مئوية معاهدة لوزان: هل تنص على إعادة تركيا سيطرتها على الموصل وحلب عام 2023؟

يوم، 24 جويلية 2023، هو يوم الذكرى المئوية لمعاهدة لوزان التي تعدّ من أشهر الاتفاقيات التي عُقدت في القرن العشرين وأكبرها.

ما هي معاهدة لوزان؟

معاهدة لوزان هي معاهدة سلام تم التفاوض عليها لتسوية النزاعات بين الإمبراطورية العثمانية وبين التحالف بين الجمهورية الفرنسية والإمبراطورية البريطانية ومملكة إيطاليا وإمبراطورية اليابان ومملكة اليونان ومملكة رومانيا، وتم التوقيع عليها في قصر رومين في لوزان، سويسرا، يوم 24 يوليو 1923، وهي التي رسمت ملامح تركيا الحديثة بعد انهيار الإمبراطورية العثمانية إبان الحرب العالمية الأولى.

نصّت المعاهدة بشكلٍ رئيسي على استقلال جمهورية تركيا، ولكن أيضًا على حماية الأقلية المسيحية الأرثوذكسية اليونانية في تركيا والأقلية المسلمة في اليونان. كما منحت المعاهدة جزيرتي إمبروس (غوكسيادا) وتينيدوس (بوزكادا) “حق الإدارة الذاتية”، وهو حق ألغته الحكومة التركية في 17 فيفري عام 1926.

كما قبلت تركيا رسميًا خسارتها جزيرة قبرص، وتُرك مصير محافظة الموصل ليتم تحديده من قبل عصبة الأمم. كما تخلت تركيا صراحةً عن جميع مطالباتها بجزر دوديكانيسيا، التي اضطرت إيطاليا لإعادتها إلى تركيا وفقًا للمادة الثانية من معاهدة أوشي في عام 1912، عقب الحرب الإيطالية التركية.

فيما احتوت على بنودٍ أخرى مشابهة لبنود الاتفاقيات التي توقعها الدول المهزومة بعد خسارتها للحروب، مثل تثبيت لاتفاقياتٍ سابقة لترسيم الحدود، التزامات متنوعة بالتعرفات الجمركية والبريد، مُهل وإجراءات لمغادرة الرعايا الموجودين في دول أخرى، جدولة للديون السابقة، توضيح لمصير عقود التأمين، التزام تركيا باتفاقية الثالث من نوفمبر 1881 بشأن التدابير الاحترازية ضد حشرة فيلوكسرا، واتفاقية السابع من يونيو/حزيران 1905 بشأن إنشاء معهد زراعي في روما، واتفاقية بيرن لحظر استخدام الفوسفور الأبيض في صناعة أعواد الثقاب.

أردوغان ينتقد معاهدة لوزان

في عام 2016، تحدث الرئيس التركي رجب طيب أردوغان أمام حشد من الساسة المحليين في أنقرة عن معاهدة لوزان، في سياق إشكالية الحدود بين تركيا واليونان، ليكون بذلك أول زعيم تركي ينتقد علانية المعاهدة، ومنذ ذلك الحين داوم على إطلاق التعليقات التي تشكك في عدالة هذه الحدود والمعاهدة ككل.

ففي عام 2017 خلال زيارة هي الأولى لرئيس تركي إلى أثينا منذ عام 1952، قال أردوغان إنّ المعاهدة التي تم عقدها عام 1923، وحسمت حدود تركيا بعد الحرب العالمية الأولى لم يتم تطبيقها بشكل عادل. واتهم اليونان، وقتئذ، بعدم الالتزام بالمعاهدة في ما يتعلق بمعاملة الأقلية المسلمة قائلًا، “إن أثينا لم تسمح لهم باختيار مفتيهم الديني”، وشكا من أنّ بعض نقاط المعاهدة تحتاج إلى توضيح. وفي السابق، كان أردوغان أعلن أنّ لوزان لم تكن نصرًا عظيمًا، لأن تركيا اضطرت للتخلي عن بعض الجزر (اليونانية حاليًا).

