وثائق مسربة تكشف تورط وكالة “رويترز” في الانقلاب العسكري بمصر

نشر موقع “ذا غراي زون” الأمريكي تقريرا تطرق فيه إلى وثائق مسرّبة كشفت أن وكالة “رويترز” عملت كقناة لوزارة الخارجية البريطانية لتمويل منفذ إعلامي مصري بشكل سري ساهم في الإطاحة بأول زعيم منتخب ديمقراطيًا في البلاد، الرئيس محمد مرسي.

وقال الموقع، في تقريره الذي ترجمته “عربي21″، إن أول زعيم منتخب ديمقراطيًا أطيح به  وقُتِل أنصاره بالمئات ليتوفى في النهاية في السجن.

وبدعم من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة، سارع السيسي إلى تقويض المكاسب الديمقراطية المؤقتة التي تم تحقيقها خلال فترة الانتقال القصيرة والصعبة للبلاد من حكم الرئيس الأوتوقراطي حسني مبارك المدعوم من الغرب منذ فترة طويلة.

في العقد الذي أعقب الانقلاب، سحقت حكومة السيسي بشكل منهجي المعارضة بحظر الأحزاب السياسية ووسائل الإعلام الناقدة بشكل جماعي، مع تعرض النشطاء والصحفيين والجهات الفاعلة في المجتمع المدني للهرسلة والتعذيب والسجن، لتتحول السجون إلى بؤر للعنف الجنسي المنهجي وغيره من الانتهاكات المروعة.

وذكر الموقع أنه تم توثيق ظروف الإطاحة القسرية بمرسي وتراجع مصر إلى واحدة من أكثر الدول قمعية على وجه الأرض في ظل حكم السيسي رغم فرار العديد من المنظمات غير الحكومية والمنافذ الإخبارية من البلاد خلال السنوات الأخيرة. ومع ذلك، هناك عنصر حاسم في السجل التاريخي لم يتم الكشف عنه حتى الآن.

كشفت وثائق مسربة استعرضها موقع “ذا غراي زون” أن وكالة “رويترز” الإعلامية تعاونت بشكل وثيق مع وزارة الخارجية البريطانية لقيادة الأحداث المصيرية في الثالث من شهر تموز/ يوليو 2013.

جواسيس بريطانيون يُبرمون صفقة سريّة مع وكالة “رويترز”.

في أعقاب الثورة المصريّة في شباط/ فبراير 2011، سادت الفوضى في كل مكان. طُرحت تساؤلات حول المسار الذي يجب أن تسلكه الدولة، وما إذا كانت ستجرى انتخابات حرة في النهاية، ومتى ستعقد ومن سينتخب الشعب للمضي قدمًا. ولكن الإجابة لم تكن واضحة على الإطلاق.

كانت الاحتجاجات واسعة النطاق ضد الإدارة العسكرية المؤقتة بعد رحيل مبارك حدثًا شبه يومي، واندلعت أيضا اشتباكات عنيفة وأحيانًا مميتة بين المتظاهرين وقوات الأمن. وقام المتظاهرون بنهب واحتلال مكاتب قوات الشرطة المحلية وأجهزة المخابرات، وهاجموا السفارات الأجنبية، وأضرموا النار في المباني الحكومية.

في ظل هذه الاضطرابات، استعدّت مصر لأول انتخابات برلمانية حرة في تشرين الأول/ أكتوبر 2011.

ورغم ترحيب العديد من المواطنين بالانتخابات، إلا أن المسؤولين في جميع أنحاء الغرب كانوا قلقين علانية من انتصار جماعة الإخوان المسلمين واتباعها مسارًا مستقلًا. ظهرت مثل هذه المخاوف بشكل خاص في بريطانيا، المستعمر السابق للقاهرة وأكبر مستثمر فيها اليوم.

