نتن.ياهو يتعهد بتغيير الشرق الأوسط.. لكنه تغير بالفعل

توعد رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بتغيير الشرق الأوسط ردا على الهجوم الذي نفذته حركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر/تشرين الأول الجاري. ربما يُخطط نتنياهو بالفعل لحرب مدمرة على قطاع غزة بهدف إنهاء وجود حركة حماس وفصائل المقاومة الأخرى. وربما يطمح أيضا إلى دفع الولايات المتحدة إلى الانخراط في حرب واسعة النطاق في المنطقة بهدف إسقاط النظام في إيران وتدمير حزب الله في لبنان.

إرسال الولايات المتحدة حاملة الطائرات “جيرالد فورد” إلى البحر المتوسط، وإن كان يهدف بدرجة أساسية إلى تحذير طهران وحلفائها في المنطقة من الانخراط في الحرب، يُشير إلى أن سيناريو من هذا القبيل يتم الاستعداد له بجدية في واشنطن. بمعزل عما يُمكن لإسرائيل والولايات المتحدة فعله لإعادة ترميم مفهوم الردع الإسرائيلي المنهار أو تغيير وجه المنطقة، إلا أن الشرق الأوسط تغيّر بالفعل منذ ما قبل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول. كما أن هذا الهجوم لم يكن سوى الانعكاس الأكثر وضوحا لتحولات الصراع الفلسطيني الإسرائيلي والسياق الإقليمي المؤثر عليه.

في ظل الحكومة الحالية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وصلت الغطرسة إلى حد الاعتقاد بقدرة إسرائيل على زيادة النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وإعلان السيادة على المستوطنات بحد أدنى من العواقب.

مع أن جانبا أساسيا من العوامل التي تسببت في جعل هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول زلزالا أمنيا في إسرائيل يرجع إلى الإخفاق العسكري والاستخباراتي الإسرائيلي الذريع في التوقع المسبق له والتعامل الفوري معه، وأيضا إلى القدرة الهائلة التي أظهرتها حركة حماس في التخطيط والتنفيذ، إلا أن هذا الزلزال سبقه الكثير من الهزات على مدى سنوات طويلة من الصراع.

لقد أمضى نتنياهو ما يقرب من عقد ونصف من قيادته لإسرائيل في حصار غزة وتقويض قدرة فصائل المقاومة الفلسطينية فيها على تشكيل تهديد كبير لإسرائيل. وكان يطمح عموما إلى إضعاف تأثير غزة في معادلة الصراع ككل. لهذه الغاية أيضا، شنت إسرائيل حربا مدمرة على لبنان في 2006 لتدمير حزب الله، لكنّها أخفقت في ذلك.

أثبتت الطريقة المذلة التي هزت فيها حماس مفهوم الردع الإسرائيلي أن إستراتيجية نتنياهو كانت مُجرد سراب. إذا كان هناك من عامل آخر رئيسي ساهم في النكسة الإسرائيلية في السابع من أكتوبر/تشرين الأول غير نجاح حماس، فهو الغطرسة الإسرائيلية التي أوهمت إسرائيل أن تفوقها العسكري الكاسح يساعدها في إخضاع حالة المقاومة الفلسطينية المسلحة لعقود طويلة إضافية وربما إلى الأبد، والتغول في سياسات التهويد والاستيطان في القدس والضفة الغربية وتدمير فرص حل الدولتين بحد أدنى من العواقب.

لقد نجحت الغطرسة الإسرائيلية في تقويض فرص السلام العادل والشامل. كما ساعدت إسرائيل بعد الانتفاضة الفلسطينية الأولى في التنصل من التزاماتها بخوض مفاوضات مع السلطة الفلسطينية حول قضايا الوضع النهائي التي كان من المفترض أن تؤدي إلى سلام شامل يقوم على حل الدولتين.

في ظل الحكومة الحالية الأكثر تطرفا في تاريخ إسرائيل، وصلت الغطرسة إلى حد الاعتقاد بقدرة إسرائيل على زيادة النشاط الاستيطاني في الضفة الغربية وإعلان السيادة على المستوطنات بحد أدنى من العواقب بعدما حصلت مسبقا على جرعة إضافية من قرار الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب الاعتراف بالقدس عاصمة لإسرائيل، فضلا عن دخول عدد من الدول العربية في اتفاقات تطبيع مع إسرائيل. مع ذلك، كانت عملية “سيف القدس” التي أطلقتها المقاومة الفلسطينية في عام 2021 بمثابة تحذير واضح لإسرائيل بأنها لا تزال قادرة على قلب المعادلات العسكرية والسياسية للصراع. ولم يأخذ القادة الإسرائيليون نتائج عملية “سيف القدس” على محمل الجد لأن الغطرسة الإسرائيلية أوقعتهم في الغالب في فخ الاعتقاد بأنهم لا يزالون قادرين على الاحتفاظ بمفهوم الردع الإسرائيلي.