منذ ذلك الحين، ومع اقتراب المعاهدة من ذكراها المئوية، تصاعدت أخبار بين الساسة الأتراك ووسائل الإعلام التركية والعربية عن بنود سرية للمعاهدة التي ستنتهي بحلول 100 عام -أي اليوم- والتي بموجبها ستضم الموصل وحلب واعزاز وبعض الجزر اليونانية، وسيُسمح لها بالتنقيب عن النفط والغاز في شرقي المتوسط، وستُمنح السيطرة المطلقة على المضائق التي تمر عبرها. فيما عزا البعض حالة عدم الاستقرار الذي تشهده سياسة البلاد الخارجية سببه “مؤامرة” تُحاك لإضعاف تركيا خوفًا من تحررها من بنود المعاهدة.

صورة متعلقة توضيحية

ما هي بنود معاهدة لوزان؟

راجع “مسبار” النسخة الكاملة من بنود المعاهدة، بلغتها الإنجليزية واللغة العربية الصادرة عن المعهد المصري للدراسات. وقبل كل شيء، لم يُحدّد تاريخ انتهاء للمعاهدة، ولم تنص في أي بندٍ فيها على مدة معينة للالتزام. كما لم يعثر على أي بند متعلّق بأحقية تركيا بثرواتها الباطنية أو منعها من التنقيب عنها.

في الواقع، فإن تركيا تنتج النفط الخام منذ عام 1965. وفي عام 2020، بلغ حجم إنتاجها 60845 برميلًا في اليوم من خلال 9605 بئر. وفي يونيو الماضي، أعلنت مؤسسة البترول التركية (TPAO) أن إنتاج النفط اليومي في البلاد تجاوز 70 ألف برميل عقب الاكتشافات الجديدة.

ويُشاع في بعض الأوساط الإعلامية وحتى البحثية فرضية تحجيم مُعاهدة لوزان سيادة تركيا على المضائق، وهو ما لا يمكن أن تتخلص منه تركيا إلا في عام 2023. إلا أن المادة (رقم 23 من المعاهدة) انتهى مفعولها، وحصلت تركيا على سيادتها الكاملة عام 1936، حينما تم توقيع اتفاقية مونترو (أو “مونترك”) التي حلت محل هذه المادة من مُعاهدة لوزان، ومنحت تركيا السيادة المطلقة على مضيق البوسفور في السلم والحرب.

وجاء تغيير هذه المادة بعد ما عرضت تركيا مطلع عام 1936 على عصبة الأمم مسودة مشروع لتغيير الوضع القانوني لتلك المادة. وتماشيًا مع المسودة، أعلنت المملكة المتحدة، والدول الأعضاء في حلف البلقان انفتاحها لمناقشتها. وعلى إثر ذلك، قبلت الدول المُشاركة في اتفاقية لوزان مسودة المشروع، ليبدأ في 22 جوان 1936 اجتماع مناقشة تغيير وضعية المضيق في مدينة مونترو السويسرية. وفي 20 يوليو 1936، وقعت فرنسا وبلغاريا واليابان وبريطانيا وأستراليا واليونان ورومانيا والاتحاد السوفيتي ويوغسلافيا وتركيا على الاتفاقية التي منحت تركيا حق السيادة الكاملة على المضيق.