أشار الموقع إلى أن مؤسسة “تومسون رويترز” أطلقت موقع “أصوات مصرية” المستقل ظاهريًا لتغطية الشؤون المصرية. ودون علم الجمهور المصري، تم تمويل هذا المنفذ الإعلامي بالكامل من قبل وزارة الخارجية البريطانية. وبحلول الوقت الذي أُغلق فيه موقع “أصوات مصرية”، ضخت لندن مليوني جنيه إسترليني في المبادرة.

وورد في وثيقة مسربة تابعة لمؤسسة “تومسون رويترز” – وهي الذراع الخيرية لوكالة الأنباء الدولية “رويترز” – أن موقع “أصوات مصرية” أصبح مؤسسة إعلامية محلية رائدة ومستقلة في مصر حتى إغلاقه. وتم عرض محتواه للتداول المجاني في جميع أنحاء المنطقة. وفي سنة 2016، أصبح الموقع واحدا من أكثر 500 موقع ويب الأكثر زيارة في مصر.

وأشار الموقع إلى أن مكتب “رويترز” في القاهرة قدّم “كشوف المرتبات والموارد البشرية والدعم الأمني” لموقع “أصوات مصريّة”، وقد تمركز المنفذ الإعلامي هناك طوال مدة نشاطه. ويشير ملف تعريف على الإنترنت تم حذفه منذ ذلك الحين إلى تدريب 300 مصري من خلال المشروع، وهو جيش حقيقي من الصحفيين يُنتج أكثر من 300 قصة كل أسبوع باللغتين الإنجليزية والعربية يُعاد تداولها من قبل أكثر من 50 منفذًا إعلاميًا في جميع أنحاء العالم، بما في ذلك وكالة “رويترز”.

وحسب الموقع، كانت دوافع لندن الرئيسية لإطلاق موقع “أصوات مصرية” واضحةً. فإنشاء منصة إخبارية محلية في مصر منح وزارة الخارجية درجة لا مثيل لها من السيطرة السردية على أرض الواقع في ظل الأحداث الجارية في مصر، وذلك على الصعيدين المحلي والدولي. ويُذكر أن المخابرات البريطانية تمتلك سجلاً طويلاً في تمويل المنافذ الإخبارية في الخارج لهذا الغرض المحدد – بما في ذلك “رويترز”.

ورد في ملف وزارة الخارجية الذي رُفعت عنه السرية أن “هناك سببًا للاعتقاد أن “رويترز” تتقبل فكرة أنه سيتعين عليها تقديم شيء ما في المقابل. ما قد تؤمّنه المخابرات البريطانية في الواقع هو فرصة التأثير إلى حد ما على إنتاج “رويترز” بأكمله. هناك فرصة لتطوير علاقة مع “رويترز” لذلك يجب أن يخدم الترتيب الجديد المصالح البريطانية بشكل جيّد”.

“رويترز” تضخم أعداد المحتجين تحت قيادة الجيش
في أواخر سنة 2012، أصدر مرسي مرسومًا دستوريًا تمتع بموجبه بصلاحيات تنفيذية شاملة، مما أدى إلى اندلاع احتجاجات ضيقة النطاق. لكن موقع “أصوات مصرية” قاد حملة إدانة على هذا المرسوم وصوّره على أنه مخطط من قبل الرئيس – وبالتالي جماعة الإخوان المسلمين – للسيطرة الكاملة والدائمة على جميع فروع الحكومة المصرية.

وأشار الموقع إلى أن هذا الإجراء كان من المقرر أن يستمر لمدة ثلاثة أسابيع فقط، وتم إصداره بسبب السلطة القضائية القوية والمسيّسة بشدة في القاهرة التي حاولت مرارًا وتكرارًا إعاقة التحول الديمقراطي في مصر. وبحلول ذلك الوقت، كان القضاة قد أقالوا بالفعل أوّل جمعيّة دستورية في البلاد وانتخبوا برلمانًا مرة واحدة، وهددوا بفعل ذلك مرة أخرى لأن مشروع الدستور الجديد للبلاد قوّض بشدة القوة العسكرية في السياسة. ولكن الخوف الذي تنشره وسائل الإعلام مثل موقع “أصوات مصرية” ووسائل الإعلام الغربية حرّض حشود المتظاهرين على العودة إلى الشوارع.