إن إخفاق أكثر من عقد ونصف من إستراتيجية الحصار على غزة في احتواء المقاومة المسلحة إلى جانب التحولات التي أحدثتها كل من عملية “سيف القدس” وعملية “طوفان الأقصى” على مسار الصراع، يقودان إلى حقيقة أن المعادلات الجديدة في الصراع بدأت تنمو بالفعل منذ إخفاق أول حرب إسرائيلية على القطاع بعد الحصار. وقد يرى نتنياهو اليوم في حرب برية شاملة على قطاع غزة فرصة لتدمير حالة المقاومة المسلحة، لكنّ أيا من هذا لن يحصل على الإطلاق في أسوأ الأحوال. لا بل إن التكاليف المنتظرة على إسرائيل من حيث الإخفاق الإستراتيجي والخسائر العسكرية الباهظة قد تكون أكبر عليها من تكاليف هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

لقد أثبتت الغطرسة الإسرائيلية في التعامل مع غزة أنها قادرة على التدمير وإحداث حمام من الدماء للفلسطينيين فقط، لكنّها لم تنجح قط ولن تنجح في إنهاء حالة المقاومة في القطاع. وفي الواقع، تنظر حماس وفصائل المقاومة الأخرى إلى اجتياح بري لغزة على أنّه فرصة لتعزيز انهيار مفهوم الردع الإسرائيلي في التعاطي مع القطاع. وعلى الأغلب، سيسعى حزب الله إلى الانخراط بقوة في الحرب إذا ما رفع نتنياهو سقف رهاناته.

في السياق الإقليمي والدولي المؤثر على الصراع الفلسطيني الإسرائيلي، لم يكن هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول إلا انعكاسا واضحا لتحولات هذا السياق. فالولايات المتحدة، التي عمل تحالفها الإستراتيجي مع إسرائيل ووجودها العسكري القوي في الشرق الأوسط كضمانة لأمن إسرائيل منذ نشأتها، لم تعد تنظر إلى بقائها في الشرق الأوسط على أنه مصلحة لها. كما أن الانسحاب الأميركي المذل من أفغانستان أظهر تراجع مكانة الولايات المتحدة كقوة عالمية مهيمنة.

ومع أن هذه النظرة تعززت بشكل أوضح في ظل إدارة الرئيس جو بايدن، إلا أنها بدأت تجد صدى لها في الواقع منذ إدارة باراك أوباما.

وقد أعطى تردد أوباما في التدخل في الصراع السوري في عام 2011 وإعلانه عزم الولايات المتحدة الانسحاب من العراق في نفس العام ثم إبرامه صفقة نووية مع طهران بعد 4 سنوات؛ رسالة واضحة لإيران بأنها قادرة على تغيير الشرق الأوسط. حتى في ظل إدارة الرئيس دونالد ترامب التي تبنت نهجا متشددا إزاء طهران وساعدت إسرائيل في الخروج من عزلتها الإقليمية، لم تفعل الكثير لإثبات أن الحضور الأميركي في الشرق الأوسط سيبقى قويا. باختصار، بدأ الشرق الأوسط يتغير بالفعل مع بدء تراجع التأثير الأميركي في المنطقة.

حقيقةَ أنّ مشروع التطبيع الجديد الذي تسعى له الولايات المتحدة بين إسرائيل والسعودية أضحى بعد تحولات السابع من أكتوبر/تشرين الأول مُجمدا بانتظار ما ستؤول إليه المواجهة الحالية؛ تُظهر أن السياق الإقليمي للصراع الفلسطيني الإسرائيلي عاجز في التأثير الجوهري على ديناميكيته بدون الأخذ بعين الاعتبار المصالح الأساسية للقضية الفلسطينية. وعادة ما تولد الحروب الكبرى تسويات كبرى. وهذا بالضبط ما يُمكن أن تؤدي إليه المواجهة الحالية إذا ما توسعت إلى حرب مُتعددة الأطراف. وهذه النتيجة هي وحدها من ستجعل الشرق الأوسط مختلفا جذريا عما عاصرنا لعقود طويلة.

nexus slot

garansi kekalahan 100