كيف انتشرت الادعاءات حول معاهدة لوزان؟

وفقًا لاستطلاع أجرته قناة ODA التركية مطلع هذا العام، يعتقد أقل من نصف الأتراك بقليل ونحو 43 في المئة من خريجي الجامعات أن معاهدة لوزان ستنتهي هذا العام وأن “بنودها السرية” المزعومة سيتم الكشف عنها أخيرًا. فمن أين أتت تلك الادعاءات الراسخة، وما الذي يدفع الكثير من الناس إلى الإيمان بها؟

صورة متعلقة توضيحية

يشير المؤرخ التركي جوخان جيتينسايا إلى أنه يمكن تتبّع نظريات مؤامرة لوزان إلى الكتابات الإسلامية والقومية لشخصيات مثل جيفات رفعت أتيلهان، مؤلف وسياسي شهير كان مؤيدًا صريحًا للنازية، ونسيب فاضل كساكورك، شاعر تركي قومي يعدّ أحد ملهمي الرئيس التركي رجب طيب أردوغان.

في الخمسينيات من القرن العشرين، جادل أتيلهان وكيساكوريك بأن معاهدة لوزان 1923 كانت مؤامرة يهودية، دبرها الحاخام الأكبر حاييم ناحوم، مستشار الوفد التركي في لوزان. وبيّنوا كيف مثّلت المعاهدة هزيمة كبرى لتركيا، ليس فقط بسبب الخسائر الإقليمية والاقتصادية التي ألحقتها من خلال بنودها المعروفة و”السرية”، بل من خلال “تمهيد الطريق لإلغاء الخلافة في مارس 1924، لإضعاف المجتمع التركي أخلاقيًا، وقلب وحدة الإسلام ووعيه”.

أما عربيًا، فتعود جذور انتشار الادعاءات المحيطة بمعاهدة لوزان إلى كتابات المؤرخ علي محمد محمد الصلابي، وتحديدًا كتابه “الدولة العثمانية عوامل النهوض وأسباب السقوط”، الذي صدر عام 2001، والذي قدّم فيه ادعاءات تتماشى فرضية تكبيل الدولة العثمانية وحرمانها من خيراتها وإنهاء الخلافة الإسلامية.

وامتدّت الشائعات حول معاهدة لوزان و”إعادة أمجاد تركيا” إلى تصريحات أدلى بها سياسيون أتراك على مدى سنوات عززت الإيمان بتلك الادعاءات، ففي عام 2018 استخدم الرئيس أردوغان رمز التفاح الأحمر خلال العملية العسكرية ضد الأكراد في عفرين، والتفاح الأحمر يعد رمزًا أسطوريًا قديمًا تبنّته الإمبراطورية العثمانية ليعبّر عن “الفتح النهائي”، وكان رمزًا لبعض الوحدات الانكشارية في الجيش العثماني.

ولا يزال رمزًا بارزًا يستخدمه السياسيون الأتراك الذين يعتقدون أن تركيا لا تزال تتمتع بحقوقها في السيطرة على الأرض التي كانت مملوكة سابقًا في عهد الإمبراطورية العثمانية، ويزعمون أنها تخطط للقيام بذلك بعد انتهاء معاهدة لوزان. كما يطلق بعض السياسيين الأتراك القلقين من أن تركيا ستنهار إذا انضمت إلى الاتحاد الأوروبي وستفقد شرعيتها إذا اتخذت سياسات مؤيدة للاتحاد الأوروبي على أنفسهم اسم “تحالف التفاح الأحمر”.

ومع انقضاء اليوم، ستبقى معاهدة لوزان سارية المفعول ليس لها تاريخ انتهاء معروف، إلا إذا تم تعديلها أو استبدالها باتفاقيات جديدة بما ينصّ عليه القانون الدولي. تعدّ المعاهدات مثل لوزان ذات عمر لانهائي عادة، وإن انتهت الشائعات المحيطة بالاتفاقية قريبًا، فمن غير المرجح أن تنتهي نظريات المؤامرة حول علاقة الغرب بتركيا.

المصادر:

Brigham Young University

المعهد المصري للدراسات

إندبندنت عربية

Petform

الأناضول

The Conversation

ODA TV

Foreign Policy

The Lausanne Project

ترك برس

عنب بلدي

Newlines Magazine

التلفزيون العربي

nexus slot

garansi kekalahan 100