على الرغم من تحرّك مرسي لإجراء انتخابات برلمانية جديدة واستفتاء على الدستور الجديد، إلا أن التغطية السلبية للإعلان وقلة التظاهرات أقنعت السياسيين المعارضين بالبدء في عقد اجتماعات سرية مع قادة الجيش ومناقشة سبل عزل الرئيس، وذلك حسب ما ذكرت صحيفة “وول ستريت جورنال”.

وفي نيسان/ أبريل 2013، ظهرت فجأة مجموعة شبابية غامضة تدعى “تمرد” لجمع التوقيعات التي تطالب بعزل مرسي بحلول 30 حزيران/ يونيو. وفي غضون ذلك، طالب قادة المعارضة بمظاهرات حاشدة في جميع أنحاء مصر، وخاصة أمام القصر الرئاسي. وقد منح موقع “أصوات مصرية” الحركة الجديدة تغطية شاملة. وبينما أشارت استطلاعات الرأي المعاصرة إلى أن 53 بالمئة من الجمهور يؤيدون الرئيس مرسي، مثّل هذا المنفذ منبرًا للمعارضة.

بحلول 30 حزيران/ يونيو، امتلأت شوارع القاهرة وغيرها من المدن المصرية الكبرى بالمتظاهرين في حين رفض مرسي الاستقالة. قالت مصادر عسكرية لوكالة “رويترز” إن حوالي 14 مليون شخص أو ما يعادل 17 بالمئة من سكان البلاد قد خرجوا للتظاهر. ورغم إقرار وكالة الأنباء بأن الرقم “يبدو مرتفعًا بشكل غير معقول”، إلا أنها طمأنت القراء بأن الجيش “استخدم طائرات الهليكوبتر لمراقبة الحشود”.

أشار الموقع إلى أن المنافذ الإخبارية في جميع أنحاء العالم تناقلت مطالب المحتجين – بما في ذلك موقع “أصوات مصرية”. وقد استغل السيسي الاحتجاج الدولي والاضطرابات الداخلية للإطاحة بمرسي من السلطة، وتعليق الدستور الذي تم إقراره مؤخرًا. وواصل سياسيو المعارضة تضخيم العدد الإجمالي للمتظاهرين أكثر من أي وقت مضى، وقيل إن عددهم بلغ 33 مليونًا، وهو أعلى من إجمالي عدد المصريين الذين صوتوا لمرسي في المقام الأول.

وقد كشفت التحقيقات اللاحقة أن عدد المتظاهرين في الحقيقة كان يتراوح ما بين مليون أو مليوني متظاهر. وكشفت التسجيلات المسرّبة التي تم إصدارها في أعقاب الانقلاب لاحقًا أن حركة “تمرد” تلقت تمويلا من قبل الإمارات العربية المتحدة. كما أظهرت التسجيلات كيف أن كبار المسؤولين العسكريين ناقشوا علنًا استخدام الاحتجاجات للتخلص من مرسي.

موقع أصوات مصرية يُموّه واقع مصر السيسي
لم يذكر موقع “أصوات مصرية” ولا وكالة “رويترز” هذه الإفصاحات المفاجئة. وقد التزم موقع “أصوات مصرية” الصمت بشكل عام عندما سحقت قوات الأمن المصرية تحت قيادة السيسي في آب/ أغسطس 2013 المتظاهرين بوحشية في ميدان رابعة العدوية في القاهرة، مما أسفر عن مقتل 817 شخصًا على الأقل. ووصفت منظمة “هيومن رايتس ووتش” هذه المذبحة بأنها “ربما تكون أكبر عملية قتل جماعي للمتظاهرين في يوم واحد في التاريخ الحديث”.

