أن تصبح غداً القوة الفائقة الجديدة؟ من ذا الذي يمكنه أن يحوز كل الإمكانات الاقتصادية والعسكرية والمالية والديموغرافية والثقافية والأيديولوجية لحكم العالم؟ ومن ذا الذي تهفو نفسه إلى ذلك؟ هل يمكننا كما سبق لكثيرين في السبعينيات أن يعيد تشخيص تواري الولايات المتحدة وتراجعها؟ ولصالح من يخفت تأثيرها؟ من سيكون بوسعه التصدي لما يحمله الغد من رهانات كوكبية؟، وهل يمكن لتاريخ الألفيات الثلاث الماضية مساعدتنا للإجابة عن هذه الأسئلة تحسباً لما سيحدث في العقود الثلاثة المقبلة؟

إذا كان التاريخ ينحو إلى تكرار نفسه فأمامنا وقت طويل ستبقى فيه الولايات المتحدة القوة العسكرية والتقنية والمالية والسياسية والثقافية الأولى في هذا الكوكب، وهذا لا يتنافى مع إمكانية وجود تراجع في الأقل في القيمة النسبية.

قلب العالم إلى أين يتحرك؟

يمكن تشبيه المفكر الفرنسي جاك أتالي بذبابة سقراط، تلك التي تحوم حول البشر، تدفعهم للتحرك والتفكر، لا سيما إذا كان الأمر موصولاً بركائز جوهرية للعالم المقبل، الذي يحاول بوصفه استشرافياً تقدمياً، بلورة حاله ومآله، ومن بين الأسئلة المعمقة التي يطرحها أتالي، سؤاله عن قلب العالم وإلى أين يتحرك؟

يبدو هذا السؤال جوهرياً في غاية الأهمية، وربما سنرى للمرة العاشرة أن هناك “مركزاً” سيضحى “قلب العالم، وسيفرض حكومته مثلما فعل ذلك من قبل الهولنديين والفلمنك وسكان البندقية وجنوه والإنجليز والأميركيين.

 هذا المركز لم يتحدد بعد وما إذا سيكون أميركياً أو صينياً أو هندياً أو أوروبياً، وهذا لا يعني على الإطلاق أنه سيكون بوسعه حكم العالم.

يخلص أتالي في تحليله إلى أن التاريخ لن يكرر السيناريو ذاته، لن يتسنى لقوة ما بعينها أن تضحى قادرة على إدارة شؤون الكون، ولن توجد واحدة باستطاعتها الاضطلاع بهذه المهمة الثقيلة، لن تكون الولايات المتحدة حاكمة العالم ولن تملك الصين لا السبيل إلى ذلك ولا الرغبة فيه، وكذلك الحال بالنسبة إلى أوروبا ومجموعة العشرين، ثنائية مكونة من الولايات المتحدة والصين ستحل تدريجاً محل انفراد الولايات المتحدة بهذه السطوة الهائلة، من دون أن تملك إزاحتها من المشهد، أو أن تحكم العالم، لا أحد باستطاعته التصدي للمشكلات الجهازية التي تلوح في الأفق.

اندبندنت عربية

nexus slot

garansi kekalahan 100