وذكرت المنظمة أن “أفراد الشرطة والجيش هاجموا مخيم الاحتجاج المؤقت باستخدام ناقلات جند مدرعة وجرافات وقوات برية وقناصة وقتلوا المتظاهرين بالرصاص”. ومع ذلك، نشر موقع “أصوات مصرية” تحقيقا رسميا في المجزرة ألقى فيه باللوم على المتظاهرين أنفسهم، زاعما أنهم “شنوا” هجمات على قوات الأمن. وفي ظروف غامضة، تم حذف ادعاء منظمة العفو الدولية بأن التحقيق كان بمثابة تبييض منسق، تم إعداده خصيصًا لحماية قوات الأمن.

وبشكل متوقّع، أفاد الموقع بشكل غير نقدي بفوز السيسي “الساحق” في الانتخابات في أيار/ مايو 2014، عندما حصل على 96.91 بالمئة من الأصوات، ويرجع ذلك في جزء كبير منه إلى انسحاب معظم المرشحين الآخرين من السباق الرئاسي، أو سجنهم قبل يوم الاقتراع. وبحلول ذلك الوقت، كانت القاهرة قد انزلقت بالفعل إلى الديكتاتورية، وتسير نحو الحكم الاستبدادي في السنوات القادمة.

مع ذلك، لم ينعكس أي أثر لهذا الواقع على صفحات موقع “أصوات مصرية”. وفي تشرين الثاني/ نوفمبر 2016، أفاد الموقع بشكل غير نقدي بأن السيسي يشرح للمشرعين الأمريكيين أنه لا ينبغي النظر إلى حقوق الإنسان في مصر من “منظور غربي”، بسبب “اختلاف التحديات والظروف المحلية والإقليمية”.

وحسب الموقع، ازداد الوضع في مصر سوءًا بحلول سنة 2017 لدرجة أن وزارة الخارجية البريطانية لم تعد قادرة على تجاهله. وفي شباط/ فبراير من تلك السنة، صنّفت لندن القاهرة “دولة ذات أولوية لحقوق الإنسان”. وأشارت ورقة الحقائق المرفقة إلى أن “تقارير التعذيب ووحشية الشرطة والاختفاء القسري” قد زادت في السنوات الأخيرة، وكذلك القيود المفروضة على “المجتمع المدني” و”حرية التعبير”، في حين “تم تحجير السفر على عدد من المدافعين البارزين عن حقوق الإنسان”.

وبعد شهر، أُغلق موقع “أصوات مصرية” بشكل رسمي. وأشار بيان صحفي مصاحب إلى أن مؤسسة “تومسون رويترز” لم تتمكن من “العثور على مصدر مستدام لتمويل المنصة”. ومن غير المؤكد سبب توقف البريطانيين عن دعم هذا المنفذ الإخباري، على الرغم من أنه حقق بوضوح هدفه المتمثل في المساعدة في ضمان إقامة حكومة ودية ومرنة بشكل مناسب في القاهرة.

وعندما كشفت وسائل الإعلام البريطانية عن علاقة وكالة “رويترز” السرية التي تعود إلى حقبة الحرب الباردة مع المخابرات البريطانية في كانون الثاني/ يناير 2020، ادعى متحدث باسم وكالة الأنباء أن مثل هذا “الترتيب” “لا يتماشى مع مبادئ الثقة لديهم” و”لن يفعلوا ذلك اليوم”. وأضاف أن وكالة “رويترز” لا تتلقى أي تمويل حكومي، وتوفر أخبارًا مستقلة وغير متحيزة في كل جزء من العالم”. لكن ما تغاضت عنه رويترز أنه قبل ثلاث سنوات من ذلك كانت الوكالة قناةً لوزارة الخارجية البريطانية لتمويل منفذ إعلامي مصري ساهم في الإطاحة بأول حكومة منتخبة في تاريخ مصر.

nexus slot

garansi kekalahan 100